التطهير السياسي.
مقالات
التطهير السياسي.
م. زياد أبو الرجا
31 كانون الأول 2024 , 21:27 م


  من اهم عمليات التطهير السياسي التي وقعت في العصر الحديث عمليتان.الاولى التي قام بها جوزيف ستالين في روسيا السوفياتية للقضاء على اليمين بقيادة نيكولاي بوخارين واليسار المتطرف بزعامة الرجل الثاني بعد لينين ليون تروتسكي.صاحب نظرية " الثورة الدائمة " "Perpetual Revolution ".اراد ستالين ان يرسخ الثورة في روسيا ويحولها الى دولة قوية .لذلك قام بعملية التطهير السياسي الدموية استطاع تروتسكي الهروب من روسيا الا ان الكي جي بي ظلت تلاحقه حتى اغتالته في المكسيك العاصمة يوم ٢١ اب/ اغسطس ١٩٤٠م تحولت التروتسكية الى نظرية وحركة فيما بعد.

العملية الثانية من التطهير العرقي تلك التي حصلت داخل خزب البعث الذي استولى على السلطة عبر الانقلابات العسكرية في سورية والعراق الذي انقسم الى جناحين الجناح السوري بقيادة حافظ الاسد والجناح العراقي بقيادة صدام حسين الذي انقلب على الرئيس احمد حسن البكر واجبره على التخلي عن مسؤولياته في ١٦ تموز/ يوليو وخرجت الصحف العراقية تحمل العنوان الرئيسي(( الاب القائد البكر يعلن تخليه عن مسؤولياته بسبب اوضاعه الصحية .انتخاب المناضل صدام حسين امينا للسر ورئيسا لمجلس قيادة الثورة ورئيسا للجمهورية )).

بعد ستة ايام من وصوله الى منصب الرئاسة ٢٢ تموز/ يوليو ١٩٧٩م عقد صدام اجتماعا لحزب البعث في قاعة ( الخلد ) كل من اعترض على تنحية البكر وطالب بوحدة الحزب مع جناحه في سورية مما ادى الى قتل واعتقال كل المعارضين البعثيين لصدام في تلك القاعة والتي اشتهرت " بمجزرة الرفاق ".بعد تلك المجزرة سادت داخل جناحي حزب البعث الشكوك بالانتماء. الى الجناح الاخر مما ادى الى اضعاف الحزب في العراق وسورية وتحول الى حكم الفرد صدام حسين في العراق وحافظ الاسد في سورية.كانت هزيمة حزيران عام ١٩٦٧ م موجهة الى الزعيم الخالد جمال عبد الناصر صاحب مشروع الوحدة القومية العربية والتنمية والتصنيع في مصر .ادت تراجع المد الناصري والبعثي الذي ناضل من اجل الوحدة العربية . *تراجع المد القومي وتقدم المد الديني الذي رعاه الرئيس المؤمن انور السادات بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد.فتح انوار السادات والرجعية العربية الحاكمة الابواب للحركات والاحزاب الاسلاموية وعلى راسها الاخوان والسلفية.لكن تنظيم الاخوان الدولي اقوى بكثير من السلفية الجهادية التي تشكلت في اواخر الفرن الماضي بينما الاخوان الذي اسسه حسن البنا برعاية بريطانيا والتي ما زالت هي الراعية لتنظيم الاخوان الدولي وما زالت لندن قبلة اللجوء السياسي للملاحقين من الاخوان.تبنت قيادة التنظيم الدولي للاخوان سياسة " اخطبوطية" وشكلت عدة اذرع داخلية وخارجية( سياسية وفكرية ومالية وعسكرية " ميليشياوية " ) فالاخوان على راس جماعات التطرف واهمها تنظيم القاعدة.

* الجولاني كان احد رجال تنظيم القاعدة بزعامة الظواهري ومن ثم تحول الى داعش وبعد ذلك الى النصرة وكلها تنظيمات اساسها اخواني.ثم تحول الى هيئة تحرير الشام كما اراد لها اردوغان والتنظيم الدولي للاخوان.فالجولاني هو رجل الاخوان وتركيا في سورية. قادت تركيا هيئة تحرير الشام ومعها ٢٣ فصيلا ارهابيا وبدعم لوجيستي من امريكا والدول الاوروبية لاسقاط الدولة والنظام في سورية.وكان لهم ذلك ، في الثامن من شهر كانون الاول / ديسمبر ٢٠٢٤م وعلى عكس ما حصل في مصر عند استيلاء الاخوان على السلطة عام ٢٠١١ حتى ٢٠١٣ بعد الثورة الشعبية العارمة للشعب المصري ضد نظام حسني مبارك التي تمت تحت شمس الضحى، ثم اَلَتْ السلطةبالليل الى اصحاب اللحى " الاخوان" الذين لم تستمر سلطتهم طويلا ، حتى خرج اكثر من ثلاثين مليون مصري الى الميادين والساحات في كافة المدن والمحافظات مطالبين برحيل حكم الاخوان، فاستجاب الجيش المصري ( الحارس الامين للامن القومي المصري )للمطالب الشعبية .هناك عامل مهم اخر عجل بسقوط الاخوان هو انهم تبنوا نظرية الثورة الدائمة " التروتسكية " مجازا عندما وقف الرئيس مرسي مخاطبا المصريين بالقول: حيا على الجهاد في سورية وفلسطين والاقصى على بعد خطوات منه .ووجه خطابا للرئيس الصهيوني شمعون بيريز ( عزيزي بيريز) وتجاهل اي اشارة الى كامب ديفيد والتطبيع الرسمي مع الكيان.اما شعب مصر العظيم لم يطبع ولا احد يعرف مكان السفارة الصهيونية في القاهرة.

* اما الجولاني فهو رجل الاخوان وتركيا العثمانية في سورية.فتركيا هي التي قادت سياسيا وعسكريا الحلف الذي قادته هيئة تحرير الشام مع ٢٣ فصيلا وبدعم امريكي اوروبي.وعل عكس ما حصل في مصر من تولي الاخوان السلطة بسبب غياب الاحزاب المصرية ، فان وصولهم الى السلطة في سورية تم عسكريا، وكل فصيل من الفصائل التي شاركت في العملية يدعي انه صانع النصر ولن يسمح لاي كائن ان يستبعده عن صناعة وتقرير مستقبل سورية.

* يبدو واضحا من الحماسة المفرطة لمنتسبي الاخوان ومؤيديهم الذين رفعوا شعار:(( اليوم سورية وغدا الاردن ومصر والسعودية )). ان العقلية التروتسكية ما زالت هي المهيمنة على القاعدة الشعبية والقيادة، لكن هذه الرغبات والاماني والامنيات دونها عوائق وعراقيل جسام.اول هذه العوائق تركيا التي لها خبرة الدولة العريقة وعقل الدولة لا الثورة.ستركز كل جهودها على انجاز مشروعها في سورية، دون الصدام مع مصر والسعودية.لدى تركيا الاكراد وقوات " قسد" المدعومة من امريكا والكيان الصهيوني.ستحاول تركيا اقامة حكم اسلامي معتدل وغير متطرف يقبل بالعيش مع الاخر كمواطن على قدم المساواة في الحقوق والواجبات وتخشى من نظام متطرف لا يقبل الاخر العرقي والديني والمذهبي الذي يؤدي الى التعدي عليه وخاصة العلويين في الساحل السوري بحكم انتماء الاسد الى طائفتهم.هناك ٢٢ مليون علوي في لواء الاسكندرون" هاتاي"الذي تم سلخه عن سورية ابان الانتداب الفرنسي عام ١٩٣٧م وستعمل تركيا على حمايتهم حتى لو اقتضى الامر ارسال الجيش التركي للقيام بهذه المهمة

* بالنسبة لاردوغان سيكون موقفه من الاخوان والفصائل المسلحة مثل موقف ستالين من تروتسكي وبوخارين وسيلجأ الى التطهير السياسي على امل ان ينجز مشروعه في سورية.هناك المزيد من التحديات التي تتعلق بمواقف امريكا واوروبا المشغلين الرئيسيين الذين لن يقبلوا باقل من نصيب الاسد في الفريسة ( الصيدة) السورية بالاضافة الى اطماع الكيان التوسعية.ستكون الفوضى سيدة الموقف لان الاطراف الخاسرة لن تستسلم وستعاود الانخراط في الشأن السوري في الصراع على من يملأ الفراغ

م/ زياد ابو الرجا. .                                            

المصدر: موقع إضاءات الإخباري