تُعد الولايات المتحدة وروسيا والصين الدول الوحيدة في العالم التي تمتلك قاذفات ثقيلة مسلحة نووياً، وفي شهر تموز الماضي، حلقت جميع تلك القاذفات في أو حول ولاية ألاسكا، وجاءت هذه التحركات لأسباب مختلفة، لكنها اتفقت في هدف واحد: استعراض القوة وإرسال رسالة واضحة للدول الأخرى.
ثلاث دول وثلاث قاذفات
في 24 تموز 2024، أعلنت قيادة الدفاع الجوي لأمريكا الشمالية (NORAD) أنها رصدت اثنتين من قاذفات "تو-95 بير" الروسية الثقيلة في منطقة الدفاع الجوي بألاسكا، ويُعتقد أن القاذفتين انطلقتا من قاعدة "أنادير" الجوية في أقصى شرق روسيا، وهي نقطة انطلاق معتادة للطائرات الروسية التي تحلق عبر بحر بيرنغ، حيث كانت إحدى القاذفتين تحمل الرقم التسلسلي RF-94186، والتي شاركت سابقاً في رحلات قرب منطقة الدفاع الجوي.
لكن هذه المرة، لم تكن القاذفات الروسية وحدها، فقد رافقتها قاذفتان من طراز H-6KG التابعتان لسلاح الجو الصيني، وقد تم تصوير إحدى القاذفات من قبل NORAD وتحمل الرقم التسلسلي 20013، وهي جزء من فرقة القاذفات العاشرة التابعة لسلاح الجو الصيني، ووفقاً لمصادر بحثية في اليابان، شوهدت أيضاً طائرتان صينيتان للنقل الثقيل من طراز Y-20 في قاعدة "أنادير"، مما يشير إلى أن تلك الطائرات قد نقلت أفراد صيانة ومعدات لدعم القاذفات الصينية.
وفي الوقت ذاته، وفي منتصف تموز، حلقت طائرتان أمريكيتان من طراز B-52H من قاعدة مينوت الجوية في ولاية داكوتا الشمالية إلى قاعدة "إلمندورف ريتشاردسون" في ألاسكا للمشاركة في تمرين "أركتيك ديفيندر"، وهما الطائرتان، اللتان تحملان الأرقام 60-012 و60-018، واللتان شاركتا في التدريبات كجزء من سرب "نايتهوكس" للقاذفات.
التحديات التكنولوجية والتوترات الجيوسياسية
على الرغم من أن هذه القاذفات الثلاثة (تو-95 الروسية، H-6 الصينية، وB-52H الأمريكية) تُعتبر تصاميم قديمة ترجع إلى الستينيات أو ما قبلها، إلا أنها لا تزال قادرة على حمل أسلحة نووية، وجميع القاذفات الثلاث تعمل الآن كحاملات صواريخ بعيدة المدى نظراً لعدم قدرتها على اختراق الدفاعات الجوية الحديثة.
كما شاركت مجموعة من الطائرات المقاتلة في هذه التحركات، حيث أرسلت NORAD طائرتين من طراز F-35A من جناح المقاتلات 354 بقاعدة "إيلسون" الجوية في ألاسكا لاعتراض القاذفات الصينية والروسية، كما شاركت طائرتان من طراز F-16 وطائرتان كنديتان من طراز CF-18.
كانت هذه الرحلة الأولى التي تحلق فيها قاذفات صينية قرب ألاسكا، وأيضاً المرة الأولى التي تطير فيها القاذفات الصينية والروسية معاً في تشكيل بالقرب من ألاسكا، وهو تطور جديد نسبياً يعكس التعاون العسكري المتزايد بين الصين وروسيا.
لقد نشرت روسيا منذ فترة طويلة قاذفات وطائرات أخرى بعيدة المدى في منطقة الدفاع الجوي الأمريكية، وقد حلقت قاذفات Tu-160 "Blackjack" و Tu-95MS "Bear" بالقرب من أراضي الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لأغراض التدريب، أو لإثبات وجهة نظر سياسية، وفي عام 2024، حلقت طائرات Tu-95 بالقرب من النرويج قبل مناورة لحلف شمال الأطلسي، وقال متحدث باسم حلف شمال الأطلسي أن عدد رحلات القاذفات في عام 2023 زاد بأكثر من الضعف مقارنة بعام 2020، وتتزامن الرحلات مع دخول فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي، فضلاً عن تزويد الناتو لأوكرانيا بالمعدات العسكرية، ولا تستطيع روسيا اتخاذ إجراء مباشر ضد حلف شمال الأطلسي، لذلك فهي تشير إلى استيائها من رحلات القاذفات القادرة على حمل رؤوس نووية.
لدى الصين عدة أسباب للمشاركة في مثل هذه الرحلة، حيث تفتقر القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي إلى خبرة الطيران بعيد المدى، والطريق إلى بحر بيرنغ هو أحد الطرق القليلة التي يمكنها من خلالها إجراء رحلة طويلة المدى فوق الماء، وربما ترغب الصين في إجراء تدريب مشترك للتعلم من أطقم الطائرات الروسية، التي تتمتع بخبرة كبيرة في الطيران لمسافات طويلة، كما أنها انتقام للسفن والطائرات الأمريكية التي تعبر بحر الصين الجنوبي، الذي تدعي الصين من جانب واحد ملكيتها لـ 90٪ منه، كما تحلق القوات الأمريكية بشكل روتيني فوق مضيق تايوان، وهو ما تحتج عليه الصين، مدعية أن المضيق جزء من "مياهها الداخلية".
كانت الرحلة الجوية الشهر الماضي بمثابة تبادل للضربات بين روسيا والصين، وكلاهما لديه مظالم سياسية خاصة به مع الولايات المتحدة، كما يوضح أن البلدين يعملان بشكل أوثق من أي وقت مضى، على الرغم من أن هذا لا يعني بالضرورة أنهما ينويان القتال في ساحة المعركة جنباً إلى جنب في أي وقت قريب، حيث تمتلك كل من الصين وروسيا جيوشاً كبيرة وأسلحة نووية ونزاعات إقليمية غير محسومة مع بعضهما البعض، ولكن إلى أي مدى من هذا التعاون يرجع إلى أن الدولتين تخططان للعمل معاً، وإلى أي مدى لأن كل منهما لديه القدرة على أن يصبح أسوأ كابوس للآخر