محور المقاومة؛ براغماتية أميركا ولاعقلانيتها...
مقالات
محور المقاومة؛ براغماتية أميركا ولاعقلانيتها...
حليم خاتون
16 أيلول 2024 , 22:21 م
كتب الأستاذ حليم خاتون:
١٦/٩/٢٤
هلل عرب محور المقاومة لصاروخ اليمن...

رد اليمن يعني أن إيران سوف ترد حتما...

أراد البعض سماع العميد يحي سريع يعلن نبأ رد اليمن بنبرة تحدي الاستعمار والإمبريالية...

انتظر الجميع السيد عبد الملك الحوثي مع بعض الخوف من إعلان انتهاء الرد او ربطه بنتائج سقوط الصاروخ في غوش دان...
أكثرية شعوب المحور تريد الحرب...

بعض المعلقين تحدث عن صاروخ فرط صوتي بثلاثة أضعاف؛ لكن سرعان ما تبين أن هذا الصاروخ تجاوز سرعة الصوت باكثر من ثمانية أضعاف...

لكن الفرح زاد حين قال السيد الحوثي أن الرد آت حتما وان هذا الصاروخ ليس هو الرد؛ بل هو بداية المرحلة الخامسة من إسناد غزة...

سألت مذيعة شاشة المنار الدكتور 
حبيب فياض عن فحوى الرسالة من هذا الصاروخ اليمني...

كذلك فعلت مذيعة الجزيرة مع الخبير العسكري...

هنا السؤال الفعلي...
ما هي الرسالة التي يوجهها المحور، والى من؟

اتفق معظم المحللين على نقطة أساسية:
هناك تصاعد مستمر في حرب إسناد غزة ردا على تصعيد صهيوني مقابل...

اليمن ارتفع بالتصعيد تقنيا؛
 حزب الله ارتفع بالتصعيد عبر كثافة الصواريخ حتى قال احد الخبراء العسكريين أن ما أطلقته المقاومة الإسلامية في لبنان في ١١ شعر يفوق مخزون إيطاليا من القذائف المضادة للدروع...

هل كان الصاروخ اليمني رسالة إلى الكيان؟

كان المفروض ان تقرر حكومة الكيان في اجتماع يوم الأحد بداية مرحلة جديدة من الحرب على لبنان...

هل جاء صاروخ اليمن يبلغ الكيان رسالة موجزة عما ينتظره في حال قرر اي مغامرة ضد لبنان؟

ربما...

لكن الأكيد أن كل حرب الإسناد باتت تاخذ منحى تصاعديا لتوجيه رسالة إلى أميركا في الأساس...

كل ما تقوله أميركا عن وجوب عدم توسيع رقعة الحرب لا يعني شيئا...

الأميركيون يمررون للكيان كل ما يريده بما في ذلك قنابل الإبادة في غزة، ومنذ بعض الوقت، في جنوب لبنان...

الكيان الصهيوني لم يعد حتى أداة نافعة في المشروع الإمبريالي...

بدل أن يشكل هذا الكيان حماية لمصالح الغرب، صار هو نفسه بحاجة إلى حماية...

حتى الغرب عجز عن هذه الحماية فلجأ إلى آلة القتل وجرائم الحرب وأعمال الإبادة...

الغرب لا يرتكب الإبادة مباشرة؛ لكنه يغطي عليها ويدعمها بشكل غير مباشر...

كل ما يرتكبه الكيان هو ضمن سياسة الغرب الإمبريالي وتحت غطائه...

لم يعد خافيا أن هناك مفاوضات دائرة مباشرة بين مركز المحور في إيران وبين رأس الامبريالية في واشنطن...

هل تصعيد حرب الإسناد رسالة بالنار إلى أميركا؟

هل أراد محور المقاومة إظهار جزء من ترسانته الكاسرة للتفوق التقني الأميركي؟

هذا الاحتمال وارد جدا...

فقد تبين أن كل منظومة حلف الأطلسي والدول العربية الخاضعة لها لم تستطع التصدي لأكثر من ٨٤% من الصواريخ والمسيرات الإيرانية في ١٤ نيسان الماضي، رغم ان إيران أطلقت فقط مقذوفات فات عليها الزمن...

لكن لسبب ما...
لسبب لا يزال يدعو إلى القلق، يبدو أن محور المقاومة يعول كثيرا على "عقلانية" الطرف الآخر كما جاء في رد الدكتور حبيب فياض على سؤال المنار...

قد تكون أميركا براغماتية...

لقد أثبتت ذلك في أفغانستان، في العراق وحتى في جنوب شرق آسيا في فيتنام قبل ذلك...

لكن ذلك يحدث فقط حين تقترب أميركا من الهزيمة وتتأكد انها مهزومة حتما...

الاعتماد على عقلانية الكيان هو قمة اللاعقلانية...

ما يفعله الصهاينة في المنطقة مع كل الجرائم هو الموقف المتناسب تماما مع المشروع الصهيوني...

لا يمكن للصهاينة أن يكونوا إنسانيين، هذا ينافي جوهر وجودهم...

لا يمكن أن يتصرفوا باي عقلانية يتخيلها بعض المحور...

عقلانية الصهيونية وجوهر وجودها هو فيما يفعله الكيان منذ ما قبل النكبة والى اليوم...

لذلك فإن التعويل على أي عقلانية عند الكيان هو قمة الغباء...

أما التعويل على عقلانية أميركا فهذا مرتبط حصرا بالبراغماتية التي تتطلب الشرط المنصوص أعلاه دون أن يعني ذلك أن أميركا سوف تتخلى عن جوهر مشروعها القائم على محو فلسطين من الخارطة، والاستمرار في نشر الدول الفاشلة في منطقتنا بما في ذلك حتى الدول الخاضعة لها...

الاميركيون يعرفون جيدا أن مصر في طور الانهيار، وان تهجير الفلسطينيين إلى مصر سوف يسرع هذا الانهيار...

اليأس يولد الإرهاب...
والإرهاب يقضي على الدول...
ما حدث في سوريا مثل حي...

الاميركيون يعرفون جيدا أن تهجير الفلسطينيين إلى الأردن سوف يزعزع أركان الدولة الأردنية...

كل هم الأميركيين هو تثبيت الكيان دولة يهودية صافية او شبه صافية...
هذا يدخل في اساس معتقد المسيحية الصهيونية...

ثم أن المشروع الأميركي ضد الصين يقوم على عدة اركان؛ 
أهم هذه الأركان هو الخط الهندي الخليجي الاسرائيلي إلى أوروبا...

هذا الخط يحتاج إلى تصفية الضفة وغزة بالكامل على الأقل...

التركيز على السيطرة على شمال غزة هو في سبيل قناة بن غوريون التي سوف تكون جزءا من الخط الهندي...

أميركا التي تسيطر على الخليج بشكل شبه مطلق تريد الوصول إلى السيطرة على كل مناطق ما بين النهرين والشام ووادي النيل بنفس القوة...

الفرق بين الخليج وهذه المناطق هو وجود مقومات تاريخية تقوم على امبراطورية بغداد في العصر العباسي، وامبراطورية الشام في العصر الأموي؛ إضافة إلى تاريخ مصر القائم على عظمة تبدأ مع الفراعنة وتمر مع صلاح الدين الأيوبي  ومحمد علي وصولا إلى الحقبة الناصرية...

هذا الفرق يجبر أميركا على وجود مستمر عندنا للسيطرة على المنطقة...

أميركا لا تستطيع الركون إلى اهل هذه الأرض...

إما أن تتواجد بشكل مباشر وإما أن تقوم بزرع جسم غريب يلعب دور شرطي المنطقة...

لقد اثبتت إيران أن أميركا لا تستطيع الاتكال على أهل المنطقة...

كما زادت بعض السياسات التركية من اليقين إنه لا بد من جسم غريب عن المنطقة تماما كما تقرر في مؤتمر كامبل في أوائل القرن الماضي...

لذلك لن تتخلى أميركا عن المشروع الصهيوني...

قد تغير أميركا التكتيك؛ لكن الهدف سوف يبقى دائما إلى جانب وجوب وجود هذا الجسم الغريب الذي يتكل عليها ويخضع لها بالكامل... 

لهذا قال بايدن جملته الشهيرة:
لو لم تكن إسرائيل موجودة لتوجب علينا إيجاد إسرائيل...

فيتنام لم تكن تلعب دورا بأهمية منطقتنا، لذلك انسحب الاميركيون من هناك... 

أفغانستان لم تكن تشكل نفس أهمية منطقتنا...

على العكس، كان يجب الإنسحاب من أفغانستان وتركها خاصرة قلق لطريق الحرير الصيني...

عندنا المسألة تحمل أبعادا أخرى...

هنا يجب أن نتعلم من تجربة الاتحاد السوفياتي وروسيا...

 أعطى يلتسن أميركا كل شيء...

كسر غورباتشوف ويلتسن الدولة السوفياتية بالكامل مقابل وعد شفهي أن لا يتجاوز حلف الأطلسي نهر الأودر في ألمانيا...

خلَف بوتين يلتسين بعد أن كان رئيسا لوزرائه...

وقف بوتين مع حلف الناتو في كل شيء مقابل أن تبقى أوروبا الشرقية ودول حلف وارسو السابقة منطقة عازلة بين الناتو وروسيا...

ساهم بوتين في حصار إيران...
وقف في حالات معينة ضد كوريا الشمالية...
وقف مع الدول الإمبريالية والنظام الرسمي العربي ضد فلسطين وضد حزب الله أثناء حرب تموز ٢٠٠٦...

كان "يأخذ على خاطره" في كل مرة يخرق الناتو التعهد الذي أعطاه لروسيا حول وجوب عدم التوسع شرقا...

ضم الناتو كل دول حلف وارسو، الواحدة تلو الأخرى...

قسّم يوغوسلافيا قبل أن يقوم بضم كرواتيا والبوسنة وكوسوفو...

قسّم تشيكوسلوفاكيا، ثم ضم تشيكيا وسلوفينيا...

وصل إلى دول الاتحاد السوفياتي السابق وضم ليتوانيا ولاتفيا واستونيا...

أسقط شيفيرنادزة في جورجيا تمهيدا لضمها كما فعل لاحقا في أوكرانيا وكازخستان...

في جورجيا فهم بوتين أن كل ما يفعله من مسايرة لحلف الناتو لا ينفع...

وصل الأمر بأمريكا أن تبرر نشر صواريخ استراتيجية في بولندة بحجة مواجهة التهديد الإيراني...

سذاجة القيادة الروسية مع بوتين وغباء غورباتشوف و"تخدير" يلتسين بالفودكا إلى درجة ظهوره مخمورا في مناسبات عامة؛ كل ذلك أدى إلى حرب أوكرانيا وتغول الغرب في هذه الحرب...

كان على بوتين أن يعرف منذ التسعينيات أن العداء لروسيا ليس بسبب الشيوعية...

لو كان قرأ ما كتبته أولبرايت عن وجوب تقسيم روسيا إلى أربعة دول على الأقل؛ ربما كان اتخذ منذ ذلك الوقت مواقفا استراتيجية لمصلحة الشعوب المستضعفة...

نحن نعرف المشروع الإمبريالي...
نعرف مدى التماهي بين الامبريالية والصهيونية...

لذلك يجب عدم التعويل على أي عقلانية عند أميركا...

إذا اردت السلم، استعد للحرب؛ يقول المثل...

إذا أردنا وقف مشروع النكبة الدائمة وحل قضايا منطقتنا وعلى رأسها قضية الشعب الفلسطيني، علينا محاربة أميركا بكل الوسائل، وبأية وسيلة ممكنة بما في ذلك تهديد النظام العالمي، والذهاب إلى ذلك مهما تكن النتائج...

أميركا ليست قدرا، لا يمكن محور...
أميركا مجرد نمر من ورق آن وقت حرقها...
                           
المصدر: موقع إضاءات الإخباري