هذه المرة، لعبها سعد الحريري مظبوطة.
لم يعد سعد الحريري ذلك الذي بالكاد يجيد الكلام بالفصحى.
هذه المرة تفوّق بألاعيبه على ألاعيب فؤاد السنيورة.
في اللحظة التي كان فيها نادي رؤساء الحكومات يظن أنه يؤلف عنصر ضغط على سعد الحريري،
كان هو يأخذ منهم درعاً لتلقي السهام والاتهامات؛ فيما هو في الحقيقة يقدّم ثلاثة أسماء لتولي رئاسة حكومة المبادرة الفرنسية:
١-نواف سلام يُرضي الأميركيين والقوات وجنبلاط، لكنه لن يمر عبر حاجز حزب الله.
٢- محمد الحوت، يُرضي غرور النادي، لكنه لن يمر عبر حاجز التيار العوني.
اسمان محروقان سلفا.
الاسم الثالث، شبه مجهول، يُرضي الفرنسيين، لكنه جيد جدا لتكتيك سعد الحريري الجديد.
خلال حوالي أربعة أسابيع، استطاع سعد الحريري اللعب على الجميع.
أظهر نفسه العنصر السني الأساسي، في التأليف وفي المناورة تبين كل الخيوط التي من الممكن اللعب عليها.
فكشف كل الفرقاء أوراقهم.
ظهر بوضوح إلى أي مدى ممكن لكل فريق الذهاب في التنازل و أظهر كل فريق نقاط ضعفه.
بعد أن انتهى من هذا الإختبار، وعرف كيف، ومِنْ مَن يجب أن تُؤلف الحكومة، قرر إعادة فأر
الإختبار إلى المانيا، وانتظر اللحظة المناسبة.
احترقت اوراق عون بسرعة. قريبا سوف ينتهي عهده إلى لا شيء غير الخراب.
ما أن دعا عون إلى الإستشارات المُلزمة، وفُوتح الحريري لتسمية من يريد على رأس الحكومة لكي يمشي الجميع خلفه، ضرب ضربته.
لماذا اللف والدوران؟ قال لهم طالما سعد الحريري هو السيد المُقرر، لماذا التفتيش عن آخرين؟
هذه المرة، لم يصدق فؤاد السنيورة أن سعد الذي كان يسأله عن لون الكرافات التي عليه لبسها،
فاجأه هكذا مفاجأة.
لكن الضربة الحقيقية نزلت على رأس جبران باسيل.
مع كل المَكر الشمعوني الذي يحويه رأس جبران، إلا أنه لم يتوقع أن يكون
سعد الحريري أكثر مكرا.
تلعثم باسيل، طلع ونزل، إلى أن رأى أن بوسطة الحريري الأب سوف تقلع مع جميع ركابها القدامى،
وبقيادة الإبن، سعد.
الكل، أمل، جنبلاط، فرنجية، المستقلون، وغيرهم ... الكل ماشي.
عوّل قليلا على رفض القوات، وشروط حزب الله
لإيقاف هذه البوسطة...
لكن عبثا.
لم يبق إلا الركض للبكاء على صدر عمه الذي قرر مرة أخرى النزول عند خاطر الصهر، فأجّل الإستشارات.
ليس فقط سعد الحريري.
كل من على البوسطة يكره جبران باسيل.
كره باسيل ليس ناتجا عن طهارته ونظافة كفه.
بالتأكيد جبران لا يرشح زيتا.
المشكلة عند ركاب البوسطة الحريرية، والحريري معهم، أن شهية جبران كبيرة جدا على الجبنة اللبنانية.
جبران الذي يقود التيار نزولا، هو ذلك الرجل الذي رمى كل المبادىء في البحر مقابل محاصصة يصر أن تكون أكبر مما يعطيه الآخرون.
مساكين اللبنانيون.
يظنون أن الصراع بين هؤلاء، هو على إنقاذ البلد.
الصراع يا أحباء، هو على كعكة الخصخصة.
لمن سوف تكون الmtc؟
لمن alpha، الكهرباء، المياه، المرفأ، المطار، إعادة الإعمار، أموال صندوق النقد، سيدر،
.......الخ.... من ما بقي من مقدرات البلد.
وهناك بعيدا، على قارعة الطريق، يقف حزب الله وبعيدا قليلا عنه، تقف القوات.
الأول يريد حكومة بأي ثمن، حتى لو كانت من لصوص، لأن همه الحفاظ على السلم الأهلي، ولأنه يعرف أنه الجدار الأخير أمام سيطرة الكيان الصهيوني على كامل الشرق الأوسط.
لا بأس إذا كان ثمن الصمود السكوت مرة أخرى عن سرقات أولاد القحبة، ركاب البوسطة من الخصوم والحلفاء.
أما القوات، التي لا تعرف كيف تخرج من لعنة العمالة التي تلازمها، فهي ما أن تخرج من حفرة حتى تقع في غيرها.
القوات مقتنعة بأنها تستطيع السيطرة على البلد لولا وجود حزب الله.لذلك فإن جعجع مستعد للتحالف مع الشيطان للتخلص من الحزب.
هذه الوهم يركب عقول القواتيين إلى درجة أعماهم عن حقيقة أنهم في النهاية لن يكونوا أكثر من رأس حربة في مشروع مأزوم سوف ينتهي بهم إلى القعر يوما، فيتركهم الاميركيون يتخبطون كما تركهم الإسرائيليون سنة ٨٢-٨٣.
إنها النهاية الحتمية للعملاء.
هذا ما حصل في سايغون،
وهذا ما سوف يحصل في لبنان.
في الأخير،
سوف يتفق باسيل مع الحريري وركاب البوسطة.
في النهاية، حزب الله سوف يغض الطرف عن السرقة المستجدة، لأن المهم، السلم الأهلي، وتجنب الفتنة.
هذا ما يعرفه الحريري.
هذا ما تعرفه أمل، وجنبلاط وفرنجية والباقون.
إذا حزب الله سوف يسير في النهاية.
المهم رفع الفزّاعة بوجهه دوما.
القوات، مقدور عليها.
حتى رعاتها لا يأخذونها على محمل الجد.
القوات مجرد رأس حربة للتخريب،
يقوى صوتهم مع خلاف اللصوص، ويخفت، مع اتفاق نفس هؤلاء اللصوص.
سوف يتلوى حزب الله على نار السكوت عن المنكر.
أما الذي سوف يحترق ويذوب كالشمع، فهو هذا الشعب الذي استيقظ يوما ونزل معظمه عفويا إلى الساحات في ١٧ أوكتوبر٢٠١٩، قبل أن يُلجم ويعاد إلى الحظائر؛ ويترك الساحات لعملاء الCIA ،ولبعض أغبياء شينكر وهيل.
سعد الحريري بالتأكيد ليس الحل.
أمل وجنبلاط وفرنجية والعونيون بالتأكيد ليسوا الحل.
القوات جاهزة للتخريب.
الحزب يدور حول نفسه على أمل حدوث معجزة في زمن لم تعد فيه المعجزات ممكنة.
الثوار الحقيقيون يموتون في غيظهم، بينما يسيطر "" ثوار"" اميركا العملاء، على كل الساحات.
بانتظار أن ينزل الوحي على آوادم البلد،
كل عام، الله ينجيكم،
إلى أن تأتي الثورة، أو يغيب البلد مع من وما غاب.
إذا كان المهدي سوف يعود حتما،
فإن عودة لبنان ليست مضمونة إن هو ضاع.
ومع ما يحصل لبنان ضائع حتما.