كتب الأستاذ حليم خاتون:
١٨/٧/٢٤
مع نهاية القرن العشرين، أسقط التوق إلى الحرية جدار برلين فسجل التاريخ نهاية حقبة نظام القطبين مع انهيار الاتحاد السوفياتي...
يومها، لم تتلقف البشرية تلك اللحظة التارخية لبناء عالم يقوم على العدل والمساواة...
ربما كان لا بد من سقوط القطب الآخر أيضا...
ربما لو لم يكن ليش فاليسا وبوريس يلتسين من قادة هذا التيار، كانت غلبت الحرية الغباء والانتهازية السياسية، وانتصرت الإنسانية...
قدم غورباتشوف الاتحاد السوفياتي بسذاجة وصلت إلى قمة هذا الغباء المطلق على سفرة الغرب من اللئام...
زاد الطين بلة أن نصف قرن من حكم البلاشفة في روسيا أسفر عن حملِِ سفاح، غير طبيعي، ناتج عن اغتصاب التطور الطبيعي لحضارة روسيا على أيدي مجموعة غير متجانسة من البشر تراوحت بين ثوريين حالمين، وحكام مطلقين مستبدين، وصولا إلى أغبياء انتهازيين وصوليين استطاعوا النفاذ إلى حكم روسيا عبر سلة الحزب الشيوعي البيروقراطي السوفياتي الذي لعب دور السلطان الجائر، فأوصل المخمور بوريس يلتسين الذي أعطى الغرب كل ما يريد لقاء حساب خاص في سويسرا باع فيه مصالح روسيا بحفنة من الدولارات...
يومها انتشى الغرب والتَهَمَ كل شيء دون أن يتدشى...
خرج هانتينغتونغ باستنتاج غريب اطلق عليه عنوان "نهاية التاريخ"...
انتهى بنظر ذلك "الفيلسوف" المخبول صراع الحضارات بانتصار الحضارة الغربية إلى الأبد...
من الآن فصاعدا،
سوف يحكم الغرب العالم، وسوف تسود مفاهيم الحضارة الغربية التي تلبس ثوب ديمقراطية أثينا الإغريقية، وأحزاب المسيحية الديمقراطية، والاشتراكية الديمقراطية...
كان هذا في الشكل...
أما في المضمون،
فإن هذه الحضارة الغربية التي قامت على السرقة والنهب والإبادة، لم تعرف من الديمقراطية أو المسيحية أو الاشتراكية الا القشور...
حضارة الغرب الرأسمالية توجت نفسها باستعمار إمبريالي ما لبث أن بدأ بسرقة الأراضي والثروات عبر الغزو؛ ثم انتقل الى الاستيلاء على الأوطان عبر الإستيطان وإبادة الشعوب الأصلية في الأميركيتين وأستراليا ونيوزيلند وروديسيا وجنوب أفريقيا و... فلسطين...
كادت نظرية "نهاية التاريخ" تنجح...
قارات أميركا وأوقيانيا صارت شبه "غربية!" بالمطلق...
في روديسيا (زيمبابوي)، تم القضاء على خطة إعادة الأرض المصادرة من قبل الاقلية البيضاء لأصحابها من الأفارقة عبر الحصار الغربي المطلق لهذا البلد من جهة، وعبر شيطنة حزب موغابي الحاكم الذي لم يكن على مستوى المسؤولية التاريخية وتحول هو نفسه إلى عبئ على الاغلبية السوداء المظلومة...
في جنوب أفريقيا، تحسب نيلسون مانديلا إلى وجوب التعاطي مع الغرب وفق نظرية شعرة معاوية...
قبل مانديلا ببقاء الابارتايد في الإقتصاد مقابل حصول السود على الحريات السياسية...
تعايش مانديلا مع سيطرة العالم الغربي وسيطرة مفاهيم الغرب على أمل أن يعالج الزمن هذا الوضع...
لكن، وفي قمة نشوة الغرب بالانتصار والتمتع بما توصل اليه هانتينغتونغ، ورفض سماع تحذيرات أصوات أخرى مثل جيفري ساكس أو جون ميرشايمر الذين حذروا من التمادي في استباحة حقوق الشعوب التي سوف تؤدي بنظرهم إلى خسارة الغرب على المدى المنظور، خرج اول تمرد من روسيا نفسها مع حرب بوتين الخاطفة في جورجيا ثم عودة روسيا إلى المسرح العالمي عبر التدخل في سوريا...
ردت روسيا على الانقلاب الغربي في أوكرانيا باجتياح شبه جزيرة القرم ستة ٢٠١٤؛ ثم ارسلت قوة خاصة أسقطت محاولة الانقلاب الغربية في كازاخستان...
لكن الدولة الغربية العميقة (في الاتحاد الأوروبي) كانت تطبخ لروسيا حربا في أوكرانيا عبر تخدير بوتين بمعاهدة مينسك التي تعطي الأقلية الروسية في الدونباس نوعا من الحكم الذاتي الذي يحفظ لروسيا دورا في عالم الرجل الأبيض... ( من اعترافات انجيلا ميركل حول دورها ودور نيكولا ساركوزي)...
خُدع بوتين ليكتشف في النهاية أن الغرب يطبخ لروسيا ما طبخه لغيرها من الشعوب المستضعفة...
استطاع الغرب تحويل حرب أوكرانيا من حرب دفاع روسية عن الجغرافيا السياسية إلى صورة اجتياح روسيا "الجبارة" لدولة جارة صغيرة مكسورة الجناح...
خرج العالم الغربي "المتحضر!" يتحدث عن حقوق الإنسان وغيرها من الجمل التي يتشدق بها هذا الغرب دوما حول الحريات والديقراطية المزيفتين...
من الزاوية الأخلاقية، تم إلباس بوتين نفس ثوب موغابي وتم حصر روسيا في نفس خانة كوريا الشمالية...
حتى ذلك الوقت، انتصر الغرب في شيطنة الخصم والحفاظ على قناع الديمقراطية المسيحية الاشتراكية الديمقراطية الإنسانية الذي لبسه دوما... إلى أن انفجرت غزة في وجه العالم...
ما ارتكبه بايدن ونتنياهو بدعم من شولتز وبيربوك وسوناك وستارمر وماكرون وعصابات الطبقة السياسة الغربية فاق باضعاف مضاعفة كل ما أُتهم به بوتين...
رغم كل جرائم الحرب الواضحة لكل ذي عقل وعين لم تستطع محكمة العدل الدولية حتى مجرد توجية ولو إدانة خجولة لما يتم ارتكابه في غزة من قبل الغرب عبر الوكيل الحصري المتمثل في إسرائيل في الدرجة الأولى وشركائها من النظام الرسمي العربي المشارك في الحصار وحرب الإبادة في الدرجة الثانية...
المحكمة الجنائية الدولية التي اصدرت حكما على فلاديمير بوتين بعد ثلاثة أسابيع فقط من تقديم الدعوى، لم تستطع اصدار اي قرار بعد شهور طويلة من حرب الإبادة بحق اي من المرتكبين المباشرين في الكيان او غير المباشرين في هذا الغرب الاستعماري ضد شعب سُلب من كل شيء بما في ذلك من حقوقه الإنسانية...
ولكي تكشف مؤسسات الغرب الصورية عن وجهها الحقيقي، خرجت أمس منظمة "حقوق الإنسان!"، هيومان رايتس ووتش تدين شهداء غزة والضحايا الفلسطينيين الذي عليهم أن يتحملوا وزر انتفاضتهم ضد الإبادة بحقهم التي بدأت قبل خمس وسبعين سنة ولا تزال تجري...
هذا المشهد العام يعيد إلى الذاكرة صورة إعدام طفل كونغولي لم يبلغ التاسعة أيام الاستعمارالمباشر على يد الاستعمار البلجيكي بتهمة الثورة على هذا الاستعمار...
عفوا يا سادة...
هذه الحرب، كما كل الحروب لم يشعلها الضعفاء...
قرار الحرب والسلم كان دائما في يد من يحمل السوط وينهال على الشعوب بالضرب...
لم تكن حماس هي من بدأ حرب السابع من أكتوبر...
لم يكن حزب الله من بدأ المساندة في الثامن من أكتوبر...
هذه الحرب الدائرة فُرضت علينا فرضا عبر الاستعمار والاستيطان الهمجي...
الذي بدأ هذا الصراع ضد الإنسانية هم أنفسهم أولئك الذين يريدون تخييرنا حسب وصف الدكتور الياس جرادي بين ديمقراطية جو بايدن المصاب بالزهايمر وديمقراطية دونالد ترامب المعتوه إلى درجة النازية...
انها ديمقراطية كوكا كولا أو بيبسي كولا...
هل هناك من خيار أسوأ!!!؟
لكن هذه المرة لا غزة، ولا حزب الله، ولا الحوثي ولا اية قوة على الأرض سوف تجعلنا نخضع...
إما أن نعيش احرارا...
او نمشي على درب الشهادة الذي سبقنا اليه احرار الإنسانية...
لكن في كل الأحوال...
هذه المرة،
سوف نقاتل إلى يوم القتال،
ولن تكون أيامكم الا عدد...