هام.. السلطة الفلسطينية محصلة نهج وسياسة مدروسة
فلسطين
هام.. السلطة الفلسطينية محصلة نهج وسياسة مدروسة
م. زياد أبو الرجا
29 كانون الثاني 2025 , 18:16 م

في احدى الجلسات الاسبوعية لاحد " الجروبات" في الكويت وقبل عملية طوفان الاقصى بسنة تقريبا طرحنا موضوع السلطة الفلسطينية التي تهيمن عليها حركة " فتح"وتناولنا المقدمات التي ادت الى توقيع منظمة التحرير الفلسطينية على اتفاق اوسلو وملحقاته.بعد ذلك طرح الاخ المسؤول عن الجروب سؤالا مهما وقال: (( هل هذا يعني ان ياسر عرفات كان يقوم بتنفيذ مهمة ام هي اخطاء فادحة ))؟.ان الاجابة على هذا السؤال بشكل منطقي وعقلاني واعمال العقل فيما نقدمه من معلومات موثقة ومدونة وبحسب تسلسلها الزمني كفيل بان يوصل المتأني وذو النفس الطويل الى الاستنتاج السليم والدقيق.

١- عقدت حركة " فتح " مؤتمرها الثاني في الزبداني قرب دمشق في ١٢ حزيران/ يونيو ١٩٦٨ ( ويقال في تموز/ يوليو ١٩٦٨ )،الذي برزت فيه الدعوة لاحياء اطار المجلس الثوري المنصوص عليه في ( هيكل البناء الثوري ) لمراقبةعمل اللجنة المركزية العليا، وتم تسمية محمد علي الاعرج( ابو الرائد) امين سر المجلس، وتم في هذا المؤتمر انتخاب لجنة مركزية جديدة من عشرة اعضاء من بينهم محمود عباس( ابو مازن) الذي دخل بصفته هذه في عضوية المجلس الوطني الفلسطيني لاول مرة في عام ١٩٦٨ على قائمة " فتح" ولا يزال.وبدلا من انتخاب عشرة اعضاء تم انتخاب تسعة عكست الخلفية الاسلامية لتشكيلة اللجنة والاعضاء هم : ياسر عرفات، خليل الوزير، صلاح خلف،محمد يوسف النجار، ممدوح صيدم ، محمود عباس، ووليد احمد نمر( ابو علي اياد )، وخالد الحسن وفاروق قدومي( ابو اللطف).وفيما كان عرفات نصيرا للاخوان المسلمين ومتعاونا معهم وان لم يكن عضوا فاعلا،( انظر الملاحظة)فان الخمسة الاخرين كانوا من الاخوان المسلمين، فيما الاثنان الاخران من من حزب التحرير الاسلامي، وفاروق القدومي من حزب البعث.

وقد عمل عرفات على اختيار ابي مازن عضوا في اللجنة المركزية، وقد بقي منذ ذلك الحين ملتصقا بعرفات حيث لم يعرف بسبب غموض انتمائه ان له قواعد داخل التنظيم،فهو لم يكن عضوا في القيادة العامة لقوات العاصفة ولا مسؤولا عسكريا في الميليشيا، ولا يقوم بزيارات منتظمةالى القواعد وليس لديه جهاز مؤثر مثل غيره.

طرح في ذلك الاجتماع مجددا مشروع اقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة الى جانب الكيان الصهيوني، كهدف للحركة ، وقيل وقتذاك ان المشروع كان من اعداد خالد الحسن.

٢- على وقع ظروف هزيمة المقاومة في الاردن، عقدت حركة " فتح" مؤتمرها العام الثالث في مطلع شهر ايلول/ سبتمبر ١٩٧١ في حمورية بغوطة دمشق بمشاركة ١٤٢ عضواتحت شعار (( اسقاط النظام )) في الاردن.وعقد المؤتمر الذي اختتم في السادس من الشهر نفيه في وضع كان ينذر بتمرد على القيادة التي جلبت هزيمة للمقاومة في الاردن، والذي التهبت فيه النقاشات حول اسباب الاحداث الدامية في الاردن والخروج منها، واتهم فيها جهاز الرصد الثوري الذي كان يقوده صلاح خلف ( ابو اياد) بالتقصير واثيرت اتهامات بتعامل بعض قيادات " فتح" وخصوصا الامنية( علي سلامة- ابو حسن) مع وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية( سي اي ايه)عبر رئيس طاقم محللي الشرق الاوسط في محطتها في بيروت، روبرت ايمز، غير ان عرفات وقف مدافعا عن ابي حسن بالقول انه من اعطى الموافقة له لفتح قنوات اتصال خلفية مع الولايات المتحدة عبر ال سي اي ايه بعد اقتناعه بجدوى ذلك. وقد شهد المؤتمر بروز معارضة واضحة لقيادة "فتح" التي حملت مسؤولية الهزيمة في الاردن ، ومن بين المواجهات في هذا الشان ان صلاح خلف برر نداءه للمقاتلين من اذاعة عمان في ايلول/ سبتمبر ١٩٧٠ بوقف القتال بان عمان كانت مطوقة بفرقتين ميكانيكية ومشاة، غير ان كمال عدوان قاطعه قائلا:(( ان صوتك من اذاعة عمان كان بمثابة الفرقة الثالثة)).لكن عرفات نجح بتنفيس المعارضة داخل المؤتمر بالترهيب والرغيب والحركات المسرحية.

٣- انشقاقات الحركة كان عام ١٩٧٢ بحق بداية الازمات التي بدات تعصف بحركة "فتح" بعد الهزيمة التي لحقت بها في الاردن، فقد شهد ازمة تنظيم الحركة في لبنان بعد ان اصبح الساحة المركزية للحركة بعد الخروج من الاردن، اذ تعددت الولاءات وتشعبت المصالح المرتبطة بالقيادات المركزية في الحركة وصراع التكتلات التنظيمية المرتبطة بهذا وذاك من القيادات الاساسية للحركة التي سعت الى تعزيز نفوذها وسيطرتها داخل الحركة.وقد تسبب الخروج من الاردن باعادة توزيع المسؤوليات بين قيادات" فتح" المركزية حيث يصبح ياسر عرفات هو المسؤول المباشر للساحة اللبنانية فيما يتولى خليل الوزير مسؤولية الساحة السورية فيما اوكلت مسؤولية ساحة الاردن الى صلاح خلف الذي وضع مكتب شؤون الاردن في دمشق تحت اشرافه.وقد اعتبر معتمد اقليم لبنان يحي عاشور( حمدان) سعي عرفات تشديد سيطرته في لبنان بانه يمس بشكل مباشر وضعه ومسؤولياته ، الامر الذي تسبب بحدوث ازمة تنظيمية حادة اخذت شكل تمرد مباشر واعتصام في مخيم تل الزعتر وعمليات اعتقال وتصفية.واصدر عرفات منفردا دون موافقة اللجنة المركزية قرارا باعفاء حمدان من مهامه ، فيما قام اعضاء اخرون في اللجنة بتحريض حمدان على التمرد على قرار عرفات،

كما شهد العام نفسه ازمة اقليم " فتح" في سورية حين اقدمت قيادة عرفات على احداث تغييرات شاملة في مكاتب الحركة والتنظيم في سورية، واستهدف القرار ضرب القوى والاتجاهات الديموقراطية والتقدمية في الاقليم مما فجر ازمة تنظيمية حادة، حين رفض هؤلاء تنفيذ القرار بسبب طابعه السياسي الواضح.

من النتائج التي اسفرت عنها هزيمة الاردن ان ضعفت قبضة قيادة عرفات على قوات " فتح" العسكرية والبدء بعملية تجييشلها بسبب انضمام الاف الجنود والضباط من الجيش الاردني الى الفدائيين وجرى تنظيمهم تحت اسم قوات اليرموك حيث تم المحافظة على التشكيلات والرتب نفسها المعمول بها في الجيش الاردني.وقد برزت مجموعة من القوات تدعى قيادة الوحدات الخاصة في حركة " فتح" قادها النقيب محمود السهلي ، اتهمت قادة الحركة (( بالسير جديا في طريق الحلول النهائية)) للقضية الفلسطينية،والتحول عن هدف التحرير، واصدر السهلي بيانا في السابع من اذار/ مارس ١٩٧٢ اعلن فيه انشقاق ( الوحدات الخاصة) بجهازها التنظيمي والعسكري والسياسي في حركة " فتح" وانضمامها الى جبهة التحرير الوطني الفلسطيني ( ج.ت.ف)التي يرأسها حسن الصباريني( ابو حلمي الصباريني)

في شهر تشرين الاول/ اكتوبر من العام نفسه وقعت حركة تمرد للقوات التي كان يقودها مصطفى يوسف الكايد جبارة( ابو يوسف الكايد)في قاعدة " فتح" في منطقة الصرفند بجنوب لبنان ردا على قرار عرفات بوضع ابو يوسف الكايد وقواته( الوحدة ٣٠٢) بامرة عطا الله عطا الله( ابو الزعيم)

٤- سياسة التفريغ والانقسامات شجع توافر الموارد المالية التي ساهم في زيادتها المعونة العربية في تضخيم مؤسسات " فتح" في اماكن وجودها الرئيس وخصوصا في لبنان وتحويلها الى جهاز توظيفي حيث عمد عرفات بعد ان اطمان الى احكام سيرته على المال والقوات وعلى التعيينات بصورة عامة ، الى تشجيع انتشار اجهزة ودوائر موازية في كل مكان تقريبا، وهو ما كان يتطلب تمويلا مركزيا.سياسة التوظيف التي شجعها عرفات اصطلح عليها ب(( التفريغ)) ، ولتتحول الحركة الى مؤسسة للرعاية النفعية الريعية واصبح من يمثل الحركة ليس التنظيم المدني بل المتفرغين حتى المؤتمرات العامة للحركة كان الغالبية العظمى لاعضائها المشاركين من المتفرغين اي الاجهزة الحركية، وكان تنظيم " فتح" المدني مجردا من اي نفوذ، اذ كان على راسه كوادر معينون ويتقاضون رواتب شهريةومعظمهم من خارج لبنان، كما طغت عليه القوات الامنية والميليشيا وتسللت الى صفوفه البيروقراطية ، واسفر ذلك عن سيادة علاقات التبعية والولاء لضمان تدفق الرواتب والمنافع ، التي اصبحت تاتي من جهة واحدة تقريبا هي ياسر عرفات الذي تمكن من تركيز الموارد المالية في يديه.

٥- الانتفاضة مثلما كان الحال عقب هزيمة المقاومة في الاردن حيث تصاعدت الاتهامات بالتقصير والمسؤولية عن الهزيمة لترتفع مطالب كوادر حركة "فتح" بالمحاسبة وانهاء التفرد في اتخاذ القرارات وهشاشة التنظيم وسياسة المساومات التي طبعت سلوكيات ياسر عرفات وغيره من قادة حركة " فتح" .فقد انفجرت المطالبات نفسها ازاء ما حدث في لبنان من هزيمة ومن يتحمل مسؤوليتها رغم الصمود والتضحيات التي قدمها المقاتلون وجماهير الثورة والمقاومة من فلسطينيين ولبنانيين.وتجمعت لدى قادة التيار ( الذي عرف باسم التيار الوطني الديموقراطي في " فتح" )الذي قاد الانتفاضة في " فتح" عام ١٩٨٣ الكثير من الملاحظات السياسية والتنظيمية والعسكرية والمالية التي كانت قيادة عرفات ترفض الاستجابة لها لتصحيح الوضع داخل الحركة.

بداية الازمة ظهر في ادارة مقاومة الاجتياح الصهيوني للبنان عام ١٩٨٢ وحصار بيروت حيث برز خياران: - الرحيل عن بيروت الذي تبناه ياسر عرفات وعدد من اعضاء اللجنة المركزية لحركة " فتح"

- البقاء في بيروت والمزيد من الصمود لتكبيد الجيش الصهيوني مزيدا من الخسائر وكان عضو اللجنة المركزية ل " فتح" والقيادة العامة لقوات العاصفة ، نمر صالح ( ابو صالح ) يدعم هذا الخيار.

تعهدات القيادة الفلسطينية ، ممثلة بياسر عرفات ومجموعته للمبعوث الامريكي فيليب حبيب قبل الخروج من بيروت حددت مصير وامكانيات التعايش بين تياري " فتح" المتصارعين لتاخذ التجاذبات شكلا دراماتيكيا بعد الخروج من بيروت وتوجه ابو صالح الى دمشق فيما توجه عرفات الى تونس تحضيرا للذهاب الى القاهرة للتصالح مع النظام المصري المعزول عربيا بعد معاهدة كامب ديفيد.

شرع عرفات ومجموعته في اتخاذ اجراءات لانهاء مظاهر (( الثورة المسلحة))والاتجاه نحو خيار التسوية السلمية للصراع العربي - الصهيوني، حيث حاول نقل ضباط مناوئين لنهجه الى مناطق بعيدة مثل اليمن حيث وجدت فيها قوات فلسطينية اثر الخروج من بيروت وفي هذا السياق جاء اغتيال عضو اللجنة المركزية لحركة " فتح" سعد صايل (( ابو الوليد)) لمخالفته التعهدات الممنوحة لفليب حبيب وذهابه الى البقاع.

القاىمة تطول في استمرار اليمين الفلسطيني بقيادة ياسر عرفات في طريق التسوية التي محصلتها اتفاق اوسلو والسلطة الفلسطينية .صارت السلطة الفلسطينية مثل ( دجاجة القرقة والفصائل الفلسطينية صيصانها) ترعاهم وحين يبردون يحتمون تحتها فهي الطاعم الكاسي. اعتقد بات يكفي السرد في المقدمات وعلى القارئ ان يصل الى الاجابة عن السؤال هل كان عرفات في مهمة ام مجرد اخطاء؟.الشكر كل الشكر للاخ المناضل محمد سعيد دلبح

الملاحظة: لقد فات الاخ محمد دلبح ان ياسر عرفات تم تنظيمه للاخوان المسلمين عام ١٩٥٥ بواسطة ضابط في الاستخبارات العسكرية المصرية اسمه (( انور غالب)) وهو مصري من مواليد القدس تلقى علومه العسكرية في بريطانياوكان برتبة كابتن

م/زياد ابو الرجا.                                  

المصدر: موقع إضاءات الإخباري