كشف علماء الأحياء بجامعة كاليفورنيا - ديفيس عن آلية جينية فريدة تسمح لأشجار الجوز بتبديل الأزهار بين الجنسين خلال نفس الموسم، وهي خاصية احتفظت بها هذه الأشجار وأسلافها لأكثر من 40 مليون عام، هذا الاكتشاف يعزز فهمنا لتكاثر النباتات ويظهر تشابها مثيرا بين آليات تحديد الجنس في النباتات والحيوانات، بما في ذلك البشر.
أسرار جنسية أشجار الجوز
أظهرت دراسة نُشرت في مجلة Science أن أشجار الجوز تمتلك آلية جينية تسمح لها بإنتاج أزهار ذكورية وأنثوية بالتناوب خلال الموسم،
تُظهر الأبحاث أن كل شجرة جوز تتبع نمطا ثابتا: إما أن تبدأ الموسم بأزهار ذكورية ("ذكري-أولا") أو بأزهار أنثوية ("أنثوي-أولا"). هذا النمط المثير للدهشة كان قد لاحظه تشارلز داروين لأول مرة في عام 1877، وتأكدت جذوره الجينية لاحقا في الثمانينيات على يد الباحث سكوت غليسون.
اكتشاف آلية جينية عمرها ملايين السنين
تُظهر الدراسة، التي قادها الباحث جيف غروه وطالبه الدكتوراه البروفيسور غراهام كوب، أن هذه الظاهرة ليست عشوائية، بل تتحكم فيها آلية جينية مستقرة منذ 40 مليون عام.
قام الباحثون بتحليل جينومات أشجار الجوز المحلية وأشجار الجوز السوداء البرية في شمال كاليفورنيا، ووجدوا أن هناك تنوعا جينيا مرتبطا بترتيب الإزهار.
توازن تطوري يحافظ على التنوع الجيني
أظهرت الدراسة وجود نوعين من الجينات في أشجار الجوز، كل منهما مسؤول عن إنتاج أزهار ذكورية أولا أو أنثوية أولا.
قال غروه:
"من النادر أن يتم الحفاظ على هذا التنوع الجيني لملايين السنين. ولكن في حالة أشجار الجوز، يحدث توازن طبيعي. إذا زاد نوع واحد من الجينات في عدد السكان، فإن النوع الآخر يكتسب ميزة تنافسية، مما يحافظ على التوازن بنسبة 50:50."
تطور مشترك مع أشجار البقان
أظهرت الدراسة أن أشجار البقان، وهي قريبة من أشجار الجوز، تمتلك أيضا آلية جينية مماثلة تتحكم في ترتيب الإزهار. ومع ذلك، فإن هذه الآلية تظهر في جزء مختلف من الجينوم. يُعتقد أن آلية البقان أقدم عمرا من آلية الجوز، حيث تطورت منذ أكثر من 50 مليون عام.
تشابه مع آليات تحديد الجنس في الحيوانات
تشير الدراسة إلى تشابه مذهل بين هذه الآليات الجينية وآليات تحديد الجنس في الحيوانات.
قال غروه:
"تشبه هذه الآلية الطريقة التي تعمل بها الكروموسومات الجنسية في الحيوانات، مثل الكروموسومات X وY لدى البشر. كلاهما يحافظ على توازن دقيق بين الاختلافات الجينية."
آفاق مستقبلية لفهم أعمق
تفتح هذه النتائج آفاقا جديدة لفهم تطور النباتات وآليات التكاثر لديها، مما قد يساعد في تحسين إنتاجية المحاصيل وتطوير طرق زراعية أكثر استدامة.
تشير الأدلة إلى أن هذا النمط من الإزهار المتناوب قد يكون أقدم من ذلك بكثير، وربما يعود إلى 70 مليون عام في سلالة أشجار الجوز والبقان.
إن هذا الاكتشاف حول آلية تبديل الجنس في أشجار الجوز يُبرز جمال وتعقيد الطبيعة، ويؤكد أن دراسة النباتات يمكن أن تكشف أسرارا تطورية تمتد لملايين السنين، وتوضح كيف تتشارك الكائنات الحية في آليات بيولوجية مشتركة، مهما كانت بعيدة ظاهريا.