كنب حليم خاتون:
في وصيته إلى أعضاء الحزب البلشفي، حذر لينين من انضمام الكثيرين من الإنتهازيين والوصوليين إلى الحزب بعد انتصاره وأخذه السلطة.
إنها جنة السلطة، حيث النفوذ والمال.
ومن يقول نفوذ ومال وسلطة، يقول مباشرة , سيلان اللعاب إلى الفساد.
إنها النفس البشرية الأمّارة بالسوء.
في إحدى لقاءاته مع الشباب اللبناني في باريس أيام المنفى، تحدث الجنرال عن الإستقامة لبناء الأوطان.
أعطى مثلا سيارتين، فولز فاغن، ورولز رايس, السيارتان تؤديان نفس الدور، قال:
طالما الفولز توصلني إلى المكان الذي أريده، يجب أن لا تغريني الرولز رايس، وألا سوف أقع في الخطيئة، في حب التملك والفساد.
خصم سوريا العنيد لم يكن شريفا جدا في قتاله معها رغم كل ما قيل غير ذلك. يكفي موقفه من ال ١٥٥٩،وإرساله رحالاته الى اميركا, القرار هدف إلى ضرب الشعب السوري، حتى ولو تم نفي ذلك والتنظير عن استهداف النظام؛ نفس الكذبة القديمة الجديدة.
لكن هذا ليس موضوعنا الآن.
الرجل عاد على حصان، طلاه هو بنفسه باللون الأبيض.
عاد متوهما أن الجماهير سوف تزحف إلى المطار لاستقباله.
نسي أنه يعود إلى جمهورية اتحاد الطوائف اللبنانية.
الجماهير كانت بالأساس مقسومة عاموديا إلى نصفين تقريبا.
عاد متوهما أن ١٤ آذار سوف تأخذه بالأحضان.
كانت ١٤، أكثر الخائفين منه.
أُعطي كرسيا إلى جانب بقية الربع؛ قيل له هذا حجمك.
رفض ودخل الحرب وحيدا ضد الكل.
في هذا الرفض ربح قلوب الكثيرين، فكان تسونامي الذي قلّم أظافر ١٤ آذار.
صيت نظافة الكف عنده فرض نوع من الإحترام له عند النصف الآخر، تحديدا عند جمهور المقاومة.
لم تكن مار مخايل نتاج تكتكة لا عند عون ولا عند السيد نصرالله.
كان جمهور كل من الفريقين يتوق للتحالف مع الفريق الآخر.
العونيون كانوا يتوقون إلى عنفوان المقاومة التي حررت الأرض سنة ٢٠٠٠.
وجمهور المقاومة كان معجبا بهذا الرجل العنيد الذي يستطيع اقتلاع فساد مستشري، لا تريد المقاومة مجابهته مباشرة لأسباب ذاتية وموضوعية.
لكن ما لبثت الأمور أن بدأت بالظهور؛ فكما تنازل الحزب في الدوحة، كذلك فعل الجنرال. كانت هذه أول معركة خاسرة للطرفين، ليس فقط في مواجهة الفساد، بل في إعادة بناء الدولة.
تخلى أهل الطائف عن بعض الفتات، فأعموا بصيرة فريقي مار مخايل.
كانت الدوحة هي البرهان الحقيقي على عدم جدية الطرفين لبناء دولة القانون؛ أو على الأقل، لقصر نظرهما في هذا المضمار.
وكما يقال، الكريم يُعرف عندما يعطي وهو محتاج، وليس وهو مُتخم.
كان الفريقان عمليا خارج السلطة.
وكما يقول المثل، عند الإمتحان، يُكرم المرء أو يُهان.
الحديث عن عجز الحزب وعدم فعاليته داخل الحكومة، حديث طويل تم تناوله أكثر من مرة.
إلا أن الحزب لم يدخل في وسخ المحاصصة ووضع اليد على مقدرات الدولة.
تعفّف الحزب عن الدخول في اللعبة الطائفية والمذهبية... ترك كل شيء
لأمل.
هذا ليس مديح للحزب، بقدر ما هو نقد له بسبب التقصير.
صحيح أنه لم ينغمس في وسخ الحصة المذهبية، ولكن الصحيح أيضا أنه لم يفعل شيئا لبناء الدولة على أسس العدالة والقانون.
لكن إذا كان الحزب متهم بعدم الفعالية، فإن المصيبة الكبرى كانت في انغماس التيار في كل مفاسد هذا النظام الطائفي التحاصصي.
فجأة أُعلنت وفاة علمانية ميشال عون، ليخرج علينا باسيل ويكشف عن "قرعته" ويُفزعنا.
كانت الصدمة الأولى عندما اتفق ميشال عون وسعد الحريري والرئيس بري وتخلّصوا من الوزير الإصلاحي شربل نحاس، المُعين من قبل عون نفسه.
توالت إشارات التخلي عن المبادىء من مسايرة المستقبل في صفقة بواخر الكهرباء.... إلى أن تم إقفال كتاب البراء المستحيل ووضعه على الرّف.
نظرة سريعة الى تاريخ التيار منذ دخوله جنة الحكم، ويستطيع المرء تبين المفاصل، كل على حدة؛ وفي كل مرة تمسك بنظام الطائف ومحاولة الكسب الطائفي الرخيص والبذيء.
كلمة ميشال عون اليوم لم، وما كان يجب أن تكون مفاجأة.
كلمته المُحبَطة، كانت محطة إحباط جديد إلى كل اللبنانيين الذين وقفوا يستعيدون صور تاريخهم مع هذا الرجل منذ أكثر من ثلاثة عقود، حيث اكتشفوا مدى غبائهم لأنهم ألبسوا الجنرال بدلة رجل الدولة وأعطوه من الصفات الكثير مما ليس فيه.
إذا كان من خلاصة يجب الخروج بها، فهي أن هذا الرجل لا يختلف عن كل الطبقة السياسية الحاكمة.ما أن دخل جنة الحكم، حتى ظهر ميله إلى السلطة والمال والنفوذ، ونسي الوطن.
بماذا يختلف ميشال عون عن سعد الحريري أو نبيه بري أو سليمان فرنجية أو وليد جنبلاط.؟؟..
عندما قيل إن الرجل سيخرج على اللبنانيين بكلمة هامة، ظننت أنه سوف يخرج شاهرا سيفه، يسمي الاشياء بأسمائها، ويقلب الطاولة على الجميع بالدعوة إلى مؤتمر تأسيسي هدفه القضاء على النظام الحالي وبناء دولة مدنية علمانية، فوق وأقوى من كل الطوائف.
لكن الرجل لم يخذل الناس فقط، الرجل خذل نفسه.
خذل تاريخا، يبدو أنه لم يكن له؛ تاريخ رُبط به عنوة.