إحياء ذكرى إستشهاد غسان كنفاني
فلسطين
إحياء ذكرى إستشهاد غسان كنفاني
احسان سالم
13 تموز 2024 , 13:49 م


كتب الأستاذ إحسان سالم

رام الله المحتلة

كثير من الناس كتبوا و تحدثوا عن غسان كنفاني لكن أجمل ما قيل عنه " انه كان شعبا في رجل ، وكان قضية ، وكان وطنا لا يمكن ان نستعيده الا اذا استعدنا الوطن " وهذا كان كلاما صحيحا ، ونحن اليوم لم نلتق فقط لكي نؤبن غسان كنفاني بل أيضا لنؤبن مرحلة غسان كنفاني و ما احتوته من صدق ونقاء نفتقده اليوم ، لنتحدث عن الظاهرة الثورية النظيفة التي جسدها غسان .

عندما اخذ غسان كنفاني يبشر بالثورة انما تنبع فقط من فوهة البندقية ، وكان عصر احلام سرعان ما جائت الفرصة لتمتلك فعلا الحركة الفلسطينية هذه البندقية و تنطلق نحو هدفها المعلن و المفترض تحرير فلسطين لكن سرعان ما يتبخر هذا الهدف عندما اخذت منظمة التحرير تتحول تدريجيا الى كيان اندمج بالانظمة العربية و اصبح شبيها بها بل و اخذ احيانا يسير في ركابها ..... و هذا ما اقلق غسان و حذر منه مبكرا حينما قال " ان الانحراف السياسي يبدأ من النقطة التي نتنازل فيها عن استراتيجياتنا التحررية لحساب استراتيجبة العدو " وكأنه يستشعر الخطر القادم حينما جاء اليوم الذي وقع القلسطينيون في اوسلو على صك استسلامهم ، وهجروا الرفاق و الشهداء و التحقوا مبكرا بمعسكر السلام مع الاعداء و اصبحوا في المعسكر الاخر بعيدين عن غسان كنفاني و العديد من الشهداء العظام .

وليس هناك شك بأننا اليوم في غمره ذلك ..

بالحقيقة انا عرفت شهيدنا غسان في بداية وفي اواخر الخمسينات عرفته في الكويت حيث كنت طالبا وكان هو يعمل في وزارة المعارف الكويتية و التقيته لاحقا في بداية الستينات في بيروت في امكنة كثيرة كان هو يرتادها في بيروت في الغلاييني وفي الانكل سام و في مطعم فيصل ، هذا الانسان بمجرد ان تسمعه يتحدث تجد نفسك امام عوالم متعددة حافلة بالثراء المطلق و العطاء اللامحدود ، رغم صغر سنه آنذاك و رغم مرضه المبكر فقد كان يعاني من السكري و النقرس ، ولكنك تذهل من قوة ذلك .

التوهج و عنفوان ايمانه اليقيني بعروبة فلسطين و تحس بشغفه اللامحدود و كأنه يحدث الخطى في طريق العودة نحو فلسطين .

عرفته مناضلا ثوريا حتى النخاع عاش و مات فقيرا ، ولكنه ترك لشعبه ارثا كبيرا ما يزال ماثلا حتى يومنا هذا ،و كان رجل موقف لم يتلوث بغواية المال رغم الفرص العديدة التي اتيحت له ، عرص عليه المال و لكنه اعرض عنه و فضل استدانه القروش من محبيه ولم ينكسر امام اية اغراءات ، وظل يجسد السمو و الارتفاع الثوري الحقيقي و كان فعلا وطنيا من نوع نادر لا يعرف المساومة ولذلك دفع حياته ثمنا لمواقفه و رؤيته التي امن بها .

كان يحدثنا بكل تواضع و افتخار كيف عاش حياة فقر و تشرد و كيف عمل بائعا لاكياس الورق في اسواق دمشق وتنقل من هذا الى كاتب استدعاءات امام دار المحاكم ، وكان رأسماله آلة كانبة قديمة مستأجرة ، ثم عمل بالمطابع و تطور الى تعليم الرسم في مدارس الوكالة في اليرموك و هذا يفسر نبوغه بالرسم فيما بعد حتى انه من كان يرسم ويصمم ملصقات الجبهة الشعبية في لبنان،بعد ذلك و بعد ان انهى دراسته الثانوية عمل في مدارس اللاجئين بوكالة الغوث الى ان التحق بجامعة دمشق و بدا يدرس الادب العربي ، و في هذه المرحلة التحق بحركة القومين العرب ، وبدأت رحلته الحافلة بالعطاء و المجد ، و بدأت هذه المرحلة بالوطن المغتصب و انتهت بهذا الوطن .

عرفته و عرفه العالم مثقفا بساريا بارزا و عضوا فاعلا في حركة القومين العرب ثم عضوا بالمكتب السياسي بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين و هو من شارك في وضع البيان السياسي للجبهة و الذي عرف آنذاك بأسم " برنامج اب 1969" ثم متحدثا رسميا الجبهة .

هذه لمحة و مقدمة اريد ان اتبعها بلمحة اخرى عن الوجه الاخر لهذا الشهيد المناضل فقد كان من اكثر الكتاب و الصحفيين العرب شهرة في عصرنا و قد كانت اعماله الادبية متجذرة وما زالت بكل عمق و قوة في الثقافة الفلسطينية و العربية .

وقد كان هو دون غيره من عرف العالم بناجي العلي و محمود درويش وسميح القاسم وغيرهم من أدبائنا وشعراءنا (في كتاب ادب المقاومة في فلسطين المحتله -1965)، وهو في هذا العمر القصير ورغم المرض و الفقر فقد عمل ليلا ونهارا لكي يحكي لشعبه

و للعالم حكاية اغتصاب فلسطين على طريقته عبر تسعة عشر كتابا و مئات المقالات الثورية الغنية التي كانت تصل الى الجماهير و الى المخيمات الفلسطينية في كل مكان ، وهو من اوائل من كتب عن شعراء المقاومة و نشر لهم و تحدث عن اشعارهم و اهازيجهم الشعبية في السنوات الاولى للثورة فكان بحق القمر الذي اطل في السماء فظهر بهيا رائعا ، يطل على قضية شعبية و يبشر بالعمل الفدائي قبل ان يولد هذا العمل بسنوات عبر مقالاته من موقعه في اهم الصحف العربية الكثيرة التي عمل محررا فيها كالراي و الحرية و المحرر و فلسطين و الانوار الى ان استقر في صحيفة الهدف.

هاجر غسان من مدينة عكا ثم يافا و عاش النكبة و ما تلاها ولم يبقى له سوى ان يشهد على هذه النكبة ويسرد الكارثة وكانت جميع كتاباته دعوة الى التمرد و الى الثورة حينما قال في بداية السنيتات "انها الثورة هكذا يقولون جميعا و انت لا تستطيع ان تعرف معنى الثورة الا اذا كنت تعلق على كتفك بندقية تستطيع ان تطلق فالي متى تنتظر ؟ " قد يكون هذا الكلام امرا طبيعيا اليوم و لكنه في ذلك الزمان كان نبوة و تبشيرا .

كيف قتل غسان و لماذا ؟

اثر عملية ميونخ و مقتل الرياضيين الصهاينه اصدرت حكومة العدو برئاسة جولدمائير قرارها بتصفية العديد من القادة الفلسطينيين ، و كلفت في حينه رئيس الموساد زامير للعمل على تصفيتهم و شكلت من اجل ذلك لجنه ضمت كبار قادة الكيان الغاصب و كان اجدهم رحبعام زيئفي " قامت كوكبة من رفاق غسان فيما بعد بتصفية و قتل زئيفي في القدس العربية فبرغم الارتداد الحاصل فهناك دوما طليعة من ابناء شعبنا لا تغفر ولا تساوم " نرجع و نقول ان غسان كنفاني كان على راس تلك اللائحة "لائحة الاعدام " التي ضمت و ديع حداد و كمال عدوان و كمال ناصر و ابو يوسف النجار

و اليوم نسال انفسنا هل عاد غسان الى حيفا ؟ و انااجيب على هذا السؤال و اقول لغسان بأنك قد عدت الى حيفا و الى عكا و الى يافا و لكنك لم تعد مثلما عاد سواك الذين ظنوا ان السجادة الحمراء سوف تعطيهم دولة فأنت و من امن بك من الذين قدموا ارواحهم على مذبح الفداء و الثورة و بقيتم كما عاهدتم شعبكم منذ البدايات الطاهرة ؟

و هم ما جنو سوى الاوهام و الاتفاقات التي لا تليق باشلائك هم بعيدون عنك و عن ابو علي مصطفى و ابو علي اياد و ابو جهاد و وديع حداد و ابو اياد و الشيخ احمد ياسين و الرنتيسي و محمد الدرة و كل شهداء شعبنا و اقول لك قد بدلوا البندقية بالارصده و الفلل و المرافقين و كرت الشخصيات المهمة و بدلوا النضال بالمطالبة بالرواتب و التقاعد المزدوجة و لكن لا تحزن ايها الفارس فها هي روايتك عائد الى حيفا تعرض في يافا و تل ابيب رغم انف الغاصب الصهيوني لا تحزن ايها الفارس ولا تغضب ممن عاصروك و عادوا بعد ان هجروا البنادق فأنت في قبرك اكبر منهم جميعا فهم لم يهجروك و حدك فحسب بل هم هجروا الشهداء و الجياع في المخيمات فقد ايتطابت لهم الحياة في امكنة اخرى ، بكنهم يخافون النظر الى عينك المحدقة بهم و انت في قبرك ، فأنت الحي ابها الشهيد و هم الميتون .

لا تحزن على ام اسعد التي سرقت منها السعادة و هي تشاهد نفرا من ابنائها بتسابقون لمرضاة امريكا و يسافرون بتذاكر الدرجة الاولى وينزلون بأفخم الفنادق يملكون الارصدة و اساطبل السيارات الفارهة و هي تشاهد كيف يجري العمل ليلا و نهارا على تخريب المقاومة و وصمها ز زصفها بأقبح الصفات كي تبعد الطريق التي بدأت في اوسلو و جينيف و واشنطن الى ابعد من ذلك بكثير .

لا تحزن ابها الفارس فالرواية لها بقية فشعبك لم يستكن و لم تخر قواه ولم يفقد ايمانه العميق يالتحرر و العودة وهو يقف اليوم في ذكراك ويعاهدك على انه رغم كل جرائم الابادة التي يشنها الكيان الغاصب رغم التامر و الانبطاح رغم كل الصعاب و المحن فستبقى هذا الشعب رافعا راية الكفاح و حتى لو فنى شعب فلسطين و بقيت هناك امرأة فلسطينية واحدة اسمها ام سعد تلد أطفالا فلسوف يرفعون راية التحرير و العودة و ستظل ام سعد تحفزهم قائلة لهم هذا وطنكم فقاتلوا لاسترجاعه .

الاراضي المحتلة 8/7/2016

احسان سالم 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري