في كثير من الأحيان، قد يقول الإنسان شيئا ويشعر بشيء آخر تماما، ولكن عندما تُدفن الضغوط العاطفية في أعماق النفس، فإنها قد تؤدي إلى مشاكل صحية نفسية خطيرة، مثل القلق أو نوبات الهلع،والآن نجح باحثون من جامعة بنسلفانيا الحكومية (Penn State) في تطوير جهاز استشعار قابل للارتداء، قادر على اكتشاف هذه المشاعر الخفية، حتى عندما يُظهر الوجه عكس ذلك تماما.
- كيف يعمل الجهاز الجديد؟
الجهاز عبارة عن رقعة مرنة بحجم لاصق طبي (Band-Aid)، تم تصميمها لقياس إشارات فسيولوجية مرتبطة بالمشاعر مثل: درجة حرارة الجلد، الرطوبة، معدل ضربات القلب، ومستوى الأوكسجين في الدم، وتُدمَج هذه الإشارات مع بيانات تعبيرات الوجه لتمييز المشاعر الحقيقية عن المزيفة.
قال هوانيو تشينغ، المؤلف الرئيسي للدراسة: "هذه طريقة جديدة ومُحسّنة لفهم مشاعرنا من خلال مراقبة إشارات متعددة من الجسم في الوقت نفسه."
وأضاف:"الاعتماد فقط على تعبيرات الوجه قد يكون مضللًا، إذ كثيرًا ما يُخفي الناس مشاعرهم الحقيقية، ولهذا السبب جمعنا بين تحليل تعبيرات الوجه والإشارات الفسيولوجية الأخرى للحصول على دعم أفضل للصحة النفسية."
- تصميم فريد لقياس دقيق
يتميز الجهاز بمرونة عالية بفضل تصنيعه من معادن رفيعة مثل الذهب والبلاتين، مرتبة في أنماط مموجة تسمح له بالانحناء والتمدد بسهولة، ويحتوي أيضا على مجموعات متعددة من الحساسات المستقلة، ما يتيح قياس إشارات معقّدة في الوقت نفسه دون حدوث أي تداخل.
على سبيل المثال، تم تعزيز ثبات مستشعرات الحرارة بدعامة صلبة لمنع تشوّه القياسات عند الانحناء، وتمت إضافة طبقة عازلة للماء للحفاظ على دقة قياسات الرطوبة.
تُرسل البيانات التي يجمعها الجهاز لاسلكيا إلى الهاتف أو خادم سحابي، مما يتيح لمقدمي الرعاية الصحية مراقبة الحالة العاطفية للمستخدمين في الوقت الفعلي، دون جمع أي معلومات شخصية أو تعرّف على الهوية.
- الذكاء الاصطناعي يكتشف المشاعر بدقة مذهلة
اعتمد الباحثون على نموذج ذكاء اصطناعي مدرّب على بيانات حقيقية للتفريق بين المشاعر المُمثّلة والحقيقية.
في اختبار أول، طُلب من المتطوعين تقليد ستة تعابير وجه شائعة (السعادة، الغضب، الخوف، الدهشة، الاشمئزاز، الحزن) أثناء ارتداء الجهاز. وتمكن الذكاء الاصطناعي من التعرف على هذه المشاعر التمثيلية بدقة بلغت 96.28%.
وفي اختبار آخر، شاهد المشاركون مقاطع فيديو مؤثرة عاطفيًا أثناء ارتدائهم للرقعة، وتمكّن النظام من تصنيف استجاباتهم العاطفية الحقيقية بدقة تقارب 89%، حيث رصد تغيّرات طفيفة فيزيولوجية مثل تسارع نبض القلب وارتفاع درجة حرارة الجلد خلال مشاعر الدهشة والغضب.
قال الباحث ليبو غاو، أحد المؤلفين المشاركين في الدراسة:
"قمنا بتصميم هذا الجهاز ليقيس كل إشارة فسيولوجية على حدة، ما يوفر صورة أوضح وأكثر دقة لما يحدث تحت السطح."
- آفاق مستقبلية واسعة
ترى الباحثة يانغبو يوان أن هذه التكنولوجيا قد تكون منقذة للأشخاص الذين يعانون من مشاكل نفسية لكنهم لا يُفصحون عن معاناتهم، حتى لأنفسهم.
وأضاف تشينغ:
"نظرا لازدياد مستويات التوتر في المجتمع الحديث، فإن القدرة على مراقبة المشاعر قد تتيح مؤشرات مبكرة على الحالات النفسية المُنهكة، وتمنح الفرصة للتدخل والدعم المبكر."
- تطبيقات طبية متعددة
يمتلك هذا الجهاز أيضا إمكانيات تشخيصية أوسع، حيث يمكن أن يكون أداة فعّالة في مراقبة المرضى غير القادرين على التعبير، ومتابعة علامات الخرف، والكشف المبكر عن أعراض الجرعات الزائدة من الأفيونات، وإدارة الجروح المزمنة، وحتى رصد الأمراض العصبية التنكسية.
واختتم تشينغ بقوله: "رغم أن الجهاز لا يزال في مرحلة البحث والتطوير، إلا أنه يُعد خطوة مهمة نحو فهم أفضل للمشاعر البشرية، ويمهد الطريق نحو أساليب أكثر تخصيصا واستباقية في رعاية الصحة النفسية."



