صدام. الاصوليات
مقالات
صدام. الاصوليات
م. زياد أبو الرجا
15 تشرين الثاني 2025 , 20:41 م

صدام. الاصوليات

* ليست الاصولية حكرا على اليهودية والمسيحية والاسلام.هنالك اصوليات بوذية وهندوسية وكونفوشية.لكن الجلي والواضح ان الاصوليات متجانسة في كل مظاهرها،ولكل منها قوانينها الخاصة ودينامياتها.فكلها مدفوعة بمخاوف العالم العلماني المعاصر،ولجأت الى استحضار المقدس الى حلبة الصراع الوطني والسياسي.الاصوليون لا يعتبرون المعركة صراعا تقليديا بل يمارسونها على انها حرب كونية بين قوى الله وقوى الشيطان. الاصوليون ليس لديهم الوقت للديموقراطية والتعددية والتسامح الديني والحفاظ على السلم وحرية التعبير او فصل الدين عن الدولة.

هذه العودة الى الدين فاجئت المتابعين.لقد كان الاعتقاد السائد في اواسط القرن العشرين ان العلمانية هي الاتجاه الذي لا يمكن اعادته الى الخلف وان العقيدة لم تعد. تلعب دورا رئيسيا في احداث العالم.كان المفترض ان الانسان اصبح اكثر عقلانية ام ان يكون ليس لديهم ولا لحياتهم حاجة للدين.لكن في اواخر سبعينيات القرن العشرين بدأ الاصوليون ثورتهم ضد هيمنة العلمانية وبدؤوا بانتزاع الدين من موقعه الهامشي واعادته الى مركز المسرح.لقد حققوا نجاحات وصار الدين قوة لا تستطيع اي دولة تجاهلها.لقد لحقت بالاصولية هزائم.لكنها لم تهمد او تستكين.يعزى ذلك الى الظروف الذاتية الى جانب الظروف الموضوعية التي دفعت بعض الدول للاستثمار في الحركات الاصولية لانجاز سياسات وتحقيق مصالح.الامثلة على ذلك متعددة.وصارت جزءأ من المشهد العام وهي تلعب وستلعب بدون شك دورا مهما. في الشؤون الدولية.

* لنأخذ الاصوليات التي اخذت تعصف بمنطقتنا العربية:

الاصولية اليهودية: تقوم على اساس ان فلسطين هي الارض التي وعدها الرب لتكون وطن شعبه المختار وانه سيعود اليها وبعد عودته واقامة دولته سيعيد بناء المعبد الثالث وان هذا امر حتمي حسب النبؤات.وان عودة المسيح وتحقيق الوعود التي اعطاها الرب لآبائهم ابراهيم واسحق ويعقوب.وحسب هذه الوعود ستكون اسرائيل الامة التي تقود العالم تحت حكم المسيح الذي سيحقق السلام والرخاء والانسجام بين كل شعوب العالم.اما وقد تحقق الشرط الاول لعودة المسيح بقيام دولة اسرائيل على ارض فلسطين .فان بناء المعبد الثالث في القدس الذي تقع قبة الصخرة في مركزه وتعود القدس عاصمة اسرائيل وتصبح كل فلسطين من البحر الى ابعد من النهر دولة يهودية خالصة .وان تحقيق ذلك يعجل في عودة المسيح الملك الفاتح والمظفر ،الذي يعتقد اليهود انه القائد الروحي والعلماني للعالم اجمع.عالم حر بلا تحيز او ظلم.في الثالث من حرب حزيران/يونيو ١٩٦٧ سيطرت القوات الاسرائيلية على مدينة القدس الشرقية.تقدم الجنرال موشي دايان نحو حائط المبكى وهو ما يعتقد انه ما بقي من المعبد القديم وقال: (( لق عدنا الى مكان قدس اقداسنا،ولن نتركها مرة ثانية )).

(( We have returned to our holiest of holy places ,never to leave her again )).

الاصولية المسيحية:نشأت في اوساط البروتستانت الامريكيين حيث بدا بعضهم يسمون انفسهم (( بالاصوليين )) ليميزوا انفسهم عن البروتستانت الليبراليين الذين كانوا بنظرهم يشوهون كليا العقيدة المسيحية.ثم تحولت الى المسيحية الصهيونية وتتبنى وتؤمن بان قيام دولة اسرائيل قد جائت تحقيقا لنبؤات الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد.وان قيام دولة اسرائيل هو الشرط الاول لمجيء المسيح الثاني (القائد المظفر الى الارض وملك يقيم العدل والسلام.)ويؤمن الصهاينة المسيحيون ان من واجبهم الدفاع عن الشعب اليهودي بشكل عام وعن الدولة العبرية بشكل خاص ويعارضون اي نقد او معارضة لاسرائيل وبالاخص في الولايات المتحدة الامريكية.لكن المسيحية الصهيونية لم تشكل مجموعات قتالية لفرض رؤيتها على مجتمعها ولا خارج الولايات المتحدة.

الاصولية الاسلامية: تعنى بدراسة المصادر المتعددة لقواعد ومبادئ القانون الاسلامي.معظم الناشطين المؤمنين بالاصوليين في الغرب ليس لهم علاقة في هذا العلم الاسلامي،وهنا يصبح استخدام مصطلح الاصولية مضللا.فلو اخذنا السلفية كمنهج اسلامي يهدف الى احياء الدين على اساس العودة الى الاصول.اي القران والسنة كما فهمت وطبقت بواسطة الاجيال الثلاثة الاولى من المسلمين المعروفين بالسلف الصالح تركز على التمسك بالنصوص الشرعية بفهمها التقليدي ونبذ البدع،والاعتماد على ما ورد في الكتاب والسنة دون تاويل او تشبيه.تطورت السلفية الى (( السلفية الجهادية )) التي تدعو الى الجهاد المسلح ضد الحكومات القائمة في بلاد العالم الاسلامي او ضد الاعداء الخارجيين.

اغتصت الساحة العربية والاسلامية بالحركات والمجموعات الاصولية المتطرفة -القاعدة،الطالبان،بوكو حرام، الوهابية،الايغور،الشيشان،التركمانستان ،داعش،النصرة،وهيئة تحرير الشام وغيرها-واخذت تزداد نموا في العدد والقوة.

على الرغم من هذا العدد الهائل من الاصوليات الاسلامية ومنذ سبعينيات القرن المنصرم وحتى الامس القريب فان اي منها لم يوجه سهامه الى الكيان الصهيوني في فلسطين،بل انخرط جميعها عشريات الدم المتنقلة في الوطن العربي من مصر الى الجزاىر الى تونس وليبيا والعراق واليمن واخرها في سورية التي تجمع على ارضها كل الاصوليات الاسلامية وحركة الاخوان المسلمين التي كان من الضروري انخراط حركة حماس فيها .

* وعلى ايقاع ما جرى في سورية من حشد لكافة الاصوليات الاسلامية كانت حركة حماس في غزة تحلل وتقيم اداء كافة الاطراف بما في ذلك حماس الخارج التي اجمعت على تحرير سورية من نظام بشار الاسد ضاربة عرض الحائط القضية الفلسطينيةوقدسها ومقدساتها .فوقع الطلاق البائن بين حماس الاخوانية وحماس الفلسطينية التي اتخذت قرار شن معركة طوفان الاقصى بمشاركة الجهاد الاسلامي وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة.على امل ان تنخرط بعض الاصوليات الاسلامية في المعركة المقدسة.لقد خاب الظن في العالم الاسلامي السني ولم يستجب لنداء غزة الا الاصولسة الشيعية حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.مما اضطر القائد يحيى السنوار ان يخرج من موقعه المحصن الى العلن ليقاتل قتال البطل الاغريقي الذي يقهر عدوه بموته فقاتله بعصاه واستشهد.وليسجل احتجاجه على موت ضمير العالم السني الرسمي والشعبي.

اجمعت دول الناتو بلا استثناء وبعض الانظمة العربية والكيان على هزيمة الاصولية الجهادية التي بوصلتها فلسطين،وسحقها ومحوها من الوجود.فكل الدمار الذي طال البشر والشجر والحجر،والابادة الجماعية والحصار والتجويع والدمار الذي لحق بلبنان واليمن كان يصب في هدف واحد وهو(( لا يفكرن احد مجرد التفكير بشق عصا الطاعة على الكيان.قال نتنياهو : (( في الشرق الاوسط اذا كنت ضعيفا،فانت مجرد فريسة )).

ان كل ما يطرح من مشاريع حلول او تسويات في غزة ولبنان هو لتصفية الحساب بالسياسة بعد فشل ذلك في الميدان لكن الحرب لم تنته بعد.فهناك اصوليات في الميدان يجب تصفيتها والقضاء عليها -حماس الفلسطينية،الحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان، وعلى نتائجها يتوقف مصير الصراع الاساسي على قلب اسيا وفي مقدمته ايران.لان الاصولية الحاكمة في ايران ذات الامكانيات هي التي في وجه المدفع وعلى موقفها من الاصوليات الجهاديةيتقرر مستقبل المنطقة.قد لا نبالغ حين نقول ان حزب الله قد اعاد بناء قدراته وتنظيم صفوفه لكنه مكشوف على الجبهة السورية والجبهة الداخلية.وتمارس سفن التجسس الالمانية والانجليزية والطيران الاسرائيلي عملية اطباق جوي محكمة لا تمنحه تلك المرونة المطلوبة لاستخدام قوته الصاروخية.

يبقى الامر مرتبطا بجلباب على الخأمنئي

اذا اعلن مسبقا بوضوح وشفافية بان ايران ستدخل الحرب مع اسرائيل في حال شنت حربا شاملة على حزب الله

اذا لم يحصل هذا كتحذير استباقي

فعلى ما تبقى من الاصوليات الجهادية التي بوصلتها فلسطين السلام

مهندس زياد ابو الرجا