‏دائما الكذاب يهتم بالتفاصيل
مقالات
‏دائما الكذاب يهتم بالتفاصيل
سامح عسكر
30 آب 2024 , 13:28 م


روي إن اثنين كذابين اجتمعوا في الصحراء، فشاور أحدهم للآخر: شايف فوق الجبل بعيد فيه نملة صغيرة؟

رد الآخر: المغمضة عينها والا المفتحة؟!

استعرض الأول مهارته في الكذب، والثاني أمعن أكثر في التفاصيل ليغلبه..

رواة الأحاديث قديما في زمن الوضع كانوا بنفس الطريقة، عندما تجد تفاصيل دقيقة زي جماع النبي لزوجاته أو طريقة استحمامه فاعلم أن الراوي والمروى إليه كذابين، الأول قَبِلَ الكَذبة على نفسه والثاني تسابق معه ليغلبه

نوع من المزايدة منتشر حتى الآن، لو ادعى أحدهم البطولة كذبا، تجد الآخر يكذب ويدعي بطولات أكبر بهدف التميز، (عمارة الزيادي نموذج) هذا رجل أعرابي وُجِد في مجتمع صحراوي يقدس البطولات والقوة الفردية، ولأنه يزايد على قوة هذا المجتمع جعل نفسه في المقدمة وأسهب بالتفاصيل..(كانوا أسدين) ولأن التفصيل لم يرضيه ضاعف العدد (بل كانوا أربعة أسود)..

السبب أن الكذاب خياله أوسع من الصادق غالبا، ولأن الأدباء والشعراء وقعوا تحت طائلة هذا الخيال جاهدوا أنفسهم بتوظيف كذبهم لشئ نافع، فكانت أعمال القصص والنثر والشعر، بينما الأديب الذي يتعمد الكذب هذا ما كان له علاج قديما..ينتشر كذبه بسرعة البرق، أولا: لحسن بيانه وتماسك حبكته الدرامية، ثانيا: لم تكن فرص التحقق من المعلومات متاحة كما هي الآن، فإذا ادعى عربي بوجود تنين في الصين وأسهب في شرح معالمه سيصدقه الأغلبية..لأن ما أحد فيهم سافر إلى الصين بل بعضهم كان يظن أن نهاية الكون على شاطئ البحرين..

أما كيف يحدث ذلك ففي المنطق يوجد استقراء واستنباط، الإثنين عكس بعض، الاستقراء بجمع الجزئيات لاستخراج حكم كلي، بينما الاستنباط فهم الكلي وتشريحه لأحكام جزئية، ,الكذاب عقليته استنباطية بالأساس، لأن حدود الكذب عنده غير واضحة ، ولأن بحور الكذب تُخلَق وتُوجَد مع التفاصيل، بينما لو لجأ الكذاب للاستقراء ..أي يستنتج حكم كلي..هذا حد فاصل بعدها ينتهي كذبه، إذا ما بعد الكلي شئ..فورا ينتهي دوره..

تأمل عمارة الزيادي..هذا لو اكتفي بادعاء البطولة والقوة لتوقف أو فتح الباب لمنازلته، إنما التفاصيل جعلته أكثر قوة ومهابة في عيون المجتمع، ساعد في ذلك وضعه الاجتماعي.

وهنا الخطورة: أن يكون الكذاب الماهر ذو وضع اجتماعي وسياسي مرموق، هنا ينحط المجتمع فورا ويتخلف، واعلم أن انخطاط المسلمين سببه مجموعة من الكذابين المرموقين قديما، حصلوا على أهليتهم للكذب بقوة السلطان، فإذا ما أقدم العقلاء على كشفهم يتعرضون للاضطهاد، وكلما تعرضوا لكذبة أكبر في تأثيرها كلما تعرضوا للخطر بنفس النسبة..

‎ 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري