كتب د. عصام شعيتو:
مقالات
كتب د. عصام شعيتو: "أنصِتوا إلى التاريخ، لا تُصدِّقوا غيره".
د. عصام شعيتو
20 آذار 2025 , 20:11 م



 يقولُ التّاريخ:"إنّ اليدَ التي تُلقي سلاحَها، تُلقي نفْسَها لِلذّبْح".
في عام 1994، جلست أوكرانيا إلى الطاولة، وأمامَها ورقة، وعلى كَتِفِها ترسانةٌ نوويةٌ هي الثالثةُ في العالم. 
أقنعوها أن الأمان ليس في الأصابع التي تضغط على الزناد، بل في التوقيعات على الورق. 
تنازلت،سلّمت،وقّعت، وانصرفوا جميعًا.



وحين  عادت أوكرانيا، لتبحث عن تلك التواقيع، بعد سنوات، لم تجد إلا جيوشًا تغزوها، ومُدنًا تُسحق، ووعودًا تتبخرُ في هواء المصالح المتغيّرة.
 أمريكا التي منحتها "الضمانات"، وقفت على التلّ، تَعِدُ بالدَّعم،  لِتقايضها، فيما بعدُ، على ما تبقى من ثرواتها. 
فالقوةُ التي كانت تملكُها صارت ذكرى، والمذكِّرةُ التي وقّعتْ عليها صارت نُكتةً يتداولُها الساسةُ في غُرَفِهِم المُغلقة.
في المقابل، وقبل سنوات، في غرفةٍ أُخرى، جلس مفاوضو طالبان أمام الأمريكان. 
سألهم أحدهم أن يتخلّوا عن سلاحهم؟    ابتسم أحدهم وقال: "هذا السلاح هو الذي أتى بكم إلى هذه الطاولة، ولولاه، ما التَفَتُّم إلينا أصلاً، فكيف نُلقيه؟!"


واليوم،يرفع الإسرائيليون الورقةَ ذاتَها بوجه المقاومةِ في لبنان وفلسطين؛ فهم طالبوا المُقاومةَ في لبنان بأن تُوَقِّعَ وتُسَلِّمَ سِلاحَها، بعدما عَجَزوا بالقوّة، عن تحقيقِ أيٍّ من أهدافهمُ الخبيثة.
وها هم اليومَ، وبعدما أُفشِلَتْ كُلُّ أهدافِهم في غزّة،يُطالبونَ حماسَ بأنْ تُوَقِّعَ، وأن تُلقيَ السلاح، أن تدخلَ في"عالمٍ جديدٍ" بِلا مقاومة، بلا قوة، بلا قدرةٍ على الرد.


هم يقولون: إنّ السلام لا يُبنى إلّا على نَزْعِ السلاح،وإنّ الأمن لايأتي إلا بعد تجريدِ الفلسطينينَ من وسيلتِهم  الوحيدةِ  لِحِمايةِ أَنفُسِهم، وحفظ حقوقِهم؛ لكنَّ التاريخَ المُدَوّنَ لايُخطئُ أبداً، وقد يُعيدُ نفسَه:
حين سلّمَ الهنودُ الحُمرُ سُيُوفَهم وأقواسَهم، جاءتهم المذابحُ التي محتْهُمْ مِنَ الوجود.
 وحين وَثَقَ اللِّيبيُّونَ بوعودِ إيطاليا، جاءتهم المقاصل والمشانق في صحراء سَرت. 
وحين سلّم قادةُ الأندلسِ مفاتيحَ المدن الأندلسية، لم يجدوا سوى محاكم التفتيش التي أحالتهم رمادًا. 
اليد التي تُفرّط بِسلاحها، لا يُسمَحُ لها بأن تكتبَ مصيرها، بل يكتُبُهُ لها عدوُّها بالحبرِ الأحمر.
حماسُ تعرفُ هذا الدرسَ جيدًا. تعرفُ أنَّ البندقيةَ التي تُلقى اليوم،ستُرفع غدًافي وجه مُلقيها. 
حماسُ تعرفُ أنَّ التوقيعَ على وثيقةِ نزعِ السلاح، هو التوقيع على شهادة الاستسلام. لهذا، فإنها تقول:لا، للإسرائيليين وللعالم كله،: لن نكونَ هنودًا حمراً جُدُدًا، ولن نرميَ سلاحَنا لِنُساقَ إلى المذبح. 
   إنّ السلاحَ الذي صنع المعادلة، هو الذي سيحميها، والبندقية التي فرضت نفسها، لن تسقط بالحيلة، ولن تُلقى إلا في يد جيلٍ جديدٍ يحملُها لِيُكمِلَ الطريقَ، ولن يتخلّى عنها في عالمٍ تحكمهُ الوحوش. قال تعالى:‏{وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَ أَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحدة... وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أعدَّ للكافرين عذاباً مُهينا}.
‏ثبّتنا اللهُ وثبّتكم وثبتَ الجميعَ على حبه ونصرته...اللهم آمين.


المصدر: موقع إضاءات الإخباري