هدف أساسي من صناعة السينما هو "الحوار والتواصل" مع الأفكار المختلفة، وهناك أهداف أخرى طبعا زي "الحشد والتعبئة"
لما يكون فيه فكر معين مُسيطر، طبيعي يلجأ للرقابة على الأعمال الفنية، لأنه شايف الحوار والتواصل مع الضعيف "مضيعة للوقت" أو نوع من التنافس غير مجدي، أو شايفه كنوع من الخطورة على مكتسباته وشعبيته..
هتلاقي دا يحصل لما يكون فيه فكر سلفي متشدد مسيطر، طبيعي يلجأ لحظر الأعمال الفنية الداعية للعقل والتفكير والانفتاح بدعوى الإلحاد والتغريب، والعكس صحيح، لما يكون فيه فكر لاديني متشدد، طبيعي يلجأ لحظر الأعمال السلفية الداعية للتقليد والأصولية والعودة للجذور بدعوى الإرهاب والعنف.
هنا الرقابة في ظل ذلك الوضع بتكون (طرف وقاضي) في نفس الوقت..
طب إيه الحل؟
الجواب: في تطبيق القانون المدني فورا للخروج من هذه الدائرة المغلقة، لأن القانون وحده هو اللي بيعزز الحوار المفتوح بين الأضداد والمختلفين، وفي حالة فيلم "الملحد" يمكن العودة للقانون المصري اللي بيسمح بعرض الأعمال الفنية دون قيود ما دامت لا تتهجم على الأديان السماوية، وفيلم الملحد لا يتهجم وفقا للترايلر بتاعه، ولكنه بيعزز الإيمان الإسلامي وفقا لرؤية عقلية أشبه بالمعتزلة ضد الإيمان السلفي التقليدي، يعني صراع داخلي إسلامي، وليس هجوما على الدين..
الفكرة إن الفيلم "ربط بين التشدد السلفي والإلحاد" وهنا موضع الخطورة اللي شافها الرقيب "السلفي" اللي شايف سلفيته هي الإسلام، مش نوع من التدين الإسلامي له حضوره واحترامه مهما اختلفنا معه، فهناك تدين سلفي سلمي أقرب للأخلاق والفضائل لا شأن له بالسياسة، ويمكن الصورة المتشددة للسلفي ظهرت مع ممارسة السلفيين للسياسة وتكوين جماعات منذ الستينات ودي قصة طويلة..
منع الفيلم السينمائي في هذه الحالة، بيعزز وجهة النظر المتطرفة الأخرى
يعني إيه؟
يعني لما حضرتك تمنع فيلم الملحد وحضرتك عارف إنه يدعو للإيمان العقلاني ضد التشدد السلفي وليس ضد كل السلفية، يبقى الطبيعي يخرج تيار شعبي معترض على هذا المنع تترسخ قناعاته بأن السلفية تعني الإلحاد، وهذا الربط – لو سميناه مجازا تطرف – هو رد فعل تلقائي على مصادرة حريته في وطنه، وبخس حقوقه الدستورية لصالح فئة أخرى تحتكر الإسلام من وجهة نظره..
الكاتبة وعالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنيسي لها كلمة تقول فيها "يجب على الذين يحاولون إسكاتنا أن يحذروا، فسوف نقوم بإسكاتهم"
طبّق هذه العبارة مع أي فكر، لأن من تمنعه اليوم سوف يمنعك غدا ومعه الحجة الأخلاقية لذلك كنوع من العدالة والقصاص.
الفكرة هي موازين قوى سياسية واجتماعية بعد أن تتغير هيتم القصاص والعدالة من الرقابة القديمة، ووضعها في موضع الاتهام، ويصبح الرقيب القديم من المعارضة المضطهدة والمكتومة، ثم يبدأ في عرض سردياته في ادعاء المظلومية حتى يندفع للتشدد أكثر من فرط تصوير خصومه بالأشرار والشياطين، وهنا السر في تحول أي مجتمع للاستقطاب والعنف، إن القصة بدأت أساسا (مع المنع) ومصادرة الأفكار.
لذلك قلنا وسنظل نقول:
أن حرية التعبير ضرورية لصحة أي مجتمع، وهي الوسيلة الأولى للحوار المفتوح وفهم اختلافاتنا دون تشويش، لأن المقابل هيكون سوء فهم وتعصب من كل الجهات، وتطرف في تفسير المواقف والنوايا..
أما بالنسبة للفيلم فهو يناقش قضية مجتمعية حاصلة فعلا، ولو حضراتكم متابعين يوجد فيديو منتشر لبنت مصرية حائرة بين الإيمان والإلحاد، وشايفة إن شريف جابر حجته قوية، بينما الدعاة مُقصّرين في الرد عليه، ومفيش جهد منهم على نفس الدرجة ..
وشخصيا برد على الإلحاد بطريقتي، وتاريخي فيه عشرات المقالات والكتب والمحاضرات والمناظرات لإثبات الإسلام عقليا وعلميا، مما عرّضني لهجوم شديد وقاسي من الملحدين المتعصبين وكثير من غير المسلمين، وكان ردي عليهم عبر مزيد من التمسك بالأخلاق والتربية والتهذيب، والحض الدائم على الحوار وضرورة نبذ التعصب والعودة للإنسانية التي تجمعنا، هي دي الطريقة المفيدة لإثبات دينك والدفاع عنه، وهي الطريقة التي سلكها الأنبياء عليهم السلام من قبل، وهي الطريقة الوحيدة المقنعة لغيرك، فلم يمنع أحد من الأنبياء غيرهم ولم يصادروا حق مختلف، وكانوا قريبين من أصحابهم وعائلاتهم لشرح أمور الدين فكريا باستمرار (دون عنف)
وحُطّ تحت كلمة "دون عنف" دي 100 خط، لأن مفيش نبي واحد لجأ للعنف في سبيل فرض أفكاره، ومنع آراء الناس بدعوى أنها مخالفة وفقا لهذا السياق هي تتعارض مع دعوات ومناهج الأنبياء والمصلحين بالكلية..