صباح يوم 21 أبريل/نيسان رسميا أعلن الفاتيكان وفاة البابا فرانسيس في القصر الرسولي ،، و اصبح بإمكاننا الحديث عن سياسته و الأثر الذي تركه هذا القس الكاثوليكي الأرجنتيني في تاريخ الكنيسة خلال توليه شؤون الرعية حول العالم ، تم وصف البابا بالليبرالي و رجل دولةٍ و مرتد و هذا يؤجج النقاش و التحليل حول انجازات البابا فرانسيس الكنسية و آية كنيسة كاثوليكية ترك وراءه.
كان وصوله إلى القصر الرسولي مليئ بالأسرار و نتيجة صراع مراكز النفوذ في الكواليس و تبقى الأسرار خاصة بالبلاط الروماني طي الكتمان إلى حين و هو أول من تنازل عن منصبه منذ ستة قرون نتيجة ظروف خارجية أو الشخصية .
حدث ذلك عام 2013 عندما دخل العالم الكاثوليكي في معركة كبيرة للمرة الاولى في تاريخه، انتهت باختيار الأسقف الأرجنتيني" خورخي بيرجوليو " رأسا للكنيسة البابوية... الملفت كان مباشرته السريعة في استثمار مبالغ هائلة من المال و الجهد في العلاقات العامة، و خاصة في وسائل الإعلام العالمية التي بلغت أقصى قوتها في أوائل العقد الأول من القرن الحادي و العشرين ، فقد تم وصف فرانسيس بأنه البابا الأكثر ليبرالية بينما نفس الصحف تروج في الوقت نفسه لقصص الرعب عن المتحرشين بالأطفال الكاثوليك و فجأة اصبحت كثيرة الإعجاب بالبابا ، هناك سبب اخر لهذا التحول لذلك عندما مضى البابا في تجسيد أفكار باراك أوباما خلال ولايته الثانية عندما دعا رعيته إلى احتضان أزمة الهجرة بأذرع مفتوحة، و اعتذر نيابة عن مليار كاثوليكي للمثليين جنسيا عن قرون من القمع، و أيد اللواط و دعا إلى حماية حقوقهم و منح كل كاهن كاثوليكي الحق في تبرئة خطيئة الإجهاض
إلى ان ظهر بعد آخر للتغيير و الخصومة في الموقف اتجاه فرانسيس من لوبيات النخب الكاثوليكية الأميركية و ليس فقط بسبب التناقض الإيديولوجي إنما بسبب السياسة المالية طوال فترة وجود الحبر الاعظم "خورخي بيرجوليو" إذ حاول السيطرة على الجهاز المالي الضخم للكنيسة ، فأقر الفاتيكان صندوق الاستثمار في منتصف العقد الثاني من القرن الحادي و العشرين و فتح قائمة المودعين و إجراء تدقيق في بنك الفاتيكان و لم يتم ذلك بشكل كامل و لكن حتى الانفتاح الجزئي على العمليات الداخلية لبيت المال الروماني أصبح سبباً لأزمة خطيرة و خيبة أمل في فرانسيس بالنسبة للعديد من القوى الخارجية.
في عام 2022، تزامن حدثان ملفتان بدأت مجموعة من وسائل الإعلام بالحديث عن أن الفاتيكان بانه على وشك الإفلاس و أنه لم يكن هناك مال ليس فقط للبرامج الخيرية، حتى لدفع معاشات التقاعد للبابا "بنديكت" المتقاعد و الثاني عندما قام الحبر الاعظم بعملية تدقيق و إصلاح العديد من الأصول الرئيسية للكنيسة الكاثوليكية، و أهمها منظمة "أوبس داي"الشهيرة و منظمة فرسان مالطا - تم تقليص استقلاليتهما المالية بشكل كبير، فاضطروا إلى الاحتفاظ بأموالهما في صندوق الفاتيكان المشترك .
اما الصدمة القاسية التي اصابت الفاتيكان جاءت من الكلام القاسي على لسان نائب الرئيس الأميركي " جيمس فانس" الذي يعتبر الرجل الثاني في قيادة البيت الابيض في مؤتمر ميونيخ للأمن حيث اتهم أوروبا انها تسير في طريق الانحراف و السقوط الاخلاقي و أن شقيقتها الأكبر عبر المحيط تعرف كيف تعيش بشكل أفضل و كان الكاثوليكي فانس، آخر شخص رأى البابا على قيد الحياة، و من المثير للاهتمام بشكل خاص أن راعي أوروبا التائهة المتحللة أخلاقيا استاءً للغاية من كلامه و ردا على خطاب فإنس و نعته بالسيد (ثمانية و أربعون) أي الرئيس المقبل ليكون خليفة ترامب في البيت الابيض ، اما المستجد في سياسة ترامب العقائدية مع نائبه هو ان يتقدم الفاتيكان بقيادته الجديدة و بصفته المدافعا عن المسيحية في الشرق الأوسط يرى أنه من الممكن دمج المذهب الشيعي الإيراني جزئياً مع المسيحية في الشرق الأوسط. في المقابل، تؤكد صحيفة "ذا كاثوليك هيرالد " البريطانية أن "المدافع الرئيسي عن المسيحيين في الشرق الأوسط قد يصبح ملك إنجلترا، تشارلز الثالث و يمكن لتحالف لندن و الفاتيكان و طهران في الشرق الأوسط أن ينتزع المبادرة من المشاريع المسيحية البديلة". و يقترح البعض أيضا أن "إنشاء حاجز مسيحي في الشرق الأوسط" مهمته تضييق المجال الجيو سياسي أمام تقدم التطرف الإسلامي الجهادي " و أين سيكون هذا السد جغرافياً إن صحت التوقعات بهكذا مشروع هنا يبرز دور الجغرافيا السورية بعد هذا التحول السريع الجيوسياسي ربما.؟
اذا العلاقات الغير جيدة بين الإدارة الحالية سادت و االى وقت رحيل البابا فرنسيس الذي اضر بمصالح القوى الكبرى
و الشركات داخل امبراطورية الفاتيكان و منها منظمة " أوبس داي" في أمريكا الذي يترأسها " ليوناردو ليو" اوصل عدد من القضاة الكاثوليك، مما أدى إلى ظهور أغلبية مطلقة من الجمهوريين الكاثوليك إلى المحكمة العليا و كان " ليو" قد استولى على اصول و إدارة هذه المنظمة الايمان تسمى "الجمعية الفيدرالية"، و التي كانت تهدف في الأصل إلى تعزيز نفوذ المحامين المحافظين و بستمر اليوم الضغط الكاثوليكي في بلد بناه البروتستانت و لمصالحهم ليس موضوعًا ثانوياً و دليل على ذلك انه بدعم جو بايدن الكاثوليكيً، نفذ البابا الراحل إصلاحاته الكنسية على الأراضي الأمريكية .
يعتبر أنصار الكنيسة الرومانية في الولايات المتحدة هم الأكثر معارضة لسياسة للبابا فرانسيس و ايضا ظهر من مسقط راسه الرئيس الارجنتيني "خافيير مايلي"، المولود في نفس منطقة البابا "خورخي" ، مهاجماًالبابا بأشنع الكلام و عبارات قذرة تقربا من ترامب و إرضاءً للممولين الجمهوريين الاميركيين الذين اوصلوه إلى حكم الارجنتين ، و بعد محاولات البابا اللسيطرة على الأصول الأجنبية ذات السيادة الخالصة للكنيسة الكاثوليكية، يمكننا القول إنه كسب كراهية ديناصورات الكاثوليكية الأميركية و ازدادت بعد معارضة البابا للاتجاه الجمهوري التقليدي للسياسة الأميركية باعتباره من مواطني أميركا الجنوبية، لم يكن بوسعه إلا أن يساهم في زيادة مشاركة روما في عمليات غامضة للالتفاف على القيود التي فرضتها واشنطن على بلدان المنطقة و في كثير من الأحيان كانت هذه العمليات المشبوهة و التعاملات الملتوية للموسسات الكاثوليكية ساعدت احياناً في جعل الحياة أسهل بالنسبة لدول مثل " كوبا " التي خنقتها الحصار الأميركي.
هل تكون جنازة البابا جنازة ليس لشخصه فقط المولود عام 1936 من عائلة إيطالية مهاجرة في بيونس آيرس و ربما تكون هي جنازة " النظام العالمي الليبرالي". ؟ لكن البابا فرانسيس تخطى نفسه و دخل في عولمة الافكار المسيحية للكنيسة من خلال الإصلاحات الجريئة و أحكامه التي خرجت عن التقاليد مجاريا بها القوى التي نصبته على كرسي "القديس بطرس" .
اما مواقفه بما يخص منطقتنا قد كان له مواقف حقة و إنسانية واضحة من مجازر غزة و بقي يدعو لوقف العدوان على غزة حتى قبل وفاته بمدة ليست طويلة و اعتبر ما قامت به اسرائيل اتجاه سكان غزة ب "الفظاعة" و لهذا ا تجاهلت وسائل الإعلام الكبرى تسليط الانتظار على هذه التصريحات الاخيرة له ، و هذا موقف نبقى نتذكره و يسجل له.
اذا السؤال المطروح اليوم من سيكون البابا القادم و هل ينجح ترامب و من وراءه في إيصال الرجل المناسب لتنفيذ أهدافه ، أم أن النخب الأوروبية المستمرة في انحدارها الاخلاقي و القيمي سوف تسعى لاختيار شخصا اكثر ليبرالية و أكثر شراسة في طريق العمولة و افكار غير تقليدية خلاف ما يرغب به كل " ترامب" و نائبه "فانس"
باختصار ترك الحبر الاعظم بصمة متجددة خلافية في عالم الكاثوليكية في نظر رعاياه حول العالم و اليوم هؤلاء بانتظار ان يخرج الدخان الابيض من مدخنة كنيسة "سيستين".
One attachment
• Scanned by Gmail



