درس العلماء النميمة لعقود طويلة، وهذا ليس مفاجئاً نظراً لانتشارها الواسع في جميع المجموعات الاجتماعية، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 90٪ من الأشخاص في أماكن العمل في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية يشاركون في هذه المحادثات، التي تُعرف بأنها الحديث عن شخص غائب، ويقضي الناس في المجتمعات الحديثة ما يقارب ساعة يومياً في تبادل هذه الأحاديث، وفقاً لإحدى الدراسات، ومع ذلك، بدأ الباحثون في النظر إلى هذا الجانب الاجتماعي من زاوية جديدة في السنوات الأخيرة.
تغيّر نظرة الباحثين إلى النميمة
في العقود الماضية، ركّز الباحثون، كما توضح عالمة النفس تيانجون سون من جامعة رايس، بشكل أساسي على الأضرار التي تسببها النميمة، وكان اهتمامهم إما بالشخص الذي ينشر النميمة أو بالشخص المستهدف، أي الذي يُتحدث عنه، ولكن في الوقت الحالي، تغيّرت النظرة لتصبح أكثر تركيزاً على الفوائد المحتملة للنميمة وديناميكيات الشبكة الثلاثية التي تشمل ناقل النميمة، المستمع، والمستهدف، وقد كشفت هذه الأبحاث عن الأدوار المعقدة والمتعددة التي تلعبها النميمة في تشكيل التصورات الذاتية وتصورات الآخرين من خلال عوامل مثل نقل المعلومات الأساسية، تعزيز الذات، والتفرقة الاجتماعية داخل المجموعة.
الفوائد الاجتماعية للنميمة
لكن ما هو الجيد في النميمة، إذا كان هناك شيء جيد؟ عندما يشارك شخص ما معك معلومات عن شخص تعرفه، سواء كانت هذه المعلومات إيجابية أو سلبية أو حتى محايدة، فإن ذلك يقرّب بينكما ويخلق نوعاً من الروابط الاجتماعية، ووفقاً للدراسات، فإن هذا السلوك قد يزيد من تعاطفك وحبك لناقل المعلومات، كما تساعدك النميمة على تعلم من تثق به ومن يجب أن تتجنبه، وبالإضافة إلى ذلك، تساهم النميمة في تعزيز القواعد السلوكية داخل المجموعة، وعلى سبيل المثال، إذا اشتكى أحدهم من زميل في العمل يرمي قشور الموز ذات الرائحة الكريهة في سلة المهملات الورقية، فمن المحتمل أن تصل هذه الشكوى إلى هذا الزميل، مما يجعله يدرك أن هذا التصرف غير مقبول.
النميمة: سلاح ذو حدين
ومع ذلك، تبقى النميمة سلاحاً ذا حدين لكل شخص في هذا المثلث الاجتماعي المتساوي الأضلاع، إن تأثير النميمة يمكن أن يكون إيجابياً أو سلبياً بناءً على عدة عوامل، منها العلاقة بين ناقل النميمة والمستمع والمستهدف، دوافع كل شخص، ومدى موثوقية المعلومات المنقولة.
دور ناقل النميمة
يُعتبر ناقل النميمة المحرك الأساسي في هذه الديناميكية، وليس من المفاجئ أن تركز الكثير من الأبحاث الاجتماعية على أسباب ممارسة الناس للنميمة، والمنافع التي يحصلون عليها منها، والمخاطر المرتبطة بها إن وجدت، وفي أكثر صورها لطفاً، تخلق النميمة شعوراً بالترابط والانتماء، لكن في المقابل، إذا كانت المعلومات المنقولة ضارة بالشخص المستهدف، قد يشعر الناقل بالذنب والقلق من ردود الفعل المحتملة، بما في ذلك الانتقام، وهناك أيضاً خطر أن يشكل المستمعون انطباعات سلبية عن الناقل نفسه.
الحقيقة وراء النميمة
رغم أن ناقلي النميمة قد تعرّضوا للانتقاد عبر التاريخ باعتبارهم مروجي شائعات أو ناقلي أخبار مضللة، إلا أن الأبحاث تشير إلى أن معظم ما ينقلونه يكون في الغالب حقيقياً، وفي دراسة أجرتها عالمة الاجتماع فرانشيسكا جارديني من جامعة جرونينجن في هولندا، وُجد أن الطلاب في تجربة مخبرية خلال سلسلة من ألعاب السلع العامة كانوا يميلون إلى نقل معلومات صحيحة عن اللاعبين الذين لم يساهموا في مصلحة المجموعة، وفي هذه التجربة، كان لدى اللاعبين فرصة تحذير الآخرين سراً من الأشخاص الذين لم يشاركوا بمساهمات إيجابية، ووجدت الدراسة أن أكثر اللاعبين إسهاماً في المجموعة كانوا الأكثر استعداداً لنقل معلومات صحيحة عن سلوك اللاعبين الآخرين.