كتب الأستاذ حليم خاتون:
حتى السادس من أكتوبر ٢٠٢٤، كان الكيل قد طفح من الجرائم التي ترتكب بشكل منهجي في الضفة الغربية عموما، وفي الشيخ جراح في القدس الشرقية خصوصا، إضافة الى استمرار الحصار الخانق على قطاع غزة نفسه...
تحول الغضب إلى نقد لاذع لمحور المقاومة عموما، ولحركة حماس خصوصا، وتحديدا للشهيدين يحي السنوار ومحمد الضيف...
كان الاقتناع السائد لدى الجماهير الملتفة حول محور المقاومة أن هذا المحور قد راكم من القوة ما يكفي لشن حرب شاملة دفاعا عن الضفة، ومنعا لمزيد من التهويد في القدس كمىحلة أولى قبل التحرير الكامل...
على الأقل، هذا ما كانت توحي به الأمور...
كان منطق كُتّاب خط المقاومة يقول بوجوب شن هذه الحرب دون تأجيل، وإن انتظار مراكمة المزيد من القوة في محور هذه المقاومة لا يعني أن الكيان لا يراكم هو أيضا مزيدا من القوة، وهذا ما أثبتته مجريات الحرب...
آمن الجميع بأقوال السيد نصرالله حول الردع المتبادل، وحول القدرة على تدمير قلب الكيان وعقله في غوش دان خلال ساعات...
هل بالغ السيد نصرالله بالتقديرات؟
هل اعتقد محور المقاومة أن الغرب لن يهرع لنجدة الكيان؟
ما هي بالضبط مكامن الخلل الذي حصل؟
قد يعتقد البعض إن الوقت ليس ملائما لفتح دفاتر الحرب، وإن الأولوية الآن هي لتطبيق الإتفاقات على جبهتي جنوب لبنان وغزة، خاصة بعض سقوط سوريا وافتضاح أمر أردوغان وانتقاله بشكل كامل إلى المحور الأميركي الاسرائيلي...
خلال سبعة عقود من النضال الفلسطيني تطورت الأمور بشكل واضح جدا إلى وضعية ما حصل اليوم...
أي قارئ جيد لكل الحروب والمعارك التي دارت كان يستطيع رؤية الخطوط العريضة لما سوف يحدث...
سنة ٦٧، خرج جمال عبدالناصر يقول إن إسرائيل لم تكن وحدها في الحرب، وإن الغرب لعب دورا رئيسيا في نكسة حزيران٦٧...
باختصار، فقط السُذّج اعتقدوا أن الغرب لن يساند الكيان بكل القوة الممكنة...
طبعا ليس من السهل الاعتقاد بأنه كان على حزب الله أن يتنبأ بعملية الpagers...
هذه العملية كان مخططا لها بالتعاون مع أجهزة المخابرات الغربية بكل تأكيد؛ فالكيان، رغم كل الدعاية، لم يكن ليمتلك هذه القوة العملاقة لولا وجود العدو داخل منظومة القيادة الوسطى في الناتو التي تضم تركيا وأوروبا، وتتعاون مع أجهزة مخابرات ما يسمى محور الاعتدال العربي من أقصى الخليج شرقا، إلى مملكة محمد السادس في المغرب غربا ومرورا حتى بمصر التي كان السادات قد جعل منها جمهورية موز داخل محور الاعتدال هذا...
تبين أن الكيان بالفعل أوهن من بيت العنكبوت، لكنه يحتاج الى من ليس عنده عقدة العنكبوت (بشار الأسد)، وعقدة الخوف من الإمبريالية التي وصفها قائد الثورة الصينية (ماو تسي تونغ) بنمر من ورق (إيران)...
الخطأ الأساسي فيما حصل يعود الى أمرين:
١-الفساد المالي الذي وصل إلى مستويات معينة داخل حزب الله، سواء في مسألة الpagers، او في مسألة الخروقات البشرية...
٢-التعامل بقلة مسؤولية فيما يخص العلاقة مع البلدان التابعة لمعسكر الناتو (تركيا، اليونان، قبرص) والدور الذي يمكن ان تلعبه ضد محور المقاومة في المنطقة...
بل أن السذاجة، كل السذاجة كانت في الاعتقاد بأن الكيان لن يذهب إلى حدود جرائم الحرب والإبادة رغم التاريخ الطويل الراسخ في جرائم الحرب هذه (من دير ياسين وحولا إلى مدرسة بحر البقر في مصر)...
كل حروب الكيان كانت جرائم حرب متراكمة ومغطاة بشكل كامل من قوى النظام العالمي...
هناك من يهمس بأن يحي السنوار ومحمد الضيف دخلا في الحرب قبل أوانها، وإن خطط المحور كانت تتحدث عن ٢٠٢٥ كسنة ملائمة بعد أن يكون محور المقاومة قد أكمل استعداداته جيدا للحرب... (هذا أكل هوا بكل بساطة)...
هل أخطأت حماس، وإذا كانت قد اخطأت، أين يقع موطن الخطأ؟
طبعا من السذاجة التحدث عن خطط وموعد حرب يقوم بها المحور وكأن الكيان يجلس مسترخيا ينتظر، دون أن يقوم هو نفسه، والمحور الأطلسي الذي يدعمه بالاستعداد أيضا...
كما اعتقدت الجماهير بقدرة المحور على تدمير الكيان وعلى وجود ردع متبادل، كذلك اعتقد يحي السنوار ومحمد الضيف...
هذا لا يعني عدم وجود القدرة التدميرية وقوة الردع عند محور المقاومة... بل تبين لاحقا أن المفقود كان هو القرار...
لا يمكن ردع العدو...بينما يجري الصياح ليلا نهارا بأنك لا تريد الحرب...
حتى حين قام كل الحلف الأطلسي بالدخول المباشر في الحرب، دب الفزع في قلب بشار، وانكفأت إيران إلى الوراء تتحسس رقبتها وتركت بقية المحور وحده في مواجهة منظومة دولية يقودها حلف شمال الأطلسي وعلى رأسه أميركا...
بسبب الحصار والتدمير الممنهج للضفة وحروب "جز العشب" ضد غزة، كان لا بد من فعل شيء...
هل أخطأت حماس عندما قامت بعملية طوفان الأقصى دون إعلام بقية المحور؟
من المرجح، أن حماس كانت ابلغت أكثر من مرة عن نيتها القيام بعمل ما؛ وإن المحور كان يطلب منها دوما التريث لمراكمة مزيد من القوة حتى ملّ فعل التراكم من المراكمة...
إذا يمكن القول أن حماس قامت بالعملية وهي تعتقد أن المحور سوف يضطر للدخول في الحرب وإلا فقد هذا المحور مبرر وجوده ومبرر حديثه الذي لا ينتهي عن مساندة الشعب الفلسطيني في حرب التحرير...
إذا كانت حماس لم تخطئ في المباشرة بعملية طوفان الأقصى، أين الخطأ إذا...
الخطأ المميت الذي ارتكبته حماس في الحقيقة هو التخطيط الضيق الأفق للعملية...
لا يستطيع لاعب الشطرنج لعب كل حركة على حدة وانتظار الخصم قبل لعب الحركة التالية...
لكي يربح لاعب الشطرنج عليه تصور رد الخصم على حركته والتهيوء للعب الحركة التالية وفق أكثر من خطة...
على اللاعب ان يرى مسبقا أكثر من خيار واحد في حركة الخصم...
حماس في طوفان الأقصى كانت لاعب شطرنج يتحرك دون تخطيط شامل...
أدخلت حماس ما يقارب الألف مقاتل إلى غلاف غزة دون توقع ما يمكن أن يحصل والتهيوء للخطوة التالية مهما كان الرد على الطوفان...
من مجريات الأحداث يتبين أن حماس لم تتوقع انهيار فرقة غزة انهيارا تاما؛ لذلك انحصر كل همها في تحقيق هدف العملية المحدودة بالقيام بأسر جنود من العدو من اجل هدف تبييض السجون من الأسرى الفلسطينيين...
لم تكن حماس مهيأة لتطوير العملية بعد نجاحها الأولي كما ظهر لاحقا...
لو ان حماس قامت بتطوير الهجوم عبر إرسال عدة آلاف من المجاهدين مع مهمة خرق الغلاف والوصول إلى الضفة مع كميات من السلاح النوعي...
بل لو ان حماس ارسلت عشرات او مئات الاستشهاديين إلى مستوطنات غلاف غزة لكانت خسائر العدو في الميدان أكبر بكثير من أن يتم تعويضها في تلك الليلة وفي الأيام التي تلت...
قد يقول قائل أن حماس كانت تنتظر دخول محور المقاومة الحرب قبل تطوير هجومها هي...
لكن هذا لا يعفي القائدين من اللوم...
لو كان تم تطوير الهجوم بعد النجاحات الأولى الباهرة، بشكل يسمح بنشر عشرات، وربما ومئات المجموعات في كامل غلاف غزة، وفي كل المستوطنات والمدن، كانت الصورة سوف تتغير حتما إلى الأفضل في كامل الشرق الأوسط...
ما كان ينقص قادة حماس في تلك اللحظة، هو نظرة ثاقبة تقوم بتحويل العملية من مجرد أخذ أسرى من اجل المبادلة إلى حرب تحرير شعبية على طريقة الثورة الصينية، حيث تبدأ رحلة الألف ميل بالخطوة الأولى، والمتر الأول...
التساؤل يبقى؛ هل كان محور المقاومة وتحديدا بشار وإيران سوف يلتزمان بالموقف المخزي ذاته... ام أن تطوير الهجوم من قبل حماس كان سوف يُترك لوحده حتى القضاء التام على غزة...
إذا كان خطأ حماس ينحصر في عدم تطوير الهجوم والذهاب إلى الأبعد كما حصل...
فإن المحور لعب أسوأ الأدوار التي كان يمكن لعبها...
اقتدى حزب الله بإيران في التزام سقف أعلى يقوم على الدفاع السلبي، بدل الهجوم المفاجئ...
لوكانت قوة الرضوان قد دخلت فعلا الى الجليل لكانت الخسائر التي حصلت في صفوفه مبررة بدل أن تذهب مجانا...
ثم ان كل الحديث عن أن ال pagers كان ليحصد عددا أكبر من المجاهدين يظل حديثا افتراضيا يتجاهل من كان سوف يحققه الهجوم من أثر معنوي على جيش الكيان خاصة لو ترافق هذا الدخول مع إدخال آلاف المقاتلين من حماس والجهاد والشعبية إلى الجليل لكي يدافعوا عن أرض اجدادهم حتى الرمق الأخير...
ما قاله الجنرال عمر معربوني عن دخول الناتو وربما حتى طيران عربي في الغارات على حزب الله، وما أكده الكاتب ابراهيم ريحان في مقال في اساس ميديا عن هذا الحلف الدولي الذي هاجم قوى الحزب في لبنان لا يعفي المقاومة من مسؤولية التردد في شن حرب استباقية كان من شبه المؤكد أن تعطب الكيان لعشرات من السنين في أقل تقدير...
تستطيع غزة التغني بالانتصار...
يستطيع حزب الله المجاهرة فخرا بالصمود الأسطوري...
وهذا بحد ذاته سابقة مهمة في تاريخ الصراع ضد الاستعمار والإمبريالية...
لكن من المؤكد أيضا أن حركة المقاومة العربية الإسلامية قد خسرت لحظة تاريخية كان يمكن أن تشكل فارقا يؤدي حتما إلى زوال الكيان وحتى إلى إضعاف المحور الامبريالي...
ما حدث افقد المقاومة فرصة ذهبية...
في أسوأ الأحوال، كان يجب الذهاب إلى الحدود القصوى في المواجهة عبر التسبب بوقوع الهيكل على رؤوس الجميع...
هذا هو الرد الطبيعي على التفوق الغربي في القوة النارية...



