كتب السيّد جعفر فضل الله:
تتطلب معركة الأمن مع العدو الكثير من السرية، على الرغم من أنّ ميدانها واضحٌ، وهذا ما يتطلّب دائمًا صلة القاعدة بالقيادة، بشكل مباشر أو شبه مباشر في تفاصيل حركة الأمن، كما يتطلّب ضبط القاعدة في تداول مفردات الأمن.
وقدأشار القرآن إلى ذلك، حيث جاء فيه: {وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به، ولو ردّوه إلى الرّسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}.
وربما تكون واحدة من مشاكل الحركات الإسلامية أنّها مارست السياسةَ، الداخلية خصوصًا، بذهنية الأمن.
ما أقصده هنا تحديدًا، هو أنّها قد تعمل كثيرًا، ولكن في الظلّ والسرّ، مراعاةً لأكثر من اعتبارٍ وتعقيد؛ مع أن الجبهة السياسية هنا أكثر خفاءً، في حركتها وأشخاصها، وأشدّ تعقيدًا من الجبهة الأمنية، وتشكّل مِساحة قد يمتدّ إليها العدوّ، بطريقة غير مباشرة.
اليوم أيضًا دخل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي على الخط؛ ما جعل الإسلاميين الطليعيّين يُخسَّرون، في السياسة بصمتهم، على الرغم من تسجيلهم انتصارات مهمة في الأمن، ومن تحقيقهم إنجازاتٍ في حركة السياسة غير الظاهرة.
ولعل أكثر من ساحة جغرافيّة في العمل الإسلامي اليوم عانت وتعاني من ذلك.
هنا تحتاج الحركاتُ الإسلاميةإلى الالتفات إلى منهجية القرآن في التعاطي مع المفردات وملاحقتها، من القضايا الكبرى إلى القضايا التفصيلية؛ وذلك لإرساء ثقافةً، ورفع مستوى الجماهير، بما يشكّل مناعة صلبة أمام أيّ حالة التفافٍ أو فتنةٍ سياسية من الأعداء، غير المنظورين خصوصًا.
هنا يبدو تواصل الساسة الإسلاميّين الدائم بالجماهير ضرورة، وليس ترفاً، وذلك لوضع هذه الجماهير بالخطوط العامة أو الإشارات الموحيَة – على الأقلّ – في صورة ما يقوم به الساسة الإسلاميون.
ليس ضروريًا أن تنبري القيادات العليا لمواكبة كل تفاصيل الحركة السياسية الداخلية، بل لعلّ في هذا بعض الضَّرر، ولا سيّما في بعض المراحل المعقّدة..
النواب والوزراء والإعلاميّون والمستقلّون الإسلاميّون لا يمكنهم التعاطي السياسي، فقط على طريقة تكرار التوجيهات التنظيمية الحزبية، أو الانتظار الصامت للقيادات العليا للعمل الإسلامي..
مساحةٌ من حرية الاجتهادباتت مطلوبة، وهامشٌ من التمايز – وحتى الخطأ - في التقدير أو في التعبير ربما يكون مفيدًا في إيجادهوامش ضرورية لإدارة تعقيدات السياسة الداخلية.. ليكون دور التوجيهات العليا رسم الخطوط العامة، أو وضع الخطوط الحمراء، في الظروف الطارئة..
قد تكون حسابات الأمن مسكونةً بهاجس عدم الخطأ، في أدنى التفاصيل، وهو – لذلك - يفرض أعلى درجات الحذر؛ ولكن التجارب السابقة أثبتت أن هامش السياسة يجب أن يكون أوسع، وأنّ المتصدّين لذلك يجب أن يتوزّعوا الأدوار؛ لأنّك تتعامل هنا مع خطوطٍ متشابكة، ومع ساحة متنوّعة من الذين يعملون ضدّك، ويستفيدون من سياسة السرّ والخفاء والغموض السياسي، بما يؤدّي إلى ضرب علاقة الإسلاميّين بالجماهير – وهذا هو المهمّ بالنسبة لأيّ حركة إسلاميّة، ولأعدائها – عبر تصويرهم على غير صورتهم، وفرض نوايا سيئة على منطلقاتهم، فقط لأنّ الإسلاميّين صامتون والآخرين يتكلّمون!
ربما بات يجب أن يفكّر الذين يَتولَّوْنَ العمل السياسي المباشر واليومي، أنّ عليهم أن يحدّثوا النّاس عمّا يعملون، بل عمّا ينوون أن يقوموا به، وأن يبيّنوا للنّاس أسباب التعثّر، لا على طريقة الاستهلاك والإثارة التي تعقّد الحركة، بل على أساس المسؤوليّة عن الصّورة العامّة للحركة الإسلامية في نفوس الأجيال.
هنا النّاس أيضًا يجب أن يعتادوا على فكرة: أنّ التحالفات السياسية، في الاستراتيجية، لا تعني التماهي في التفاصيل، ولا التنازل عن المبادئ التي قد يكون الحلفاء متحلّلين من ثقلها في إدارة السياسة التفصيليّة، ولا سيّما تلك التي تتّصل بهموم الجماهير، وتضع صورة الحركة الإسلامية على المحكّ!