في إطار إعادة التقييم الاستراتيجي لوجودها العسكري في الخارج، تعتزم فرنسا تقليص عدد قواتها بشكل كبير في أفريقيا مع زيادة انتشارها في دولة الإمارات العربية المتحدة، هذا التحول الذي تم الإعلان عنه في مقابلة مع صحيفة L'Opinion من قبل وزير القوات المسلحة الفرنسية، سيباستيان لوكورنو، يأتي في ظل اعتبارات سياسية وتشغيلية، ويشكل تحولا في استراتيجية الدفاع الفرنسية التي تهدف إلى تحقيق توازن بين الفعالية العسكرية والانطباعات المحلية.
توصية بتقليص القوات الفرنسية في أفريقيا
قدم جان-ماري بوكيل، في تقريره إلى الرئيس إيمانويل ماكرون، توصية بتقليص القوات الفرنسية بشكل كبير في أفريقيا، بما يتماشى مع الإرشادات التي وضعتها قصر الإليزيه في فبراير 2023، هذا التوجه يتماشى مع استراتيجية تعزيز الشراكة مع القوات المسلحة المحلية وإعادة هيكلة القواعد العسكرية الفرنسية. تشير الأرقام الرسمية إلى أنه سيتم تقليص عدد القوات من 2,300 إلى 600 فرد، موزعين بين تشاد، والجابون، وساحل العاج، والسنغال، بينما تظل قاعدة جيبوتي، التي تُعتبر جزءًا من الاستراتيجية الهندية-الهادئ، دون تغيير.
الدفاع الفرنسي في مواجهة التحديات السياسية والإعلامية
دافع رئيس الأركان العامة الفرنسي، الجنرال تييري بوركارد، عن هذا التعديل خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ، مؤكدًا أن الوجود العسكري الفرنسي في أفريقيا كان فعالًا ولكن التصورات السلبية كانت تؤثر على فوائده، ستتركز الاستراتيجية الجديدة على الانتشار المؤقت بناءً على طلبات محلية، مما يقلل من بصمة القوات الفرنسية ويحد من ظهور قواعدها، التي غالبًا ما تقع في عواصم الدول.
الانسحابات الفرنسية في أفريقيا
على مدار السنوات الأخيرة، قلصت فرنسا وجودها العسكري في أفريقيا وغرب أفريقيا، في أغسطس 2022، سحبت القوات الفرنسية من مالي بعد التوترات مع الحكومة العسكرية الحاكمة. في ديسمبر 2022، انسحبت القوات من جمهورية إفريقيا الوسطى بسبب تدهور العلاقات مع الحكومة المركزية ووصول القوات الروسية، وبشكل خاص مجموعة فاجنر. في فبراير 2023، أعلنت فرنسا عن سحب قواتها من بوركينا فاسو بعد طرد سفيرها من قبل الحكومة العسكرية. وفي سبتمبر 2023، قررت فرنسا سحب قواتها من النيجر بعد الانقلاب العسكري في يوليو 2023 ووفقا لطلب السلطات النيجيرية الجديدة.
تعزيز النفوذ الروسي والصيني في أفريقيا
في الوقت نفسه، زاد النفوذ الروسي والصيني في أفريقيا. فقد عززت روسيا وجودها في جمهورية إفريقيا الوسطى من خلال مجموعة فاجنر ولاحقا Africka Korps، مقدمةً الدعم العسكري والأمني للحكومة هناك. كما رافق هذا التواجد حملة معلوماتية تهدف إلى تعزيز المصالح الروسية وتقويض النفوذ الغربي.
أما الصين فقد ضاعفت استثماراتها في أفريقيا، خصوصًا في غرب أفريقيا، من خلال مشاريع البنية التحتية وأصبحت أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين للقارة. هذه المبادرات تهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الصين ودول أفريقيا، مقدمةً بديلا للشراكات التقليدية مع القوى الغربية.
إعادة انتشار القوات الفرنسية في الإمارات
على الصعيد الآخر، تخطط فرنسا لتعزيز وجودها العسكري في الإمارات العربية المتحدة، حيث تحتفظ بنشر كبير للقوات بالفعل. بموجب اتفاق دفاعي تم توقيعه في عام 2008، يتكون الجيش الفرنسي في الإمارات من 650 إلى 700 جندي يتمركزون في قاعدة بحرية، وقاعدة الظفرة الجوية، التي تستضيف ست طائرات رافال من سرب الطائرات المقاتلة 1/7 بروڤانس، ومدينة زايد العسكرية التي تضم الفرقة الخامسة من سلاح الفرسان.
الفرقة الخامسة من سلاح الفرسان هي وحدة متعددة المهام تتكون من سرب قيادة ولوجستيات، 16 دبابة لوكلير، وحدة مشاة مزودة بمركبات قتال المشاة (VBCI)، ووحدة مدفعية تشغيل خمس أنظمة مدفعية ذاتية الدفع CAESAr. أعلن وزير الدفاع لوكورنو أنه اعتبارًا من عام 2025، ستتم تعزيز هذه الفرقة بنشر دائم لكتيبة مشاة قوامها حوالي 100 جندي. كما قد يتم نشر وحدات هندسية لتعزيز التعاون مع القوات الإماراتية.
أهداف الاستراتيجية الفرنسية الجديدة
تهدف هذه التوجهات الاستراتيجية إلى تفعيل اتفاق الدفاع الفرنسي-الإماراتي مع تلبية احتياجات العمليات الخاصة. تقوم القوات الفرنسية في الإمارات بثلاث مهام رئيسية: دعم الانتشارات العسكرية الفرنسية في المنطقة، وتعزيز التعاون العسكري مع الإمارات، واستضافة وحدات من فرنسا والفرق الأجنبية للتدريب في بيئات صحراوية وحضرية نموذجية في منطقة الشرق الأوسط.
تعزيز الشراكات الاستراتيجية مع الإمارات
تعكس هذه التعديلات الاستراتيجية تصميم فرنسا على مواءمة أولوياتها الجيوسياسية مع السياق الدولي المتغير، في الوقت الذي تعمل فيه على تعزيز الشراكات الرئيسية في مناطق ذات أهمية استراتيجية. من خلال تعزيز وجودها في الإمارات، تستفيد فرنسا من فرصة عرض قدراتها العملياتية في منطقة الشرق الأوسط، التي تعد من أهم المناطق بالنسبة لأمن الطاقة العالمي والتجارة الدولية. كما يوفر هذا الانتشار مشاركة أكثر فعالية في جهود الاستقرار الإقليمي وعمليات مكافحة الإرهاب. علاوة على ذلك، يوفر التعاون الوثيق مع القوات الإماراتية فوائد في مجالات التدريب، وتبادل التكنولوجيا، ومبيعات الأسلحة، مما يعزز صناعة الدفاع الفرنسية.