كشف عمال البناء في شمال قرطبة بإسبانيا عن كنز من السبائك الرومانية المصنوعة من الرصاص، مما قد يسلط الضوء على تجارة الإمبراطورية بهذا المعدن السام الذي قد يكون سبب سقوطها.
اكتشاف سبائك رصاص رومانية في قرطبة
عثر عمال كانوا يقومون بتركيب خط أنابيب الغاز في شمال قرطبة، على ثلاث سبائك رصاصية مثلثة الشكل، يتراوح وزنها بين 24 كجم و32 كجم، وقد تم اكتشافها خلال القرن الماضي أثناء العمل على خط أنابيب الغاز المغاربي الأوروبي.
يقول علماء الآثار الذين يدرسون هذه السبائك، والتي تعود إلى القرن الأول الميلادي، أن قرطبة كانت المركز الرئيسي لصهر الرصاص في العالم الغربي القديم، ويشير البحث الجديد، الذي نُشر مؤخراً في مجلة علم الآثار الرومانية، إلى أن هذه المنطقة كانت تنتج الرصاص لاستخدامه في العديد من الأدوات اليومية مثل الملاعق، والبلاط، والأنابيب.
استخدام الرصاص في الإمبراطورية الرومانية
كان الرصاص يستخدم بشكل شائع في الإمبراطورية الرومانية، حيث استخدم الأرستقراطيون أواني الطهي وأنابيب المياه المصنوعة من هذا المعدن، حتى أن بعض الرومان الأثرياء كانوا يضيفون أسيتات الرصاص إلى النبيذ لتحليته، مما أدى إلى تسميم أنفسهم دون قصد بهذا السم العصبي.
يقترح بعض المؤرخين أن انتشار التسمم بالرصاص بين الحكام الرومان قد لعب دورًا في سقوط الإمبراطورية الرومانية.
الأهمية الاقتصادية والتجارية لاكتشاف السبائك
تحمل اثنتان من السبائك المكتشفة في قرطبة علامة تعريفية، تُظهر أهمية تعدين الرصاص في منطقة سييرا مورينا الوسطى خلال الفترة الرومانية، فالعلامة "S S" تشير إلى شركة التعدين "سوسيتاس سيسابونينسيس" في منطقة لا بيينفينيدا، وهي منطقة تشتهر بإنتاج معدن الزئبق.
يشتبه الباحثون في أن الشكل المثلث للسبائك، والذي تم تحسينه للتخزين، إلى جانب العلامة المميزة، يشيران إلى أن السبائك كانت مخصصة للتصدير عبر السفن، وهذا يعني أن التعدين في شمال قرطبة لم يكن فقط لإنتاج الرصاص والفضة للاستخدام المحلي، بل كان جزءاً من شبكة تجارية رئيسية في تجارة المعادن في البحر المتوسط.
استنتاجات حول التصنيع الروماني
من خلال تحليل تركيبة المعادن في السبائك الثلاث، حدد الباحثون أن جميعها جاءت من نفس الموقع الذي تم اكتشافها فيه، ويثير هذا الاكتشاف حيرة علماء الآثار، حيث أنه عادة ما تُكتشف المعادن المخصصة للتصدير في حطام السفن في قاع البحر المتوسط.
قال أنطونيو مونتيروسو شيكا، المؤلف المشارك في الدراسة: "تُظهر هذه المعلومات أن المناطق الشمالية من قرطبة كانت تتمتع بشبكات تعدين واسعة ذات أهمية تجارية واقتصادية كبيرة في البحر المتوسط في العصور القديمة".
تشير النتائج أيضاً إلى أن عمال المعادن في روما القديمة ربما كانوا يمتلكون مستوى أكبر من التصنيع والمهارة والمعرفة في صناعة المعادن مما كان يُعتقد سابقًا، ويشتبه الباحثون في أن موقع قرطبة قد يكون كان مدينة تعدين قديمة متكاملة مع مسبك، ومنطقة معالجة، وربما حصن، مشيرين إلى أن "كل هذا لا يزال بحاجة إلى دراسة".