الله وحده الذي ينفرد بالوحدانية ولا يقبل الشراكة والشرك.وذكر لنا قوله: (( ان الله لا يغفر ان يُشْرَكَ به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )).لكن الانسان الفرد غير موجود بمفرده في الواقع فالانسان لم يوجد قط في غير مجتمع، والمجتمع هو الامتداد الافقي لانتشار الناس من الفرد الى الجماعة.لذلك عرَّفَ علماء الاجتماع الانسان بانه (( اجتماعي بالطبع )) بالاضافة الى تميزه عن الحيوانات (( بانه حيوان ناطق )).في المجتمع يحمل كل فرد حاجته ومشاكله معه ويبدا بالبحث عن الحلول من خلال المجتمع.فتتعدد المشكلات والحلول في حركة جدلية تتجه من الجزء الى الكل،ومن الخاص الى العام وتمتد الى المستقبل.ثم يتطور المجتمع عندما يبدأ بصنع تاريخه ويحقق حريته خلال صراعه مع ظروفه وتفاعله مع الطبيعة والمجتمع والتي تشكل احد اركان تاريخه وثقافته.
عندما نتكلم عن الوطن العربي والامة العربية فاننا نعني بقولنا ان هذا مجتمعنا وهذه ارضنا وهذا تاريخنا وهذه ظروفنا التي تحدد مصيرنا ككل لانها مصدر عناصر وخصائص امتنا.كانت ولا تزال الثقافة العربية والحضارة العربية الاسلامية احد اهم العناصر وليست الوحيدة التي تشكل بناء الامة العربية.هناك الموروث الثقافي ما قبل الاسلام الذي يتم تجاهله والتنكر له على اهميته. كونه الحلقة الرئيسية التي اتصل بها العصر الاسلامي الذي افرز الثقافة العربية الاسلامية المتصل حتما في الحلقة التي تليه وهي المستقبل العربي الذي لن يتحقق حتما الا في الامة القومية.
ان فشلنا في تحقيق الوحدة القومية يعود الى تبني النخب الفكرية والثقافية لاحد عناصر تشكلها والتجاهل للعناصر الاخرى .فمنذ سقوط الامبراطورية العثمانية وحتى الان عجزت الانظمة العربية والنخب الفكرية عن الجمع بين كل العناصر التي بدونها لا يمكن انجاز مشروع الوحدة القومية والتحرر.فما هي هذه العناصر؟
يرى علماء الاجتماع نظرياوفلسفيا وبنوا على ذلك من خلال التجربة العملية التي قامت عليها القوميات الاوروبيةبدل انظمة الاقطاع.تتلخص هذه العناصر في:
اولا: اللغة، فكل شراح القومية يتفقون على ان اللغة هي اولى هذه الخصائص.فالعائلة البشرية القومية - اي الامة- يجب قبل كل شيء ان تتكلم وتتفاهم فيما بينها دون ما وسيط ودون ما ترجمان.يلجا اعداء الامة العربية وقصار الوعي العرب الى اتهامها بانها ليست لغة العصر وانها لا تتفاعل مع العلوم الحديثة وفي واقع الحال هو عجز العرب عن ذلك بدليل ان كل المناهج العلمية في المدارس والجامعات في الجمهورية العربية السورية تم تعريبها بنجاح منقطع النظير.
ثانيا : لا تتكون الامة الواحدة الا اذا كانت عائلتها البشرية متعايشة معا في ارض لمدة طويلة من الزمن وكانت فاعلة ومتفاعلة بعضها مع بعض في هذه المدة.من هنا كان المشروع الاستعماري الاستيطاني في فلسطين واتفاقية سايكس- بيكو وما سبقها من احتلال القوى الاستعمارية البريطانية والفرنسية والاسبانية والايطالية للشمال الافريقي لنهب خيراتها وقطع الطريق على تواصل وتفاعل المجتمعات العربيةمع بعضها البعض.قامت الانظمة الحاكمة بتطوير القطع والعزل حتى صار القطر العربي الواحد يدخله مواطنو الدول الاستعمارية بدون تاشيرة بينما المواطن العربي بحاجة الى تاشيرة مشروطة بموافقة اجهزة المخابرات( حرام على بلابله الدوح حلال على الطير من كل جنس ).
ثالثا : القومية الواحدة لا تتكون من مجموعات بشرية ذات تاريخ مختلف، ولكل منها هدف مصيري مختلف.ان التاريخ، اذا لم يكن قد ربط هذه المجموعات بعضها مع بعض بحياة مشتركة او بحروب مشتركة ضد عدو مشترك، او بمواجهة احداث ما طرأت عليها مشتركة، وجابهتها مجابهة مشتركة، فلا يعقل ان تؤلف قومية واحدة متماسكة.من هنا عملت قوى الاستعمار وما زالت وستبقى تعمل على ان يكون لكل نظام عربي سياسة منفردة.لقد ادرك هنري كيسنجر خطورة العمل العربي المشترك في حرب تشرين ١٩٧٣ وقال مقولته المشهورة : (( يجب ان لا يحدث هذا مرة اخرى )).حتى في حالات الاستسلام للعدو يجب ان يكون استسلاما منفردا.وهذا ما حصل مع الرئيس المصري انور السادات حين اراد ان يشمل الضفة الغربية وقطاع غزة الذي كان تحت الادارة المصرية في محادثات السلام التي افضت الى اتفاقية كامب ديفيد .وكان قد قطع عهدا لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية انذاك ياسر عرفات.
رابعا : لا يكفي المجموعة البشرية لكي تشكل قومية واحدة ان تكون لها لغة مشتركة وتاريخ مشترك وارض مشتركة بل يجب ان يجمع بينها مصالح مادية مشتركة عمادها الاقتصاد والتجارة البينية بين اقطارها.تحرص القوى الاستعمارية على اجهاض المشاريع التي تسرع في النقل مثل الربط عبر شبكات السكك الحديدية الحديثة والسريعة والتسهيلات الجمركية وحرية الحركة للايدي العاملة العربية بدل الاعتماد على العمالة الاجنبية التي صارت مصدر تهديد ثقافي وديموغرافي في دول النفط الغنية.
خامسا : لكي تكون مجموعة بشرية ما قومية واحدة يجب ان يكون بين اجزائها تجانس في العقلية الروحية والنظرة العامة الى الكون، اي ان تكون خصائصها الروحية والمادية قابلة لتحقيق التفاعل بين اجزائها.يعني في حال وجود عادات وتقاليد مختلفة بين اجزاء المجموعة،لا يكون في هذه الاختلافات ما يشكل سببا للتباغض والقطيعة فيما بينها، ولا يكون منها اثر تخريبي في العقلية القومية .فالتفاهم الروحي والنفسي هو شرط من شروط القومية. وما هو العامل الرئيسي في التفاهم الروحي والنفسي؟ انه الثقافة القومية الوطنية.
ان الوطن العربي هو مهبط الانبياء والرسل، منه انتشرت المسيحية تبشر الناس بالخلاص متجاوزة الحدود الجغرافية والفوارق العرقية وضد العنصرية على اساس اللون .كذلك الاسلام انتشر في كل اركان المعمورةداعيا الى المساواة على اساس التقوى .في قلب العربي المسلم مسيحية وفي قلب العربي المسيحي اسلام.ولتفتيت وحدتنا القومية عملت القوى الاستعمارية على ضرب هذا الارث الحضاري واوغلت في شقه الاسلامي لكي يحترب على اسس مذهبية وطائفية.
هذه العناصر او الخصائص الخمس لا يستغنى عن وجودها مجتمعة غير منقوصة لتكوين القومية .فالقومية عقد اجتماعي في شعب له لغة مشتركة وجغرافية مشتركة وتاريخ مشترك ومصلحة اقتصادية مشتركة وثقافة نفسية مشتركة وهذا العقد يجب ان تكون فيه هذه المقومات مجتمعة.
ان كل من يتخذ موقفا طائفيا او مذهبيا او عنصريا سواء كان فردا او تنظيما او حزبا فهو عدو لنفسه وللعروبة والاسلام والقومية وهو ضد الحرية والتحرير بصرف النظر عن الشعارات البراقة .
فلنكن وطنيين وقوميين في الاداء والحراك وعبادا مسيحيين ومسلمين ( سنيين وشيعيين) في التقرب الى الواحد الاحد
فهل نحن فاعلون؟
مهندس/ زياد ابو الرجا.



