كتب الأستاذ حليم خاتون:
"هناك شعبان مختاران: أميركا وإسرائيل"،
هذا ما صرحت به إحدى أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من الحزب الجمهوري؛ من المحافظين الجدد؛ من المسيحية الصهيونية تحديدا بعد بضعة أسابيع على انطلاق عملية "طوفان الأقصى"...
تبين أن كل عمل أجهزة المخابرات الغربية وكل التكنولوجيا في الدولة العميقة قد سُخٍرت للنيل من كل أطراف محور المقاومة بشكل عام؛ لكن التركيز حدث على رأس حربة هذا المحور، والنواة الصلبة فيه، حزب الله...
من الظلم القول أن حزب الله نام على حرير بعد انتصار المقاومة الإسلامية في حرب تموز ٢٠٠٦؛ لكن الحقيقة أن حزب الله لم يقرأ جيدا الكثير من الأحداث والعمليات...
ردُّ حزب الله على اغتيال قائد أركانه عماد مغنية في الشام كان أقل بكثير من المستوى على الصعيد التكتيكي، تماما كما كان ردُّ إيران على اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني...
يوجد هناك تخطيط وفق وهم الانتصار بالستراتيجيا بغض النظر عن التكتيك، وقد رافق هذا الوهم حزب الله طيلة حرب الإسناد...
هذا الوهم هو ما أدى الى الخسائر الضخمة التي لحقت بالمقاومة في الحرب الأخيرة...
حتى اليوم، لا يزال الغموض يلتبس ما حصل في عملية تفجير بيونس أيريس في الأرجنتين...
هل كان هذا التفجير هو الرد فعلا على اغتيال القائد مغنية...؟
خاصة بعد تكرار الأمر في بلغاريا، وفي آسيا الوسطى حيث تعاظم النفوذ الأميركي/الإسرائيلي على حساب روسيا!...
اذا كان هذا هو الرد، فإن الرد لم يكن على المستوى المفروض...
أما إذا كان الرد ما صرح به السيد الشهيد بأن الحساب بات مفتوحا، فإن اي دفعات على هذا الحساب المفتوح لم تحصل على الأرض، وإنما في خطط حرب قادمة احتاجت الى قرار حين لم يُتخذ القرار بكل أسف...
هنا من الجدير ربما التركيز على ما يقوله معظم الاستراتيحيين:
طيبة قلب السيد الشهيد نصرالله منعته من اتخاذ قرارات كان من شأنها إشعال كل الشرق الأوسط والعالم...
خوف السيد وحرصه على الملايين التي سوف تُفنى بالتأكيد، منعه من اتخاذ قرار كان لا بد منه...
كان هذا القرار سوف يغير وجه العالم بشكل جذري حتما؛ بشكل لا يتوافق مع الغرب وأمريكا...
الحياة وقفة عز احتاجت الى قرار لم يُتخذ
أما إذا كان الرد تراكم القوة حتى وصلنا إلى معادلة ردع جبارة، فإن هذه المعادلة سقطت بالضربة القاضية أثناء حرب الإسناد حين تحول الصبر الاستراتيجي إلى غباء استراتيجي لم يتعلم من الخامس من حزيران يونيو وتجربة جمال عبد الناصر ٦٧...
لكي لا نطيل فترات الندب والبكاء والعويل بسبب مصيبة كنا نحن السبب فيها بسبب ذهابنا إلى حرب، خطوة إلى الأمام، وخطوتان إلى الوراء؛ نكتفي باستعراض معظم ما حدث، ومعظم ما سوف يحدث...
لقد وضع السابع من أكتوبر الكيان الإسرائيلي في أزمة وجودية حادة...
فقَدَ العدو رشده لأكثر من عشر ساعات قبل تدفق الزعامات الغربية والدعم الغربي من كل الأصناف والأنواع لرفع معنويات الصهاينة بعد ان رأوا بام العين نهاية الكيان...
إلى ماذا انتهى الوضع حتى الآن على الأقل؟
في سبيل الكيان تم تغيير معادلات دولية...
ما يقوم به ترامب بدأه بايدن بشكل من الأشكال...
كان يجب اختراق المحور من أكثر من ناحية...
إذا كان الخرق الذي حصل في حزب الله بهذه الخطورة فإن الخرق الحقيقي حصل على جبهتين مهمتين في مكان اخر تماما...
انتقل مستشار نتنياهو للشؤون الأمنية إلى موسكو أولا، ثم إلى أنقرة قبيل شن الحرب الفعلية المباشرة على لبنان...
مر الخبر بشبه صمت وكأن الزيارتين روتينيتان...
كان يجب التأكد من أن الهجوم على لبنان سوف يُستتبع بعملية شاملة تضمن رضوخ إيران للأمر الواقع، وهذا ما حصل فعلا...
مَن يمكن أن يؤمن هذا الأمر اكثر من روسيا وتركيا؟
هنا بدأ البيع والشراء...
وُضعت أوكرانيا على الطاولة الروسية، كما وُضع حزب العمال الكردستاني على الطاولة أمام أنقرة...
أوكرانيا مقابل سوريا مع ضمان نهاية زيلينسكي وخروج روسي من الوحول الأوكرانية مع صورة انتصار...
كل حديث عن خسارة روسية في سوريا لا يأخذ بعين الاعتبار الأهمية الاستراتيجية لأوكرانيا بالنسبة لروسيا...
روسيا سوف تحتفظ بكل ما ضمته من مقاطعات أوكرانية تؤمن لها سيطرة شبه مطلقة على البحر الأسود...
كما سوف تخرج روسيا مجددا قوة عظمى فوق إقليمية بالنسبة إلى المحيط الأوروبي خاصة في بحر البلطيق...
كل ما على روسيا التكفل به هو كبح جماح إيران في حال فكر احد ما في طهران باشعال حرب كبرى...
أما في أنقرة، فقد تم تسليم تركيا حرية الحركة في الشمال والشمال الغربي من سوريا وربما الاحتفاظ بهذه الأجزاء وضمها لاحقا الى الدولة التركية كما ضُمت الإسكندرون مع تعهد بإنهاء الورقة الكردية...
هذا ما ظهر جليا في دعوة عبدالله أوجلان الى الاكراد برمي السلاح والاكتفاء بالنضال السلمي من اجل حقوق سوف تُبحث عناوينها في مفاوضات سيكون الاكراد فيها من دون أسنان...
على تركيا فقط البدء بهجوم "موتوسيكلات" استعراضي مع بضعة مُسيّرات على حلب ثم حمص فدمشق؛ في الوقت الذي تعمل فيه روسيا عل إسقاط نظام بشار الأسد لقطع التواصل الجغرافي بين حزب الله والعراق وإيران..
يمكن القول إنه إكراما لعيون إسرائيل اقدم الكيان مدعوما ومسنودا من أميركا والأوروبيين الأغبياء بإنهاء القضية الأوكرانية ومعها القضية الكردية...
يمكن زيادة على ذلك التأكيد أن الرابح الأكبر من كل ما حصل وما يحصل هو الكيان الصهيوني الذي خرج من دائرة الخطر والذي سوف يعمل بكل قوة على إنهاء القضية الفلسطينية وربما البدء فعليا بتنفيذ مشروع اسرائيل الكبرى...
الرابحان الآخران في ما هما روسيا وتركيا بكل تأكيد...
في المقابل يمكن التأكيد أن الخاسرون الفعليون هم:
القضية الفلسطينية؛
القضية الأوكرانية؛
والقضية الكردية...
في حين ركض الأوروبيون ورقصوا فرحا للتخلص من النظام السوري ومن حزب الله؛ إلا أن الغباء الأوروبي الموصوف لم ير، ولا يرى حتى اليوم أن هذه الصفقة أطاحت بأوكرانيا كليا تقريبا، وأعطت الروس تفوقا نوعيا سوف يسجل عليهم هم الأوروبيين، وربما يصل حتما الى اجتياح مناطق أخرى من أوروبا الوسطى والسيطرة بالنفود مجددا على كل دول بحر البلطيق...
أما العرب!!!
فقد ثبت بالوجه الشرعي انهم ليسوا أمة الخير التي تحدث عنها القرآن...
بل صار يوجد شك فعلي أن كل تلك الشعوب الجاهلة الغبية التي تتكلم بلغة الضداد تشكل أمة بالمعنى العلمي للكلمة...
فلا الحكام يساوون شيئا في ميزان السيادة والعزة والكرامة؛
ولا حتى الشعوب التي تُركت بلا أحزاب طليعية، وأُطلق في ثناياها كل انواع العصبية الجاهلية والمذهبية والطائفية وصار صعلوك تكفيري مشكوك في أصوله رئيسا على ما تبقى من سوريا التي تحول معظم شعبها من شبيحة نظام الأسد إلى شبيحة نظام التكفير على القريب، والخضوع الذليل لإسرائيل في صيغة جديدة من صِيَغ عبيد السبت...
هذا هو الشرق الأوسط الجديد الذي يتكرس كل يوم بعد استشهاد نصرالله وصفي الدين والسنوار والضيف...
إلى أن يخرج من يقلب الطاولة، دخل العرب عصر الانحطاط الجديد بصورة ليست بعيدة عما حصل مع أمراء الأمويين في اسبانيا ونهاية حضارة الأندلس...
كل شيء يسير على حساب العنصر العربي لأن العنصر الفارسي لا يزال يحتفظ بقدر من القوة والأهمية التي سوف تفرض على يالطا الجديدة وجود إيران دولة إقليمية ذات نفوذ لا يتعدى العراق ولكن باتجاه آسيا الوسطى...
فوق كل هؤلاء، يتربع نبي إسرائيل الجديد الذي يخدمه كل الغوييم من أجناس وأعراق مختلفة...


