كتب الأستاذ فراس ياغي
*لا وقت مع نتنياهو، كل شيء يسير في إتجاهات بمجملها مرعبة وكلها تشي بقرب نهايته، لذلك عليه أن يأخذ قرارات دراماتيكية يحاول من خلالها إعادة ضبط البوصلة الداخلية*
*الميزانية والحشد في الكنيست الذي أعلنته المعارضة يجبر نتنياهو على اتخاذ خيارات صعبة، هو بحاجة ماسة لأعضاء الكنيست الثلاث من "أغودات يسرائيل" المشكلين مع "ديغل هتوراة" تكتل "يهود هتوراة"، الحسيديم الثلاثة المتطرفين الذين يتزعمهم الوزير "جولدكنوبف" يرفضون حتى الآن التصويت لصالح الميزانية إلا بحل مشكلة قانون "التجنيد- إعفاء الحريديم"، لذلك هو بحاجة لبديل، وهذا البديل هو حزب "عوتسما يهوديت"، حزب بن غفير الذي غادر حكومة اليمين، ولأجل عودته فلا بد من عودة القتال على غزة، وإعتماد خطة التهجير المعلنة من زعيم العصابة الأكبر "ترمب" كهدف من أهداف الحرب، وإلى جانب ذلك لا بد من أخذ قرارات شجاعة بإقالة المستشارة القضائية للحكومة "غالي باهاراف ميارة"، وإقالة زعماء المنظومة العسكرية والأمنية، "هيرتسي هاليفي إستقال"، لكن العقدة الأكبر في كل المنظومة هو الرجل القوي "رونين بار" رئيس الشاباك، الذي رفض الإستقالة حتى يتأكد من عودة كل الأسرى والمحتجزين الأحياء والاموات من غزة، وحتى يتأكد من تشكيل لجنة حكومية رسمية تحقق في إخفاق السابع من تشرين/أكتوبر*
*في خضم ذلك تظهر قضية كبرى قد تطيح بالسيد "نتنياهو" حتى قبل التحقيق الرسمي في السابع من تشرين/أكتوبر، قضية "قطر غيت"، والتي تشير بشكل لا لبس فيه لتلقي موظفين في مكتب رئيس الوزراء "نتنياهو" اموال قطرية لتحسين صورتها، بل يقال ان الاموال حولت عن طريق شركة يمتلكها جوناثان أوريتش المستشار البارز للسيد نتنياهو وكان قد عمل سابقا متحدث بإسم حزب الليكود الحاكم هذه الأموال جائت تحت عنوان تحسين صورة قطر، لكن وكما يبدو فإن هذه الأموال قد تكون بطريقة أو بأخرى قد وصلت إلى جيوب رئيس الوزراء وزوجته وإبنه يائير، لذلك يقوم جهاز الشاباك بالتحقيق في الموضوع، وهذا يشير لمدى خطورة القضية*
*نتنياهو متخوف جدا من التحقيق الذي يجريه الشاباك بطلب من المستشارة القضائية، ومتخوف من أن يتحول بعض المتهمين إلى شهداء في قضية جديدة ضد "نتنياهو"، مما قد يفتح الباب لملف فساد جديد، ولكن ملف في خضم شعارات "النصر المطلق" و "الجبهات السبع"، مما قد يؤدي إلى اكبر قضية ستؤثر في الرأي العام في دولة الكيان، فالرجل الذي يعطل حتى الآن الإفراج عن الأسرى وتحت حجج واهية، يقوم بالحصول على أموال من الدولة التي تتوسط في موضوع الأسرى*
*"نداف أرغمان" الرئيس السابق للشاباك يعرف "نتنياهو" جيدا، ويعلم حقيقته، ويعرف توجهاته التي لا علاقة لها باي إستراتيجية، سوى إستراتيجية البقاء في المنصب، لذلك خرج عن صمته القانوني ليوجه تحذير بأن من يخرق القانون قد يدفع الآخرين أيضا إلى خرق القانون، وهذا إعتبره "نتنياهو" عملية إبتزاز، وشبه ذلك بطرق المافيا، لكن الحقيقة كلها تكمن في قضية "قطر غيت"، فهذه القضية أرعبت "نتنياهو" لدرجة أنه مستعد لخوض حرب مع منظمة الشاباك، بإعتبارها حرب "الحياة" بالنسبة اليه، حرب سوف تعتبر المسمار الأخير المتبقي لدى الدولة العميقة، الدولة التي تريد منع إنهيار القانون والديمقراطية، والحفاظ على ما تبقى من عمل مؤسسي وعلى مفاهيم قيمية واخلاقية وسلوكية ذبحت من الوريد للوريد في حرب الإبادة والتطهير العرقي في غزة*
*إعلان "نتنياهو" عن طرح إقالة رئيس الشاباك في جلسة الحكومة يوم الأربعاء القادم، ورفض "رونين بار" الإستقالة، والإنقسام الطبيعي في المجتمع الإسرائيلي ولدى النخبة السياسية، وحديث المستشارة القضائية في رسالة وجهتها إلى رئيس الوزراء "نتنياهو" أن الإقالة بحاجة لمسوغ قانوني وهذا يأتي من خلالها، وأن إقالة رئيس الشاباك هو إختصاص الحكومة مجتمعة وليس رئيس الوزراء، تشير إلى ما يقوم فيه رئيس الوزراء "نتنياهو" وإئتلافه الحاكم من عمليات تصفية حسابات ضد كل من يحاول العمل على كشف حقيقتهم الفاسدة والهادفة لفرض الديكتاتورية على الدولة وتحت مسمى "النجاح البرلماني" أي مفهوم الأغلبية في "الكنيست" الذي يستطيع وتحت يافطة "إختيار الشعب" أن يفرض ما يريد من قوانين حتى لو تعارضت مع "القوانين الأساس" فهذه أيضا يمكن تعديلها*
*المعركة ستكون كبيرة ويراهن "نتنياهو" على ما يسمى "وطنية" جهاز الشاباك والتي قد تمنعه من كشف الكثير من الحقائق وتحت يافطة أن ذلك مخالف للقانون وإستخدامه يعتبر جريمة تستدعي التحقيق والمحاكمة، إضافة إلى زيادة الإنقسام الداخلي في ظل ظروف أمنية صعبة تعيشها الدولة بعد "طوفان الأقصى"، وقد شبهها المحلل السياسي الإسرائيلي في جريدة هآرتس "تسفي برئيل" بأن "إسرائيل تبدو أكثر فأكثر، أشبه بسلسلة متاجر تديرها إدارة فاسدة، وتتسبب في تدهورها إلى الهاوية، لكنها تواصل فتح فروع جديدة لها، وتوحي بأن الأعمال تسير كالمعتاد، ليس كالمعتاد فحسب، بل إنها أقوى من أي وقت مضى، إمبراطورية إسرائيل تنهار ولكن فروعها في غزة ولبنان وسوريا تزدهر"*
*لكن هذا "الإزدهار التي تعيشه الامبراطورية فيما اسماه فروعها اساسه دعم أمريكي وغربي لا حدود له. ولا يمكن اعتباره إسرائيليا خالصا، وهذا الإزدهار هو الذي يعطي "نتنياهو" القوة لكي يتخذ قرارات في مجملها لحماية مصالحه الخاصة*
*معركة نتنياهو مع اهم منظمة في إسرائيل ستحدد بشكل كبير طبيعة التوجهات القادمة للدولة، ومدى قدرة حكومة التطرف والفساد على السيطرة على مقدرات الدولة ككل، وبما يعطيها القدرة على البقاء أكثر، بل هذا سيؤدي لأن تكون كل أجهزة الدولة في خدمة مخططات رئيس الوزراء وبالذات الشخصية، لأن "نتنياهو" في كل قراراته يبحث دائما عن "نتنياهو"*
*ويبقى السؤال الأهم: هل الدولة العميقة في دولة إسرائيل يتم تصفيتها بمسمى الفشل في السابع من تشرين/أكتوبر؟!!! وهل بذلك يؤسس "نتنياعو" للهروب الأكبر من أي إتهام بالمسؤولية عن الفشل؟!!! يبدو أن قضية "قطر غيت" كانت هي الفيصل لأنها كما يبدو شكلت سكين الذبح لرقبة "نتنياهو" من الدولة العميقة، فأراد "نتنياهو" ان يسبقهم بخطوتين ويحول الصراع الى قضية "رونين بار"، ويحرف الأنظار عن القضية المركزية المتعلقة بملف الأموال القطرية



