بطء دوران الأرض سر الحياة.. والقمر يمنحنا الأوكسجين
علوم و تكنولوجيا
بطء دوران الأرض سر الحياة.. والقمر يمنحنا الأوكسجين
27 نيسان 2025 , 18:28 م

منذ تشكّل الأرض قبل حوالي 4.5 مليار سنة، وهي تدور بشكل تدريجي أبطأ فأبطأ، مما أدى إلى إطالة مدة النهار على مرّ العصور، وبينما لا نلاحظ هذا التباطؤ على مستوى حياتنا اليومية، إلا أن تأثيره على مستوى الأزمنة الجيولوجية كان عميقاً.
وفقاً لدراسة نُشرت عام 2021، فإن هذا التباطؤ ربما لعب دوراً محورياً في واحد من أعظم التحولات البيئية في تاريخ الكوكب: ظهور الأوكسجين في الغلاف الجوي، فكلما زاد طول النهار، ازدادت قدرة البكتيريا الزرقاء (أو السيانوبكتيريا) على إنتاج الأوكسجين كمنتج ثانوي لعملية التمثيل الضوئي.
- علاقة غريبة: القمر، والبكتيريا، والأوكسجين
ما علاقة دوران الأرض بالكائنات الدقيقة؟
الجواب يكمن في تأثير القمر. فالقمر يمارس قوة جاذبية على الأرض تؤدي إلى إبطاء دورانها تدريجياً، بينما يبتعد عنها ببطء. تشير السجلات الأحفورية إلى أن طول اليوم كان قبل 1.4 مليار سنة حوالي 18 ساعة فقط، وكان أقصر بنصف ساعة مما هو عليه اليوم قبل 70 مليون سنة. ويُعتقد أن الأرض تكسب 1.8 ميلي ثانية كل قرن.
هذا التباطؤ التدريجي ساعد في تمكين البكتيريا الزرقاء من إنتاج مزيد من الأوكسجين خلال ساعات النهار الأطول، مما مهّد لحدث بيئي عظيم يُعرف بـ"حدث الأكسدة العظيم"، حين ازداد تركيز الأوكسجين في الغلاف الجوي بشكل حاد ومفاجئ.
- لماذا لم يظهر الأوكسجين سابقاً؟ تجربة العلماء توضح
رغم معرفة العلماء بأهمية السيانوبكتيريا، بقيت الأسئلة قائمة: لماذا بدأ إنتاج الأوكسجين في ذلك الوقت بالتحديد؟ ولماذا لم يحدث ذلك قبل ملايين السنين؟
وجد العلماء أدلة مهمة في حفرة "ميدل آيلاند" في بحيرة هورون، حيث تعيش مجتمعات ميكروبية مشابهة لتلك التي يُعتقد أنها كانت مسؤولة عن حدث الأكسدة العظيم. في هذا النظام البيئي، تتنافس البكتيريا البنفسجية التي تنتج الأوكسجين عبر التمثيل الضوئي مع بكتيريا بيضاء تستهلك الكبريت.
أظهرت الملاحظة أن البكتيريا البنفسجية تبدأ بإنتاج الأوكسجين فقط بعد عدة ساعات من شروق الشمس، مما يعني أن طول فترة النهار يؤثر بشكل مباشر في قدرتها على التمثيل الضوئي. وكلما طال النهار، زادت فترة النشاط الضوئي، وبالتالي زاد إنتاج الأوكسجين.
- من التمثيل الضوئي إلى فيزياء الكواكب: ترابط علمي مذهل
لإثبات العلاقة، أجرى فريق العلماء تجارب على هذه الكائنات الدقيقة في بيئتها الطبيعية وفي المختبر، كما طوروا نماذج حسابية تربط بين ضوء الشمس، وإنتاج الأوكسجين، وسرعة دوران الأرض.
وفقاً للعالم البحري "أرجون شينو" من مركز لايبنيز للأبحاث البحرية، فإن يومين من 12 ساعة لا يعادلان يوماً واحداً من 24 ساعة، لأن إطلاق الأوكسجين يتأخر عن ضوء الشمس بسبب محدودية الانتشار الجزيئي. هذه "الفجوة الزمنية" البسيطة تُحدث فرقاً جوهرياً في كمية الأوكسجين المنتجة.
- ليس حدثاً واحداً ... بل اثنان!
النتائج لا تفسر فقط حدث الأكسدة العظيم قبل حوالي 2.4 مليار سنة، بل أيضاً حدثاً ثانياً يُعرف باسم "حدث الأكسدة النيوبروتيروزوي" الذي وقع بين 550 إلى 800 مليون سنة مضت.
كما قال الباحثون: "لقد ربطنا قوانين الفيزياء من المقاييس الجزيئية الدقيقة إلى الحركات الكوكبية الواسعة. وأثبتنا أن هناك علاقة جوهرية بين طول اليوم وكمية الأوكسجين التي يمكن أن تطلقها الكائنات الدقيقة على سطح الأرض."
بهذا الاكتشاف المذهل، يتضح أن إيقاع دوران كوكبنا لم يؤثر فقط على المدّ والجزر، بل لعب دوراً حاسماً في تمهيد الطريق للحياة كما نعرفها. وبينما يستمر القمر في إبطاء دوران الأرض، يمكننا أن ننظر إليه كأحد أعظم صانعي الحياة في التاريخ