عانت روسيا، بعد ثلاثة أسابيع من القتال، من صعوبة في التخلص من القوات الأوكرانية الموجودة حالياً من منطقة كورسك، مما يمثل استجابة بطيئة ومحدودة بشكل مفاجئ لأول احتلال لأراضيها منذ الحرب العالمية الثانية، ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى نقص القوات الروسية وأولويات الكرملين العسكرية.
بينما تتمركز معظم الهجمات العسكرية الروسية في أوكرانيا، يبدو أن الكرملين يفتقر حالياً إلى الاحتياطات الكافية لدفع القوات الأوكرانية خارج كورسك، ولا يبدو أن الرئيس فلاديمير بوتين يعتبر الهجوم الأوكراني تهديداً جدياً يستدعي سحب القوات من منطقة دونباس في شرق أوكرانيا، التي تعد هدفه الأساسي، لذلك يمكن القول أن بوتين يركز على انهيار الدولة الأوكرانية، لأن هذا سيجعل السيطرة الإقليمية غير ضرورية.
أولويات بوتين
بعد عدة أشهر من بدء الغزو الواسع النطاق في عام 2022، ضم بوتين مناطق دونيتسك ولوهانسك وزابوريجيا وخيرسون إلى الأراضي الروسية، وأصبح الاستيلاء الكامل عليها أولوية قصوى، وصرح بوتين في شهر حزيران أن كييف يجب أن تسحب قواتها من بعض هذه المناطق التي تسيطر عليها كشرط للمفاوضات، وهو مطلب ترفضه أوكرانيا.
وبينما تحشد روسيا قواتها لمواجهة التوغل الأوكراني، فإنها تفعل كل ما في وسعها لتجنب سحب الوحدات من هجومها في دونباس، حيث تعتقد روسيا حاليًا أنها تستطيع احتواء التهديد على أراضيها دون المساس بأهم أهدافها في أوكرانيا، وبينما دخلت القوات الأوكرانية منطقة كورسك في 6 آب الجاري، واصلت القوات الروسية تقدمها البطيء حول مدينة بوكروفسك الاستراتيجية وأجزاء أخرى من منطقة دونيتسك.
تقليل أهمية التوغل الأوكراني
وركز بوتين على تقليل أهمية التوغل الأوكراني في كورسك بدلاً من محاولة حشد السكان ضد تهديد مباشر للوطن، وواجهت آلة الدعاية الحكومية حقيقة احتلال الأراضي الروسية بمحاولة تحويل الانتباه عن الفشل العسكري، والتركيز على جهود الحكومة لمساعدة أكثر من 130,000 نازح من منازلهم.
وقد صورت وسائل الإعلام الحكومية الهجوم على كورسك كدليل على نوايا كييف العدوانية، وفوق كل شيء، فإن الاستجابة الشعبية تبدو مؤيدة للسلطات الروسية، ولن يؤدي الهجوم الأوكراني إلى زيادة كبيرة في الاستياء الاجتماعي أو السياسي، بل قد يؤدي إلى زيادة الدعم للكرملين وتصاعد المشاعر المناهضة لأوكرانيا والغرب.
رد محدود من الكرملين
صرح رئيس هيئة الأركان العامة الأوكرانية، الجنرال أولكسندر سيرسكي، أن قواته تسيطر على نحو 1,300 كيلومتر مربع وحوالي 100 منطقة محلية في منطقة كورسك، وهو ادعاء لم يتم التحقق منه بعد، وتبدو السيطرة على هذه المنطقة مؤقتة، حيث يمكن للقوات الأوكرانية التنقل فيها دون إقامة وجود دائم في العديد من المدن التي تزعم السيطرة عليها.
من الواضح أن روسيا تفتقر إلى الموارد الكافية والمنسقة لطرد القوات الأوكرانية من كورسك، وحتى الآن، ركزت روسيا على احتواء التقدم الأوكراني العميق عن طريق قطع طرق الإمداد واستهداف الاحتياطيات الأوكرانية.
المخاطر التي تواجه أوكرانيا
باحتلال جزء من الأراضي الروسية، وضعت أوكرانيا الكرملين في موقف محرج وأعادت تشكيل ميدان المعركة، ومع ذلك، فإن تحويل بعض أفضل قواتها من الشرق يمثل مخاطرة كبيرة بالنسبة لكييف، فمحاولة السيطرة على منطقة كورسك ستزيد من طول الخطوط الأمامية بأكثر من 1,000 كيلومتر، مما يعقد الأمور على القوات الأوكرانية التي تعاني من نقص في الأفراد والعتاد.
الدفاع عن المواقع داخل روسيا سيطرح تحديات لوجستية كبيرة، حيث تصبح خطوط الإمداد الطويلة أهدافًا سهلة، وبما أن النظام العسكري الروسي يتميز بالهرمية والجمود، فهذا يعني أنه قد يستغرق وقتًا طويلًا للتكيف مع الوضع الجديد، ولكن علينا الانتظار لنرى كيف يمكن لأوكرانيا أن تصمد بمجرد أن تتكيف روسيا وتأتي بقوة.