جدلية المعنوي والمادي.
مقالات
جدلية المعنوي والمادي.
م. زياد أبو الرجا
16 كانون الثاني 2025 , 17:49 م


* المتابع لوسائل التواصل الاجتماعي التي يستخدمها كل من لديه هاتف نقال يجد ان التفاعل مع طوفان الاقصى وجبهات الاسناد تركز على تمجيد البطولات الفردية.

يسلم البطن الذي حملك، يسلم البز الذي ارضعك، يسلم...انتم الاسود في العرين، انتم احفاد ابطال اليرموك وحطين، انتم رفعتم رؤوسنا، انتم الامل، لن يحرر فلسطين الا شبابها فقط...الخ

نحن شعوب لا تعرف كيف تكتب تاريخها، ولا نعرف كيف نقيم الحروب التي خضناها عبر التاريخ العربي الاسلامي بدءا من حروب الرسول وحتى يومنا هذا.حتى المعارك الكبرى التي اسست للخلافة الاموية والعباسية لم نتفق على تاريخ وقوعها فما بالك عن تفاصيلها .

*يقول المفكر الفلسطيني منير شفيق في كتابه الاستراتيجية والتكتيك، فن علم الحرب: ((عندما نقوم حروب الرسول وحروب الفتوحات الاسلامية، ما زلنا عند رأي السلف الذي ارخ لتلك الحروب الذي اراد ان يرسخ دور الايمان في الحروب.لقد ركز على الحماسة الدينية التي بثها الاسلام في قلوب العرب فجعلهم يعجلون لنيل الشهادة وقد حرصوا على كسب الاخرة اكثر مما حرص اعداؤهم على كسب الدنيا.وبولغ في ابراز هذه الناحية الى حد طغت معه على كل ما عداها.فالذين ارخوا لتلك الحروب من زاوية عربية اسلامية ارادوا، اساسا، من تناول تلك المعارك اظهار الدور الذي لعبه الايمان في كسب تلك الحروب، مما حول تلك المعارك الى سلسلة من البطولات الفردية والجماعية، وضروب الشجاعة الخارقة الامر الذي جعلهم يقدمون تاريخ تلك الحروب، واضاعة ما احدثه القادة العرب المسلمون من تطوير في هذا الفن استراتيجيا وتكتيكيا.نحن لا نستهدف الانقاص من اهمية الجانب المعنوي لا من قريب ولا من بعيد ولكننا نستهدف ابراز جانب الفن العسكري، وان كان من الضروري قبل ابراز ذلك الجانب رؤية العلاقة بين اجتماع القوة المعنوية التي ولدها الاسلام في العرب والفن العسكري.

ان مناقشة اهمية الناحية المعنوية مسألة مفروغ منها، ولكن لا يعني هذا ان الحروب تكسب فقط، بتوفر التفوق المعنوياذ ان اهمية الفن العسكري -الاستراتيجية والعمليات وقيادة التكتيك في المعركة-لا تقل اهمية عن الجانب المعنوي فهما صنوان كل منهما يكمل الاخر، ولا يؤدي افتقاد احدهما الّا الى الهزيمة.

ثمة جواب بسيط على اؤلئك الذين يفسرون الانتصارات العربية الاسلامية من زاوية واحدة فقط هي الحماسة الدينية.اذ كيف يستطيعون ان يفسروا بعض الهزائم التي مني بها المسلمون عندما كانوا في اوج حماستهم الدينية وشغفهم بالاستشهاد.مثال ذلك معركة احد، معركة الجسر، معركة مؤتة بالاضافة الى عدة حوادث هُزِمَ فيها المقاتلون المسلمون مثل هزيمة عقبة بن نافع وكامل جيشه الذي كان معه على يد " البربر" في شمالي افريقيا، او الاربعة الاف مسلم الذين شقوا طريقهم الى باكو بعد معركة نهاوند حيث قضى عليهم الخزر ولم ينج منهم احد.ان المسلمين في هذه المعارك طلبوا الاستشهاد بقوة لا تقل عن اية معركة ظافرة اخرى ان لم تزد عليها.في الواقع لا يستطيع احد ان يجد مطعناً من الناحية المعنوية في تلك الهزاىم.بل على العكس سيجد طغيان الناحية المعنوية كان قويا الى حد اهملت بسببه القواعد الاساسية في الحرب.تلك القواعد التي حرص عليها العرب المسلمون في كل معاركهم الظافرة )).

* هذه المقدمة تدعونا جميعا الى اعمال العقل بالقاء الضوء على كل المعارك التي خاضتها المقاومة في فلسطين وجبهات الاسناد اللبنانية واليمنية، ونبش الجذور لمعرفة اسباب الانتصار الموضوعية في كل معركة جرت خلال الخمسة عشر شهرا وما تخللها من بعض الانتكاسات.انها دعوة لاصحاب الفكر السياسي والاجتماعي بشكل عام والعسكري بشكل خاص لاستنباط واستخلاص الدروس والعبر علميا والتحضير لمعارك وحروب المستقبل مع الكيان الصهيوني الذي يجند كل موارد القوة لديه كافة ويبرع في الاستحصال على اخرى من غيره لتحقيق اهدافه بالاضافة الى مشغِّليه.لقد طورت امريكا دور الكيان ليصبح لاعبا رئيسيا في تشكيلة البنية الجيوسياسية في الشرق الاوسط، وهذا ما حذر منه واستشرفه المفكر نجيب عازوري ( ١٨٧٣- ١٩١٦) عن مطامح الحركة الصهيونية في فلسطين وتداعيات ذلك على السلم العالمي ..ورأى ايضا ان خطر الكيان سيتجاوز الاقتصاد والسياسة الى صلب الكينونة العربية نفسها.

* وبما ان الكيان هو القاعدة المتقدمة للاستعمار العالمي واداته الضاربة في الشرق الاوسط وعجز هذا الكيان عن الحاق الهزيمة بقوى المقاومة بل خرج مهزوما ومأزوما، الا ان ذلك لا يلغي دوره في الاقليم ،وعليه نطرح السؤال التالي لماذا اجمعت الادارة الامريكية بشقيها الديموقراطي والجمهوري على ارغام نتنياهو على النزول من عليائه والقبول بوقف الحرب على غزة وبشروط المقاومة؟الاجابة على هذا السؤال سبقت عمليا في توغل القوات الصهيونية في الاراضي السورية ذات الاهمية الاستراتيجية وتدمير المقدرات العسكرية السورية.

بعد اسقاط الدولة والنظام خضعت الجغرافيا السورية لسيطرة الثالوث ( الامريكي- التركي - الصهيوني )، وعلى الرغم من ان اعضاء الثالوث كلهم عمليا اعضاء في الناتو الّا ان امريكا لا يمكن باي حال من الاحوال ان تكون اقرب الى التركي من الكيان الصهيوني، والحلف الصهيو- امريكي يعمل على تحقيق هدفين استراتيجيين في سورية، التقسيم الاثني والطائفي وخلق كيان كردي يمتد من كردستان ( ايران، العراق، جيب قسد في شمال شرق سورية وديار بكر في تركيا ) يمتد حتى شواطئ البحر الابيض المتوسط.، وفي هذا اكبر تهديد للامن القومي التركي.هل ستلجا تركيا الى خلق تحالف مع مصر والسعودية ودول اقليمية اخرى مثل ايران يهدف الى وحدة سورية وسيادتها واجهاض المشروع الكردي حتى لو اضطرت الى الخروج من حلف الناتو؟. لقد علمتنا التجارب السياسية ان السياسة كالرياح تغير وجهتها دون سابقة، وان السياسة فيها بعض الشبه من قواعد وقوانين المرور التي تقول للسائق: (( توقع غير المتوقع ))

م/ زياد ابو الرجا.                                        

المصدر: موقع إضاءات الإخباري