شراهة ترامب و خياله
مقالات
شراهة ترامب و خياله
علي وطفي
5 آذار 2025 , 13:54 م


خلال رئاسة ترامب الأولى ، ابتكر الفنان الإيطالي" فابريزيو جالي" تمثالا من الورق المطبوخ بطول 20 مترا و منصة للكرنفال في مدينة "فياريجيو" يصور ترامب و هو يرتدي لباس إمبراطور الإله الخيالي للبشرية بدرع ذهبي و سيفاّ في يده و يشير إلى أهداف ترامب المتمثلة في استعمار المريخ (في ولايته الأولى و إنشاء قوة الفضاء الأمريكية ، قال "جالي"إن السياسة تخلت عن الفكر لصالح "الخيال" و "الحياة الافتراضية"." و السيف كرمز لترامب" في محاولة لتدمير البلدان بالاقتصاد بدلا من الصواريخ النووية."لكن الآن ترامب في الولاية الثانية بدأ يستخدم ليس فقط الحرب الاقتصادية لحكم العالم  من خلال إنشاء " قبة حديدية ( الآن ذهبية) لأمريكا" و يقود الولايات المتحدة إلى سباق تسلح مفتوح و عسكرة الفضاء الخارجي لذلك أتى "بإيلون ماسك" الى البيت الابيض إنه ينفذ مشروع  مثله الأعلى " رونالد ريغان " على الرغم من أن التمثال كان يقصد به انتقاد ترامب ، إلا أن العديد من أنصاره قبلوه بحماس.الحقيقة هي أن بداية رئاسة ترامب الثانية تتوافق تماما مع الرموز التي وضعها النحات "فابريزيو جالي" فإن ترامب يرغب في السيطرة على البنتاغون 21 فبراير 2025 ،   دونالد "ترامب" قام بخطوات حاسمة لتجنب تكرار أحداث ولايته الأولى عندما اشتبك مع كبار القادة العسكريين و طرد الجنرالات الكبار و آخرين لضمان خضوع البنتاغون بالكامل لقراراته ، تم إقالة رئيس هيئة تشارلز " سي كيو براون"و كبير ضباط البحرية الأمريكية رئيس العمليات البحرية الأدميرال" ليزا فرانشيتي" كما أعلن وزير دفاع ترامب"بيت هيغسيث" أنه يبحث عن مرشحين كي يتم تعينيهم مكان القادة العسكريين البارزين في القوات الجوية و الجيش و البحرية الذين يوقعون على شرعية العمليات العسكرية الأمريكية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ، و هذا صلاحياته قام بإقالة براون ، و هو أسود و " فرانشيتي" التي كانت أول امرأة تقود البحرية ، أوضح ترامب أن الولاء غير المشروط سيكون مطلبا رئيسيا لهذه المناصب بدلا من تزويد الرئيس بإستشارات عسكرية بغض النظر عن السياسة الداخلية الأمريكية.كما معروف عن ترامب انه مهووسا بالجيش الأمريكي ،و منذ سن مبكرة التحق بمدرسة داخلية بنظام عسكري في مدينة نيويورك و كان أحد أبطاله الجنرال "جورج باتون" ، القائد الميداني في الحرب العالمية الثانية.عندما تولى ترامب منصبه في فترة ولايته الأولى ، سرعان ما أحاط نفسه بكبار الجنرالات ،فأصبح الجنرال المتقاعد "جون كيلي" ثاني رئيس أركان له و الجنرال المتقاعد"جيمس ماتيس"أول وزير دفاع له ،و القائم بأعمال اللفتنانت جنرال " ماكماستر" ثاني مستشار للأمن القومي.
يستمتع ترامب بالحديث عن" الجنرالات "مثل" الكلب المجنون " ماتيس"، كما استمتع بشكل صبياني بالجوانب الاحتفالية لكونه القائد الأعلى للقوات المسلحة ، اندهش ترامب من المعرض الفرنسي للمعدات العسكرية الذي شاهده في احتفالات يوم " الباستيل" في باريس في 14حزيران 2016 فأمر البنتاغون بتقديم عرض مماثل لخطابه "تحية لأمريكا"في يوم الاستقلال في 4 يوليو 2019 ، ولم يخيب الجنرالات  اكله وخلال خطابه  قدم " ترامب" وصفا مفصلا لرحلة طائرات سلاح الجو الأمريكي الحديثة التي كانت تحلق في سماء المنطقة ، معلنا:" قريبا سترى طائرة "إف-22 رابتور" الجديدة الجميلة و" قاذفة الشبح الرائعة من طراز بي-2."مع ذلك ، توترت علاقات ترامب الودية مع جنرالاته بمرور الوقت، لأن "كيلي،" ماتيس" و" ماكماستر" كلٍ على طريقته لم يرغبوا في تلبية رغبات ترامب ، "ماكماستر " الذي دعا إلى ااستمرار  البقاء في أفغانستان و توسيع وجود القوات الأمريكية هناك بينما أراد ترامب مغادرة أفغانستان و بعد الإطاحة " بمكماستر" بعد أكثر من عام أذن ترامب لفريقه ببدء مفاوضات مع طالبان بشأن الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من أفغانستان.
من جانبه كان " ماتيس" قلقا من أن يبدأ ترامب الحرب العالمية الثالثة و جاء  خطاب  ترامب في عام 2017 ضد الديكتاتور الكوري الشمالي "كيم جونغ أون" مسلح  بأسلحة نووية ، حينها  قام "ماتيس" ببطء بعملية تخفيض حدة التوتر  بتقديم خيارات عسكرية متدحرجة ضد كوريا الشمالية كما  تباطأ "ماتيس" بتقديم خيارات عسكرية لأي صراع محتمل مع إيران و أصر على أن القوات الأمريكية يجب أن تبقى في سوريا بعد هزيمة داعش لدعم القوات الانفصالية الكردية ومنع قف  توسع الجيش التركي و ميليشياته  في 19 ديسمبر 2018 غرد " ترامب "عن أمره بسحب جميع القوات الأمريكية من سوريا، في اليوم التالي التقى "ماتيس" "ترامب" في المكتب البيضاوي و حاول إقناع الرئيس بالتراجع عن قراره ، لذلك استقال "ماتيس" و لكن المفارقة بقيت القوات الامريكية  في سورية! اما "كيلي" رئيس أركان ترامب تمكن من منعه خلال فترة حكمه ، على سبيل المثال من قرار وعملية  انسحاب ترامب المفاجئ للقوات الأمريكية من أفغانستان أو الانسحاب من الناتو  لذلك توترت علاقته مع  "كيلي" أيضا ، و غادر الأخير البيت الأبيض في ديسمبر 2018 كما حلت قطيعة  بين ترامب و العديد من الجنرالات الأمريكيين خلال الاحتجاجات التي اندلعت في جميع أنحاء البلاد بسبب  مقتل "جورج فلويد " في 25 مايو 2020 و هاجمت الشرطة مع قوات الاحتياط التابعة للحرس الوطني المتظاهرين السلميين بالقرب من كنيسة القديس يوحنا في الكنيسة ، عقد ترامب الكتاب المقدس أمام الكاميرات.صرح وزير دفاع ترامب آنذاك  "مارك إسبر'" ، و هو ضابط سابق في الجيش الأمريكي حل مكان "ماتيس" ، علنا أنه لن يدعم استخدام القوات الأمريكية النشطة لقمع الاحتجاجات ، و هو ما هدد به ترامب مؤخرا وتم طرد "إسبر"بعد ستة أشهر.حدث تباعد آخر مع البنتاغون بعد أعمال الشغب في مبنى الكابيتول الأمريكي في 6 يناير 2021. وعندما اتصل رئيس هيئة الأركان المشتركة ، الجنرال "مارك ميلي" بنظيره الصيني ليؤكد له أنه لا يوجد احتمال شن الولايات المتحدة هجوما عسكريا على الصين  اعقب ذلك على تويتر ، اقترح ترامب إعدام "ميلي" لمحادثته مع الجنرال الصيني.
أدت اشتباكات ترامب السابقة مع قادة البنتاغون في الولاية الأولى إلى جعل ترامب يحاول السيطرة الكاملة على وزارة الدفاع من ولايته الأولى ، عندما عين ترامب الموالي المتطرف" كيش باتيل" في منصب رئيس الأركان المؤثر في البنتاغون وفي ولايته الثانية  صوت مجلس الشيوخ لصالح " باتيل" ليصبح المدير الجديد لمكتب التحقيقات الفيدرالي.لا يتوقع ترامب أكثر من مستوى ولاء "باتيل" من جنرالاته و كبار مسؤولي البنتاغون من المرجح أن يكون إخراج ستة من كبار الضباط العسكريين مجرد فاتح للشهية ، حيث يسعى "هيغسيث" الآن إلى خفض عشرات المليارات من الدولارات في وزارته ، و من المرجح أن يخسر عددا كبيرا من الموظفين يرى البعض التعديل الوزاري للبنتاغون على أنه رغبة في المزيد من الإجراءات السرية والتحكم.يشير اختيار ترامب غير التقليدي لمنصب رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية إلى أن لديه خبرة واسعة في إجراء العمليات الخاصة ، قد يعني انتخاب "جون دانيال" كين لمنصب رئيس هيئة الأركان المشتركة تركيزا جديدا على الحرب غير النظامية و العمليات السرية ، مما سيسمح باتخاذ إجراءات أسرع مع قيود قانونية أقل و إشراف أقل من الكونغرس ، كما يقول مسؤولون عسكريون سابقون و كبار في وزارة الدفاع الذين عملوا في مجتمع الاستخبارات و العمليات الخاصة و وزارة الدفاع و البيت الأبيض.
يتم التحقق من سلطة الرئيس في استخدام القوة العسكرية وفقا للمادة 50 من قانون الولايات المتحدة و التي تتطلب من الرئيس التنفيذي إخطار الكونغرس في غضون 48 ساعة من إرسال القوات إلى المعركة إذا استمر هذا الوجود لأكثر من 60 يوما يجب على الكونغرس تفويض الوجود  على الأقل من الناحية الفنية نادرا ما حدث هذا في العقود الأخيرةو المادة 50 تضيق أيضا نطاق إشراف الكونغرس على المهام السرية. في الظروف" العادية "حيث يجب إخطار لجان المخابرات بمجلسي النواب و الشيوخ مسبقا في الظروف "الاستثنائية" ، يحتاج الرئيس فقط إلى إخطار ما يسمى بـ" عصابة الثمانية " —قادة مجلسي الكونغرس والشيوخ  ، و كذلك رؤساء و كبار أعضاء لجنتي الاستخبارات و في بعض الظروف لا يحتاج إلى القيام بذلك مقدما.علاوة على ذلك ، يعين ترامب منفذي الحرب السرية في المناصب الرئيسية و تشمل القائمة مستشار الأمن القومي "مايك والتز" ، و هو  كان أيضا مستشارا لمكافحة الإرهاب لنائب الرئيس السابق" ديك تشيني" آخر هو "رون جونسون" ، و هو مسؤول سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في مجال العلوم و التكنولوجيا في قيادة العمليات الخاصة الأمريكية و الذي ينتظر تأكيده سفير "لترامب" في المكسيك.
يعيد ترامب تشكيل العالم بكل الطرق من  خلال مفهومي الحرب و "السلام", إذا العالم بانتظار  تنفيذ (عقيدة)"ترامب"  و من لا يتوافق معها لن يكون له رأي في إعادة بناء العالم "و على ما يبدو أن النظام العالمي القديم قد انتهى ، و على بقية القوى العالمية فيه الاسراع في تنظيم أنفسهم لخطة مضادة  و هي اللغة التي يمكن ان توقف ترامب، خلال الإدارة الأولى لدونالد ترامب لم يأخذه الكثيرون على محمل الجد و اليوم  أول ضحايا العقيدة الجديدة كان  "زيلينسكي" و القادة الأوروبيين كما ان القرارات و الأوامر التنفيذية الأولى لترامب  يمكن وصفها ب"الصدمة و الرهبة"، كما لو كانت مجرد إشارة و خطته لغزة يجب أن تؤخذ  على محمل الجد ، عندما تم اقتراحها على السيناتور الديمقراطي "آندي كيم"و قال لبوليتيكو:" أفهم أن هناك من  يبذل قصارى جهده لمحاولة التخفيف من بعض عواقب هذه التصريحات" لكن ترامب هو "القائد العام  لأقوى جيش في العالم."إذا لم أتمكن من أخذ كلمات رئيس الولايات المتحدة على أنها تعني شيئا ما حقا ، فأنا لا أعرف ما يجب التفكير فيه عندما يتعلق الأمر بأمننا القومي."
لكن عقيدة ترامب آخذة في الظهور ، بشكل أكثر حدة ، في السياسة الخارجية لديها ميزات واضحة ، و ملامح ، و نوع من نظرية الصراع الموحد ، تبين ان  من عقيدة ترامب هي كمية و فائدة التمويل ، أو تقليص السياسة إلى مقدار تكلفة الأشياء ، و ما هي العوائد  منه.؟ و يرى ترامب أن المساعدات المالية لم تجلب أي شيء ملموس للولايات المتحدة لذلك يمكن إيقافها و عقد  نوع من الصفقات العقارية من الحرب في غزة و في أوكرانيا ، فإن تقديم ما يقرب من أربعة أضعاف تكلفة المساعدات الأمريكية  من الموارد  المعدنية يشبه سرقة شركة من قبل مدير استثمار جديد يحاول استرداد الأموال التي دفعها أسلافه و من عقيدة ترامب رفض مفاهيم "القوة الناعمة"  شيء ينظر إليه على أنه مكلف ، مع فوائد مشكوك فيها مجردة و لا يمكن قياسها بالكم في حين أن البعض الآخر يتغذى على موارد الولايات المتحدة. مما سبق يعطي انطباعاً ان ترامب ، شخصية غير متماسكة ، نرجسية و جاهلة ربما مما يضع  القادة الآخرين و خاصة في أوروبا في وضع تم فيه تدمير اتفاقياتهم التاريخية و تفاهمهم المتبادل مع الولايات المتحدة و هي الآن مجرد دول تابعة و ليس لها ان تقرر شيئاً مثال : اي اتفاق بين فلاديمير بوتين و ترامب في ٱوكراينا بل أمامها خيار واحد  الانضمام إلى ترامب في إنهاء الحرب بشروطه.في حين أن الأوروبيين غاضبون ، فإن خطة ترامب لأوكرانيا يتم تطويرها ليس فقط بعيدا عن أوروبا في واشنطن و لكن أيضا في الشرق الأوسط في مراكز جديدة للقوى الوساطة في تلك الحرب و هذه القوى  تقوم في إعادة التفكير في علاقاتها مع الولايات المتحدة و ليس لديهم أوهام حول العالم الناشئ بأنه يتوجب عليها البحث عن طريقة للخروج من تحت التاثير الامريكي الكبير و البحث عن شركاء و تحالفات مناهضة لإرادة ترامب، كلما  زاد احتمال ألا  يمضي هذا العالم الجديد بالكامل وفقا لشروط و عقيدة  ترامب و من ورائه.ببساطة العقيدة الترامبية  :«هو عمليا زعيم القراصنة والعالم بالنسبة له مجرد "جزيرة الكنز"و من منا لم يشاهد الفيلم الكرتوني في طفولته؟.»

المصدر: موقع إضاءات الإخباري