الطوفان ما خفي وما بان.
مقالات
الطوفان ما خفي وما بان.
م. زياد أبو الرجا
30 آب 2024 , 23:24 م


احد عشر شهرا مضت على بدء عملية طوفان الاقصى وحرب الكيان على غزة وفتح جبهات الاسناد من قبل المقاومة الاسلامية في لبنان( حزب الله) واليمن ( الحوثيون) والعراق ( فصائل المقاومة) .وما رافقها من الاهداف المعلنة لكل طرف من اطراف الصراع.ومن ثم مواقف الدول الاقليمية والدولية من مجريات هذه الحرب وتداعياتها .فمنذ اليوم الاول هرع الرئيس الامريكي جو بايدن للقاء رئيس وزراء الكيان ليؤكد له ان امريكا ومعها قوى الاطلسي تقف مع الكيان دفاعا عن امنه ووجوده، ومؤيدا لحربه على غزة والاهداف التي اعلنها نتنياهو (( القضاء المبرم على حماس وتهجير سكان القطاع الى صحراء سيناء)). توالت زيارات الرئيس الفرنسي ماكرون ومسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل والمسؤولين الاوروبيين للكيان معلنين تأييد بلادهم لحق الكيان في الدفاع عن النفس.في الوقت نفسه تم حشد الاساطيل البحرية واستنفار القواعد الامريكية والاطلسية في عملية استعراض للقوة معلنة للعالم اجمع وللصديق قبل العدو (( ان الكيان هو القاعدة المتقدمة لدول الاطلسي الاستعمارية في الوطن العربي التي تحافظ على مصالحها في الاقليم)) لكن هذا الحشد الاستعماري للقوة الغاشمة لم يثن موقف محور المقاومة عن موقفه في الابقاء على جبهة الاسناد لغزة مفتوحة حتى يتوقف عدوان الكيان.

عندما فشل الكيان في حربه على غزة، لم يبق امامه الا التدمير الممنهج الذي طال الاحياء السكنية والبنية التحتية والمدارس والمستشفيات ودور العبادة والمزارع.ظهرت الدراكولا  الصهيونية على حقيقتها التي لا يطفئ ظمأها الا الدم فاوغلت في قتل المدنيين من الرجال والنساء والاطفال.مما ادى الى وقوف الرأي العام العالمي الى جانب الشعب الفلسطيني وانتصرت السردية والرواية الفلسطينية على الرواية والسردية الصهيونية القائمة على الكذب والرياء.

اثار طوفان الاقصى عدة تساؤلات اختلف المحللون السياسيون والاستراتيجيون حيالها كل حسب موقعه وانتماءه، وما زالت هذه التساؤلات مثيرة للجدل في كل الاوساط السياسية وتلقي بظلالها على المفاوضات التي لم تتوقف حتى هذه اللحظة.

_ ما هي اهداف طوفان الاقصى؟

_ ما هي اهداف الكيان من حربه على قطاع غزة؟

_ هل تريد امريكا ومعها الغرب حربا اقليمية؟.

_ هل تريد ايران حربا اقليمية؟.

_ وهل يريد حزب الله حربا اقليمية شاملة؟.

_ ثم هل يريد الكيان الحرب الاقليمية الشاملة؟.

_ واخيرا وليس اخرا هل هناك موقف عربي رسمي من الصراع الدائر؟ واستطرادا هل هناك موقف اسلامي  رسمي؟

بالنسبة لما اعلنته حركة (( حماس الفلسطينية)) وعلى لسان الناطق العسكري باسم كتائب القسام المناضل ابو عبيدة قال: (( نريد تنظيف السجون من الاسرى وعدم التعرض للمسرى)). اما الكيان فقد اعلن نتنياهو قائلا:((  ان هدف العملية العسكرية هو القضاء المبرم على حماس وتهجير كل مواطني القطاع الى صحراء سيناء)). هل حققت الاطراف اي شيئ من  اهدافها المعلنة؟حتى الان لم يتم ذلك،لكن نتيجة الصراع ليست صفرية، فعلى الجانب الفلسطيني سقط اكثر من اربعين الف شهيد روت دماؤهم الزكية ارض الوطن، واكثر من مائة الف جريح من المدنيين اضافة الى المفقودين والمأساة والمعاناة  الانسانية المتمثلة بشح الغذاء والدواء والماء والتعرض للابادة الجماعية والتطهير العرقي الذي يجاهر به الكيان.اما على الجانب الصهيوني فقد انهكت المقاومة الفلسطينية جيش الكيان ومسحت روحه القتالية ودمرت واعطبت نصف الياته ودباباته واوقعت في صفوفه عشرات الاف القتلى والجرحى والاف الجنود الذين يعانون حالات نفسية. ونجحت المقاومة الفلسطينية وجبهات الاسناد في فرض حرب استنزاف مركبة (( المتماثلة والامتماثلة))فاستنزفت هذه الحرب قدرة المجتمع الاستيطاني على التحمل ودفعت اكثر من نصف مليون مستوطن للهجرة النهائية ، وسلبت الامن والامان للمستوطنين واستنزفت الاقتصادالصهيوني وصار الكيان شبه منبوذ دوليا.لقد اثبتت حرب الاستنزاف هذه نجاعتها ووضعت الكيان برمته امام حرب الوجود والمصير، والتي عبر عنها نتنياهو  بوضوح لا يقبل التأويل حيث قال: (( اننا نخوض حربا وجودية ومصيرية لا هوادة فيها))وقال: (( افضّل ان احظى على تغطية اعلامية سيئة وليس على نعي جيد)).

ان المخرج الوحيد للكيان من حرب الاستنزاف هو ما يسمى بالتعبير العسكري (( اسكات مصادر النيران)) يعني القضاء على جبهات الاسناد في اليمن ولبنان والعراق.بالنسبة للجبهة اليمنية قدمت امريكا لمجلس الامن الدولي اقامة تحالف ضد اليمن لتأمين الملاحة الدولية في البحر الاحمر ومضيق باب المندب وبحر العرب والمحيط الهندي .ولم تعترض لا الجزائر ولا روسيا والصين الذي تبين لاحقا انها ارادت توريط امريكا في مواجهة مع اليمن لتكشف عجز اكبر قوة بحرية في العالم  التي تملك تسعة اساطيل بحرية قوية .وامتنعت مصر والسعودية عن الانخراط في هذا التحالف.والمحصلة الان التي لا تحتاج الى برهان  فحقائق الميدان في البحر الاحمر ومضيق باب المندب وبحر العرب والمحيط الهندي هي سيطرة اليمن. اما جبهة الاسناد اللبنانية الاكثر ايلاما للكيان وداعميه لم تجرؤ امريكا ومعها الاطلسي على التعرض لها عسكريا لان ذلك سيؤدي الى حرب اقليمية شاملة لا يستطيع احد ان يتحكم باتساعها وتداعياتها .ولهذا اتبعت امريكا سياسة الترهيب والترغيب وارسلت مبعوثها  هوكشتاين الصهيوني عدة مرات الى لبنان عله يحصل على نتيجة تؤدي الى وقف الجبهة اللبنانية وكان كل مرة يتلقى نفس الجواب الذي لخصه سيد المقاومة بقوله(( لن ترهبنا اساطيلكم وقد اعددنا لها عدتها. اوقفوا الحرب على غزة  واطلبوا من قوات قاعدتكم المتقدمة ان تنسحب من كامل قطاع غزة ومعابره وسنوقف حرب الاسناد ان تهديدكم بحرب شاملة لا يخيفنا.نحن لا نريدها ولكننا لا نخشاها اذا ما فرضت علينا))،اما مأزق الكيان المنهك جيشه فهو اعجز من ان يخوض منفردا حربا شاملة على لبنان ، وكل جهده منصب على توريط امريكا في حرب شاملة لا تريدها لكنها ملتزمة بحماية وامن الكيان/ القاعدة.

تنشط امريكا على جبهتين متوازيتين العسكرية لتوفير الحماية للكيان بحشد قوات الاطلسي واساطيله واستنفار قواعدها المنتشرة في الاقليم لفتح ثغرة في جدار الاستعصاء المتمثل بعدم قبول اي طرف من طرفي الصراع بالتنازل عن اي من اهدافه ومطالبه، لان ذلك يعني هزيمة نكراء للطرف المتنازل ونصرا محققا وبائنا للطرف الاخر المتمسك باهدافه.امّا وقد فشل الكيان ومعه امريكا في احداث الثغرة المرجوّة حين قرر ان يغير قواعد الاشتباك وقرر اغتيال القيادي الكبير في حزب الله فؤاد شكر في عملية استهدفت الضاحية  الجنوبية في بيروت معقل حزب الله. واغتيال رئيس المكتب السياسي ( لحركة حماس فلسطين) اسماعيل هنية في العاصمة الايرانية طهران مدفوعا باوهامه وما توفره المظلة العسكرية للناتو بان اليمن وحزب الله وايران لن يقوموا بالرد وانه سيفرض قواعد اشتباك جديدة ويلغي مرة والى الابد قواعد الاشتباك التي فرضها محور المقاومة .استعد الكيان والناتو استعدادا قويا لمنع ومواجهة اي رد ، ومع ذلك جاءت عملية الرد الاولي لحزب الله كاسرة ورادعة بكل المقاييس الاستخباراتية والعسكرية والمعلوماتية  وردعت العدو واعادت قواعد الاشتباك التي فرضها محور المقاومة على الكيان.فكانت عاصمة مقابل عاصمة وضاحية مقابل ضاحية وقيادي كبير مقابل قيادي كبير.والايام القادمة ستكشف جبل الجليد الذي حطم تايتانك الكيان على من فيه.

امريكا منهمكة في سعي محموم لثني ايران عن الرد الذي وعدت به اثر اغتيال القائد اسماعيل هنية في قلب عاصمتها طهران .وتقوم بحوار غير مباشر مع ايران  عبر الوسطاء وهناك تسريبات عن حوار مباشر  ووعود بتقديم تنازلات لصالح القضية الفلسطينية- التي يرفض الكيان تقديمها- ووعود بالعودة الى فتح ملف ايران النووي والافراج عن بعض الاموال الايرانية المجمدة.من يفهم العقل الايراني يدرك ان ايران التي اغتيل في قلب عاصمتها ضيفها اسماعيل هنية قد تلقت طعنة نجلاء في شرفها وسيادتها وكبريائها وهيبتها الاقليمية  وقفزة من فوق سورها الامني لن تتنازل عن الرد بصرف النظر عن النتائج والتداعيات .امّا اليمن فان التجارب التاريخية القديمة والحديثة تؤدي الى رد اكيد وقد يكون متزامنا مع الرد العراقي ومن المؤكد انه سيسبق الرد الايراني لان التالي للغالي.

اما لماذا الرد الايراني الذي لا شك في حتمية  وقوعه لانه لن يؤدي الى حرب شاملة.وان عدم الرد  كما تريده طهران سيؤدي الى خروجها من اللعبة الكبرى الجارية في الاقليم ومقدمة وتوطئة لانكفاء ايران داخل جغرافيتها السياسية الحبلى بالتناقضات العرقية والمحاطة بقوى اقليمية تريد تصفية حساباتها مع طهران ومعادية لروسيا والصين وعلى راسها  الطغمة العسكرية في باكستان التي اوصدت الابواب امام المشروع الصيني بانقلابها على حكومة عمران. ولهذا قامت روسيا بارسال وزير الدفاع السابق شويغو الى ايران على عجل لتزويدها بكل ما تحتاجه من الاسلحة الحديثةالمتطورة وشبكات الدفاع الجوي وحتى الاسلحة النووية التكتيكية التي يمكن اطلاقها من صواريخ اسكندر بعيدة المدى. واعلنت روسيا انها ستزود  الاسلحة لاي طرف يريد قتال امريكا.

كما ان زيارة الرئيس الاسد المفاجئة لموسكو بناء على طلب الرئيس الروسي بوتين والقمة التي ضمتهما وضع بوتين الصورة الكاملة لما تحضره امريكا لاخراج الكيان من محنته وازمته الخانقة المتمثلة في حرب الاستنزاف التي فرضها عليه محور المقاومة والتي ستدفع الكيان بدعم من امريكا لشن حرب جوية شاملة وخاطفة تستهدف المواقع الاستراتيجية والحساسة للجيش العربي السوري  البرية والجوية والبحرية. وان روسيا ستقف مع سورية حتى لو ادى الامر الى مواجهة كبرى.ولان امريكا والكيان يدركان  جيداانه (( لولا سورية لما كان هناك مقاومة ومحور مقاومين ولا اي دور لايران في الاقليم))

بعد ان قدم اسماعيل هنية رد حماس النهائي على مقترح الرئيس الامريكي جو بايدن الذي اقره مجلس الامن الدولي بعد اجراء تعديلات عليه، والقى الكرة في ملعب الكيان وامريكا والوسطاء الذين لم يتوقعوا اصلا ان المقاومة الفلسطينية ستتعامل معه بهذه الطريقة.مما دفع نتنياهو الى التنكر للقرار وكشفه امام الراي العام العالمي وظهر بانه المتمرد على سيده في البيت الابيض. وزاد من جرائمه ضد المدنيين في قطاع غزة .امام هذا الاستعصاء تستمر حرب الكيان على غزة ويواصل الكيان خطته الاستراتيجية التي تتعلق بمعركة الوجود والمصير وشرع بفتح جبهة الضفة الغربية (( قلب وجوهر المشروع الصهيوني يهودا والسامرة)) واوصد الابواب بوجه الداعين الى التسوية على اساس حل الدولتين .وان الكيان يخوض حربه الوجودية والمصيرية بكل وضوح(( فلسطين دولةض يهودية من البحر الى النهر))وقرر الكنيست الصهيوني هذا المشروع.كل الوقائع في الضفة الغربيةتثبت وتؤكد ان الكيان اطلق العنان لقطعان المستوطنين المدربين والمسلحين من جيش الكيان الصهيوني لاخذ زمام الامور بايديهم .وهذا ما توقعه توماس فريدمان في مقابلة على محطة الجزيرة الفضائية وقال: (( ان هذه الحرب ستستمر وسنعود الى ما قبل العام ١٩٤٧ويتقاتل الطرفان الاسرائيلي والفلسطيني باسلحة القرن الحادي والعشرين. هل تحتاج سياسة بهذا الوضوح الى معجم سياسي لكي نفهمها ونستعد لمواجهتها؟.

يا سادة اطراف محور المقاومة، ويا معشر المحللين السياسيين والعسكريين، ويا ابناء شعبنا الفلسطيني ، ويا انصار قضيتنا العادلة ، لا تقعوا في فخاخ الحلول السياسية لان الحل والعقد بيد الكيان الذي يخوض حرب وجود ومصير.وعليه يجب ان يقتصر خطابنا على اننا نخوض حرب وجود وتحرير تتطلب من كل الاطراف المقاومة وخاصة الفصائل الفلسطينية تحويل المخيمات والبلدات والمدن الفلسطينية في الضفة الغربية  الى احياءشبيهة (( بحي كريتر )) العدني في مقاومة المستعمر البريطاني وحي (( القصبة )) في الجزائر ضد المستعمر الفرنسي.اما ان تبقى مخيمات جينين ونور الشمس وبلاطة والفارعة هي الوحيدة التي تقاوم المحتل فان هذا سبة للشعب الفلسطيني وعار عليه.يجب ان لا تبقى المدن والبلدات الفلسطينية متفرجة على جرائم الكيان الذي يصفي المقاومين ويجرّف الطرقات وينسف البيوت ويقطع الكهرباء والماء.على محور المقاومة ان يسخن جبهات الاسناد لتطال الضفة الغربية .ان تركيز الكيان العسكري على الضفة الغربية واعادتها تحت الادارة المدنية الاسرائيلية مباشرة يعني التخلص من السلطة الفلسطينية في رام الله ويضع الامن الوطني الاردني في عين العاصفة يضع الاردن امام تحديات الوطن البديل الذي يعمل عليه الكيان ويزيد من التحديات التي لا قبل له بها ويضعف موقف الدولة امام المعارضات من جهة والقوى الاقليمية المتربصة بامن واستقرار الاردن وعلى راسها الكيان الصهيوني من جهة اخرى .ولنا في احتلال الكيان لمحور فيلاديلفيا عبرة حيث انه لا يقيم وزنا للمعاهدات الثنائية مع الدول حيث عرّى النظام المصري الذي تبجح بالقول: انه لن يسمح للكيان بان يمس السيادة المصرية على المحوروانتهى به الامر الى الاستجداء المهين لمصر وتاريخ جيشها العظيم.

مرة اخرى نعيد التأكيد على ان قضيتنا لها درب مضيئ واحد رب

فلا هبل...ولا لات..ولا عزى..ولا لف ولا جدل

قضيتنا الدمار

او التراب الرب

لا وسط ولا نحل.

فلنحول كل الضفة الى كريترات عدنية وقصبات جزائرية والا علينا ان لا نحمل المخيمات في الضفة اكثر مما تحتمل .ويجب ان لا يكون موقف فلسطينيي الضفة شبيها بموقف العرب والمسلمين من غزة ، مكتفين بالدعاء وطلب المدد من السماء

قالت العرب: ما حك جلدك مثل ظفرك

م/ زياد ابو الرّجا

المصدر: موقع إضاءات الإخباري