طوّر باحثون صينيون مؤخراً استراتيجية جديدة لإنتاج المياه بكميات ضخمة على القمر من خلال تفاعل بين تربة القمر والهيدروجين الداخلي، ويأتي هذا الاكتشاف في وقت تخطط فيه الصين ووكالة الفضاء الروسية (روسكوزموس) لإنشاء محطة أبحاث القمر الدولية (ILRSP) كقاعدة دائمة في المنطقة القطبية الجنوبية للقمر، ومن المتوقع أن يبدأ بناء هذه القاعدة بتوصيل أول العناصر السطحية بحلول عام 2030، وأن يكتمل بحلول عام 2040، وستنافس هذه القاعدة برنامج أرتميس التابع لناسا، والذي يتضمن إنشاء محطة Lunar Gateway في مدار القمر وعناصر سطحية مختلفة تشكل معسكر أرتميس.
التحديات المتعلقة بالاستدامة على القمر
ستحتاج الفرق العاملة على سطح القمر لفترات طويلة إلى شحنات إمدادات منتظمة، وعلى عكس محطة الفضاء الدولية، التي يمكن إعادة تزويدها بالإمدادات في غضون ساعات قليلة، سيستغرق إرسال مركبات إمداد إلى القمر حوالي ثلاثة أيام، ولهذا السبب، تعمل وكالات الفضاء مثل ناسا والصين على تطوير طرق لاستخراج الموارد مباشرة من بيئة القمر، وهي عملية تُعرف باسم استغلال الموارد في الموقع (ISRU)، وفي ورقة بحثية حديثة، أعلن فريق بحثي من الأكاديمية الصينية للعلوم (CAS) عن طريقة جديدة لإنتاج كميات ضخمة من المياه من خلال تفاعل بين تربة القمر والهيدروجين الداخلي.
تفاصيل البحث
أجري البحث تحت إشراف البروفيسور وانغ جونكيانغ وفريقه في معهد نينغبو لتكنولوجيا المواد والهندسة التابع للأكاديمية الصينية للعلوم (NIMTE)، وذلك بالتعاون مع زملاء من مركز علوم المواد والهندسة البصرية في جامعة الأكاديمية الصينية للعلوم في بكين، ونُشرت الورقة التي تصف هذه العملية بعنوان "إنتاج كميات ضخمة من المياه من الإلمينيت القمري من خلال تفاعل مع الهيدروجين الداخلي" في مجلة "The Innovation" الصينية.
المياه على القمر: من النماذج الأولية إلى الاكتشافات الحديثة
منذ أن أحضرت بعثات أبولو عينات من صخور وتربة القمر إلى الأرض لتحليلها، أدرك العلماء أن هناك كميات وفيرة من المياه على القمر، وقد تم تأكيد هذه الاكتشافات من خلال عدة بعثات لاحقة لجلب عينات روبوتية، بما في ذلك بعثة تشانغ آ-5 الصينية، ومع ذلك، فإن معظم هذه المياه تتكون من الهيدروكسيل (OH) الذي تم إنشاؤه من خلال تفاعل الرياح الشمسية (الهيدروجين المؤين) مع الأكسجين العنصري في تربة القمر، وهناك أيضاً كميات كبيرة من المياه على شكل جليد يمكن العثور عليها في المناطق المظللة دائمًا (PSRs)، مثل الحفر التي تغطي حوض القطب الجنوبي-أيتكن.
التحديات المتعلقة باستخراج المياه من التربة القمرية
للأسف، يحتوي التراب القمري على كميات ضئيلة جدًا من الهيدروكسيل الذي يمكن تحويله إلى مياه، حيث تتراوح نسبته من 0.0001% إلى 0.02%، وبالإضافة إلى ذلك، فإن رقع الجليد الموجودة في مناطق الحفر مختلطة مع التربة، مما يشكل طبقات تمتد تحت السطح، مما يجعل عملية الاستخراج تحدياً بغض النظر عن مصدر المياه، وبعد فحص العينات التي أعادتها بعثة تشانغ آ-5، حدد الفريق الذي يقوده وانغ أن أعلى تركيزات المياه كانت موجودة في معدن الإلمينيت (FeTiO3)، وهو معدن أكسيد الحديد والتيتانيوم الموجود في الثرى القمري.
كيفية إنتاج المياه من الإلمينيت القمري
وفقاً للفريق البحثي، يعود ذلك إلى "هيكلها الشبكي الفريد مع أنفاق نانومترية فرعية"، حيث أجرى الفريق سلسلة من التجارب الحرارية في الموقع التي أظهرت كيف يمكن استخدام الهيدروجين في المعادن القمرية لإنتاج المياه على القمر، ووفقاً لدراستهم، تتضمن العملية تسخين التراب القمري إلى درجات حرارة تتجاوز 930 درجة مئوية باستخدام مرايا مقعرة، حيث أدى ذلك إلى تشكيل بلورات الحديد وفقاعات المياه في المادة، التي يتم إطلاقها بعد ذلك كبخار ماء، ويتم بعد ذلك استعادة بخار الماء الناتج بمعدل 51-76 ملليغرام من الماء لكل غرام من التربة القمرية، ويعادل ذلك إنتاج 50 لترًا من الماء لكل طن من التراب المعالج، وهو ما يكفي لدعم 50 شخصًا يومياً، كما أشار الفريق في ورقتهم البحثية، "هذه الكمية تعادل حوالي 10,000 ضعف من الهيدروكسيل (OH) والماء (H2O) الموجودين بشكل طبيعي على القمر"، وبالإضافة إلى مياه الشرب، يمكن أن توفر هذه العملية المياه اللازمة لري المحاصيل، وهي مهمة أخرى مهمة لمستوطنات القمر المستقبلية لتقليل اعتمادها على الأرض.