طوفان الاقصى والشهر العاشر ماذا بعد
مقالات
طوفان الاقصى والشهر العاشر ماذا بعد
م. زياد أبو الرجا
5 تموز 2024 , 17:03 م


الكيان الصهيوني في فلسطين هو" المَسْلَحْ"المتقدم للاستعمار العالمي في الاقليم.مهمته الابقاء عليه منقسمٍ سياسيا وجغرافيا ومتخلفٍ اقتصاديا ووظيفته الرئيسة ضرب وقمع حركات التحرر العربي في حال عجزت " المَسالِحْ"الاقليمية التي اقامها الاستعمار عن القيام بالوظائف المناطة بها. بعد ان نال " الْمَسْلَحْ"الصهيوني على الاعتراف الدولي(( كجيش له دولة)) قامت الدول الاستعمارية باغداق الاموال عليه بما يفوق حاجاته ليلعب دور القناة التي تسقي النفوذ الاستعماري والاستيطاني في القارة الافريقية وزودته باحدث الاسلحة لتبقيه في وضع المهيمن والمسيطر عسكريا على كل " المَسالحْ" المحيطة به

وخلال اقل من عقد من الزمن شارك " المَسْلَحْ" الصهيوني في العدوان الثلاثي على مصرمع بريطانيا وفرنسا وكانت ( البروفة) الاولى للمهمات والوظائف المستقبلية . كان عدوان حزيران عام ١٩٦٧ وهزيمة " الْمَسالِحْ" العربية واحتلال كامل فلسطين وسيناء والجولان (( المهمة التي انفرد بها جيش " الْمَسْلَحْ" الصهيوني ظاهريا))---لان سلاح الجو الامريكي الذي اقلع من قاعدة ويلس الجوية في بنغازي هو الذي دمر المطارات والطائرات المصرية--.وصار في نظر العالم الجيش الذي لا يقهر.

بعد انشاء منظمة التحرير الفلسطينية عام ١٩٦٤ وانطلاق الكفاح المسلح عام ١٩٦٥ وبعد هزيمة حزيران عام ١٩٦٧ شرعت الانظمة المهزومة الابواب للمقاومة المسلحة لتلهي وتحرف انظار الجماهير عن محاسبتها على الهزيمة النكراء التي لحقت بها واحتلال الاوطان.عندما استعادت الانظمة عافيتها بدأت بالتصدي الممنهج والمدروس للمقاومة الفلسطينية اخذ ابعادا عسكرية وسياسية واقتصادية.ومن اهم هذه الاجراءات التركيز على القيادات البرجوازية التي ركبت قارب الثورة الفلسطينية من اجل ان يكون لها سلطة في الضفة والقطاع وقامت الانظمة باغداق الاموال عليها لكي تتحكم بالقرار الفلسطيني.

التطور الابرز الذي افرزته حرب تشرين التحريكية عام ١٩٧٣كان انخراط مصر في مشاريع التسوية الامريكية وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد وملحقاتها وتخلي مصر عن دورها العربي والاقليمي وانكفائها على الداخل المصري.لكنها استمرت مع بقية الانظمة باتباع سياسة العصا والجزرة مع منظمة التحرير الفلسطينيةللتسريع في انخراطها بالتسوية الامريكية.من جانبه قام جيش " الْمَسْلَحْ" الصهيوني باجتياح لبنان عام ١٩٨٢وما اعقبه من الخروج الطوعي لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان الى بلدان الشتات البعيدة عن فلسطين واستقرار قيادات المنظمة في تونس مما اتاح لسلاح جو الكيان ان يقصف المقر الذي كان المجلس الثوري لحركة فتح مجتمعا فيه واغتيال خليل الوزير ابو جهاد وبعد ذلك اغتيال صلاح خلف ابو اياد وهايل عبد الحميد ابو الهول ادت الى تحرر البرجوازية الفلسطينية من اية قيود وطنية

في الوقت الذي وقعت فيه مصر على اتفاقية كامب ديفيد وما خلفه من فراغ سياسي في الاقليم كان العالم على موعد مع الثورة الاسلامية في ايران التي اطاحت بنظام الشاه اهم ركيزة امريكية من المراكز الاقليمية الثلاث في الاقليم.تقدمت الجمهورية الاسلامية الايرانية لملء الفراغ في الاقليم وهي ما زالت في طور الثورة ولم تنتقل بعد الى طور الدولة وجعلت سفارة الكيان في طهران مقرا لسفارة فلسطين واقر الامام الخميني اخر يوم جمعة من شهر رمضان يوما عالميا للقدس، وحدد الامام الخميني المنطلقات الاساسية للثورة الايرانية بشكل مختصر وجلي وغير قابل للتأويل ولا لبس فيه(( امريكا هي الشيطان والطاغوت الاكبر والكيان الصهيوني غدة سرطانية يجب ازالتها من الوجود وان ايران ستبقى نصيرا وسندا وعونا لكل المستضعفين في الارض بصرف النظر عن دينهم وعرقهم.

استشعرت امريكا المخاطر التي تهدد ركائز وجودها في الاقليم "ومَسْلَحَها" المتقدم فيه وبقية " الْمَسالِحْ" الاقليمية وقامت بدفعها الى حرب مع الجمهورية الفتية في ايران بعد ان هيأت المتطلبات اللوجيستية والسياسيةلصدام حسين لشن الحرب تحت شعار حماية البوابة الشرقية من النفوذ الفارسي فيما العظو الصهيوني يجثم على البوابة الغربية التي فيها اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومعراج خاتم الانبياء والمرسلين(( الشاعر العراقي مظفر النواب قال: اسكتوا فالحكومات في استها نائمة لا...لا...فحكومتنا دون كل الحكومات

فزت من النوم شاهرة سيفها

وعلى صدرها ما تشاء من الاوسمة

طعنتنا ويشهد الاله مثل البقية مستزلمة.))

وعلى الرغم من ذلك لم تتراجع الجمهورية الاسلامية الايرانية قيد انملة عن مبادئها ومنطلقات ثورتهاالتي ارساها الامام الخميني .وخلال مسيرتهاالمحفوفة بالمخاطر نجحت الثورة في الانتقال الى طور الدولة التي تبني في الداخل والسند القوي للمقاومات الاسلامية في الاقليم.

كان اتفاق اوسلو وملحقاته بمثابة النكبة الثانية للشعب الفلسطيني الذي تخلت فيه منظمة التحرير الفلسطينية عن الميثاق الوطني الفلسطيني وقالت " كادوك" للميثاق ووداعا للسلاح هذا من جهة اما من الجهة الثانية كان اتفاق اوسلو مغنما للقوى الانتهازية الفلسطينية اليسارية منها قبل اليمينية الفتحوية الممسكة بخناق منظمة التحرير الفلسطينية التي تحولت الى سلطة تحت الاحتلال(( السلطة/ الجيتو))ووقفوا طوابير على ابوابها كي تشملهم السلطة في منح تصاريح الدخول الى الضفة والقطاع وتنعم عليهم برتب ومناصب من درجة مدير وما فوق.خمدت جذوة النضال وهجع مناضلو الامس وانكبوا على اقتسام الغنائم والتنافس على الانتخابات البلدية والتشريعية فيما استفردت القيادات اليمينية المتنفذة بالوكالات والعمولات لرجال الاعمال الفلسطينيين الذين توهموا بان يكون لهم دولة وسلطة ووصل الامر ببعضهم ان صار مقاولا من الباطن مع الشركات الصهيونية التي تبني المستوطنات مثال ذلك محمود قريع ابو علاء الذي كان يورد الحصى والاسمنت.

في غمرة ملهاة السلطة في المفاوضات مع الكيان تضاعفت اعداد المستوطنات والمستوطنين في الضفة الغربية، كان الجنوب اللبناني المحتل يخوض نضالا ضاريا عبر الكفاح المسلح الذي اطلقته المقاومة الاسلامية في لبنان بدعم كامل من سورية وايران انتصرت فيه على جيش الكيان وارغمته على الفرار تحت النار في ايار عام ٢٠٠٠.كانت انتفاضة الاقصى اولى تداعيات هذا النصر العظيم على جيش الكيان والذي فتح الابواب للمقاومة الاسلامية في فلسطين ممثلة بحركة المقاومة الاسلامية " حماس" وحركة الجهاد الاسلامي لان تصعد وتستمر في المقاومة المسلحة واتخذتا من دمشق مقرا رئيسا لهماوقدمت سورية ميادين التدريب والتسليح والتمويل الذي قدمته الجمهورية الاسلامية في ايران.ارغمت المقاومة الاسلامية الفلسطينية جيش الكيان على الانسحاب من قطاع غزة .بدل ان تستثمر السلطة هذا النصر في فرض شروط على الكيان اثناء المفاوضات ذهبت بعيدا في مسلسل التنازل والتنسيق الامني معه واتهمت المقاومة الفلسطينية بالتأمر مع ايران وسورية على المشروع الوطني الذي تتبناه السلطة وترعاه.

في الجولة الثانية من صراع المقاومة الاسلامية في لبنان مع الكيان حشدت امريكا جيشه ومعه دول عربية مولت الحرب ووقفت معها اعلاميا وسياسيا لفرض مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي نظرت له كونداليسا رايس.مرة اخرى مني الجيش الذي لا يقهر بهزيمة نكراءفي حرب تموز عام ٢٠٠٦ وسقط مشروع الشرق الاوسط الجديد سقوطا مدويا.وانتشرت ثقافة المقاومة والمقاومين وثبت عجز الكيان عن القيام بالوظيفة التي ارتبط وجوده بحسن ادائها.ولكي يستعيد بعضا من هيبته والتعويض عن هزائمه ذهب الى قطاع غزة يبحث عن النصر المفقودفمني بخسائر فادحة وهزائم مدوية في كل المحاولات المتتالية وكان اخرها سيف القدس.

دأبت امريكا على ترميم الكيان وتعويضه عن هزائمه العسكرية في الميادين بعمليات التطبيع مع " الْمَسالِحْ" العربية واعترفت بالقدس عاصمة ابدية للكيان وضم الجولان السوري المحتل.

بغتةً ودون سابق انذار فاض طوفان الاقصى في السابع من تشرين/ اوكتوبر٢٠٢٣ الذي ما زال العالم يعيش على ايقاعه وتداعياته المستمرة وعبثا تحاول امريكا ان تضع حدا لذلك ودخل الشهر العاشر والمقاومة الفلسطينية اصلب عودا واوسع انتشارا في القطاع والضفة وجبهات الاسناد تستنزف العدو عسكريا وسياسيا واقتصاديا وامنيا وفوق كل ذلك عمق طوفان الاقصى تناقضات الكيان الداخلية وازدادت الهجرة المعاكسة وترسخ في عقل ووجدان الكيان قادة ومستوطنين مسألة الوجود المهدد بالزوال وقد عبر عن ذلك مفكرون وجنرالات عسكريون وامنيون ورجال دين بان عمر دولتهم لن يمتد الى الثمانين عاما.وعليه فان الحرب التي يخوضها الكيان هي معركة الوجود ولكنها في نفس الوقت معركة وجود وتحرير بالنسبة لمحور المقاومة.بالنسبة لامريكا ومعها الناتو هي مدركة انها لا تستطيع ان تلقي طوق النجاة العسكري للكيان لان ميزان القوى كما تراه قيادة البنتاجون على الارض اقليميا ودوليا ليس في صالحها.لذلك نرى سعيها المحموم سياسيا ودبلوماسيا للحصول على ما عجزت عن تحقيقه في الميدان.وكلما ازدادت التحركات السياسية والدبلوماسية تزداد ثقتنا وقناعتنا بان الكيان مهزوم ومأزوم.لو ان لدى امريكا بصيص امل في تحقيق نصر باجتياح لبنان عبر حملة واسعة لما تاخرت عن خوض غمارها.لكن امريكا التي تعايشت مع هزيمتها في العراق وهزيمتها الاخيرة في افغانستان تستطيع ان تتعايش مع هزيمة ثالثة في الاقليم كاحد الخيارات المرة التي عليها ان تتقبلها.لكن المأزق الرئيس هو ان امريكا والكيان وجهان لعملة واحدة فهي تقاتلنا باسم الكيان والكيان يقاتلنا باسم امريكا.وعليه لا يمكن لامريكا ان تترك " مَسْلَحَها" المتقدم في الاقليم لسباع محور المقاومة كي تفترسه وتلتهمه.امام هذا الاستعصاء الذي لا يلوح في الافق اي مخرج منه سيبقى الاقليم معلقا بين السلم والحرب مع الاستمرار في حرب الاستنزاف التي ليست في مصلحة الكيان حتى يرتكب احد الطرفين حماقة بالذهاب الى الحرب الشاملة .اعتقد جازما ان محور المقاومة المعروف بحكمته وثقته بقدراته والمطمئن الى حسن خياراته لن يرتكب ذلك لكنه متأهب ومستعد وينتظر من نتنياهو ان يرتكب حماقته ويقود الكيان الى الزوال او ان يخلع بزته العسكرية ويستسلم ويأمر جيشه في غزة بالفرار تحت النار.

والا....

كل ظاهر نور والعلة في المجهول.

م/ زياد ابو الرجا

المصدر: موقع إضاءات الإخباري