حتمية انحدار امريكا.
مقالات
حتمية انحدار امريكا.
م. زياد أبو الرجا
28 نيسان 2025 , 13:13 م

           

* لم يسبق لاي امبراطورية في التاريخ البشري ان تمددت كما الامبراطورية الامريكية التي غطى تمددها الكرة الارضية من المحيط الباسفيكي وجنوب شرق اسيا وحتى الاطلسي،ومن امريكا الجنوبية وصولا الى اقصى الشمال الاوروبي.مما فرض عليها التزامات ومصاعب لا حصر لها.وهذه الالتزامات لا تشبه باي شكل من الاشكال الالتزامات التي واجهت الامبراطوريات السابقة، حيث كانت مناطق سيطرتها مصدرا للمواد الخام وسوقا واسعة لمنتجاتها.والاهم من ذلك كله انها لم تكن منافسا تجاريا لها.مما جعلها تراكم ثروات هائلة مكنتها من الحفاظ على متطلبات جيوشها وقوتها العسكرية.

* حاليا الامبراطورية الامريكية امام امتحانات صعبة ومعقدة في كل اماكن انتشارها في العالم على المستوى الاستراتيجي العسكري وقدرتها على خلق التوازن المعقول بين متطلبات الدفاع ونفوذها في النظام الدولي والوسائل التي تمكنها من استمرارية الحفاظ والايفاء بهذه الالتزامات.ففي كل مناطق انتشارها وتمددها حلفاء انشات معهم احلافا عسكرية، وفي الوقت ذاته هم منافسون اقتصاديون لها، وهذا لم تواجهه الامبراطوريات السابقة.مما وضعها في مواجهة خيارات ومعضلات مرة وهي

١- اوروبا الغربية: ان امن اوروبا الغربية يعتبر حيويا بالنسبة للامن القومي للولايات المتحدة الامريكية، وان الالتزام الامريكي الاستراتيجي يعد منطقيا ضمانة عسكرية وسياسية، ويشكل حلف الناتو بين امريكا واوروبا الغربية المظلة الامنية.الا ان الاتحاد الاوروبي يشكل منافسا اقتصاديا قويا لامريكا.في الوقت الذي تؤكد فيه دول الاتحاد على الاهمية العظمى لبقائها تحت المظلة النووية الامريكية.

٢- الالتزامات الامريكية في الشرق الاوسط: هذا الاقليم الممتد من المغرب في الغرب الى افغانستان في الشرق، وفيه تواجه امريكا صراعات ومشاكل لا حصر لها.وهذه المنطقة تحتوي على مخزون النفط والغاز والثروات المعدنية والطبيعية الهائلة، وتمارس لوبيات النفط والصناعات العسكرية على توفير الدعم العسكري للكيان الصهيوني ، وهناك الدول العربية الحليفة لامريكا التي تتعرض لضغط القوى الاصولية فيها، وصراعاتها مع بعضها البعض .مما يجعل من الاقليم منطقة حيوية مهمة لامريكا، ولكنها في الوقت نفسه محيرة ومربكة لان معظم دولها مرشحة لاشتعال الحروب.مما يجعل الشرق الاوسط يحظى بعناية امريكية فائقة عسكريا ودبلوماسيا.

٣- امريكا الجنوبية: ازدادت وتنامت التحديات التي تواجه الولايات المتحدة الامريكية في هذه القارة.فاذا ما حصلت ازمة ديون دولية كبرى في العالم ستوجه ضربة قوية لنظام الدين العالمي وخاصة البنوك الامريكية فانها ستحصل في هذا الجزء من العالم كما حصل في المكسيك في ٣٠ كانون الثاني/ يناير ١٩٩٥ حين صارت المكسيك على حافة الهاوية واستنفذت اخر احتياطيها من الدولارات وقامت امريكا بعملية " درع البيزو".اما الان فان للصين حضورا في امريكا الجنوبية التي برزت فيها البرازيل كقوة اقتصادية عالمية واحدى الدول المؤسسة لمنظومة البريكس.وفي افريقيا نهضت دولة جنوب افريقيا كقوة اقتصادية وهي ايضا من مؤسسي منظومة البريكس والقارة الافريقية تشهد حضورا صينيا وروسيا.

٤- منطقة جنوب شرق اسيا والهند: يعيش غالبية سكان العالم في هذه المنطقة وفي القلب منها الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية التي اخذت تقتطع حصة كبيرة من الصناعات الامريكية في كافة المجالات من صناعات النسيج الى الالكترونيات.وفيها وجود عسكري امريكي قوي لا يستهان به لان المصالح الامريكية في جنوب شرق اسيا بلا حدود.من اهم المشكلات التي التي تواجهها امريكا هي كيف ستبني علاقات جيدة مع الصين دون ان تتخلى عن تايوان، وكيف ستحد من تدفق المنتجات الصينية الى الاسواق الامريكية، وينطبق ذلك على منتجات الدول الحليفة  اليابان وكوريا الجنوبية.فهذه المنطقة الحيوية فيها التزامات عسكرية ومنافسة اقتصادية.

ان استعادة روسيا لمكانتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية في الساحة الدولية والنظام العالمي، والصعود الخيالي للقوة الاقتصادية والعسكرية للصين وتطور علاقاتها مع روسيا الى حد التحالف غير المعلن، والسياسة السلمية التي تتبعها في حل النزاعات حتى في القضية التايوانية.عبثا حاولت امريكا جر الصين الى نزاع مسلح مع تايوان ولم تفلح في ذلك.هذه السياسة مكنت الصين من استثمار ثرواتها الهائلة في البنية التحتية الحديثة والعلوم والتكنولوجيا والادارة العصرية.

* الامبراطورية الامريكية تواجه نفس المخاطر التي ادت الى انحدار الامبرطورية الاسبانية عام ١٦٠٠ والبريطانية عام ١٩٠٠ والاتحاد السوفياتي في اواخر القرن الماضي.عندما وصلت الى اقصى مدى من التمدد.يواجه صانع القرار الامريكي الحقائق المحرجة والدائمة وهي ( ان المجموع الكلي للمصالح والالتزامات اضخم من قدرة امريكا في الدفاع عنها كلها في اَن معا)وبخلاف  الامراطوريات الاسبانية والبريطانية والعثمانية تواجه احتمالية الدمار النووي الشامل الذي لن يلجأ اليه اي طرف لانه متبادل في عدم الاستخدام والتهديد والدمار.فهو يهدد الشرق والغرب على حد سواء.صار السلاح النووي ميزان التوازن الدولي الدقيق والحساس.لكنه دفع الاطراف الدولية الى زيادة الاموال المخصصة لبناء القوات التقليدية تحسبا لوقوع حروب غير نووية سواء اقليمية او دولية.مما يهدد المصالح الامريكية المنتشرة في العالم التي لا يوجد رابط بري بينها وبين امريكا ويخلق مصاعب لوجستية  في توفير القوة البشرية اللازمة.

يبلغ تعداد القوات الامريكية  خارج امريكا ٧٠٠ الف منهم سبعين الفا قوات البحرية والاساطيل وهذا في اوقات السلم فقط.

* اثارت حرب فيتنام في القرن المنصرم والهزيمة الامريكية في افغانستان والخسائر البشرية والمادية في العراق الشكوك في قدرة وكفاءة النظام الامريكي في المحافظة على المصالح الامريكية في الخارج، التي اتسعت بعد الحرب العالمية الثانية وكانت معتمدة على دخل قومي عالي جدا من الصناعة والزراعة.استعادت روسيا مكانتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية في المسرح الدولي والنظام العالمي، وواكب ذلك الصعود الخيالي للقوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية للصين ، واغلقت باب الخلاف مع روسيا وتطورت علاقتهما الى حد التحالف غير المعلن وكلتاهما تعتبران ايران القلعة الامامية في مواجهة امريكا في قلب اسيا.

الصين هي الدولة الوحيدة في العالم التي لها علافات تجارية مع كل دول العالم وعلى راسها امريكا.وهي الدولة التي لا وجود عسكري لها خارج حدودها الوطنية.وتتبع الاسلوب السياسي والدبلوماسي في حل النزاعات حتى فيما يتعلق بتايوان.عبثا حاولت امريكا جرها الى عمل عسكري هناك ، فاستخدمت الصين سياسة العصا والجزرة، وباءت المحاولات الامريكية بالفشل واستغلت الصين ثرواتها الهائلة في البنية التحتية وتحديث جيشها وفي العلوم والتكنولوجيا المتقدمة. .

بدا العالم الان يتحرر من قبضة الدولار والاقتصاد الامريكي تدريجيا وانخفض التعامل بالدولار في التبادلات التجارية الى ستين بالمائة وهو مستمر في النقصان.

* بدا علماء السياسة والاقتصاد ودوائر الفكر في امريكا بتحليل الوضع الحالي لامريكا ، واخذوا يقارنونه بوضع القوى العظمى المهيمنة التي سادت ثم بادت.واوجه الشبه الغريبة بين المزاج المتنامي لدى دوائر الفكر في امريكا الان وتلك التي انتشرت وعمت في الاحزاب السياسية في بريطانيا العظمى عندما كانت القوة رقم واحد في العالم، التي اخذت تتحسس الانحدار الحتمي للامبراطورية.انه يشبه حال الرجل القوي الذي لا يقلق على قدرته الجسديةالّا عندما يضعف يبدا في التكلم عن الصحة.وبنفس الطريقة فان القوى العظمى القوية والتي لا يتحداها احد.عندما تضعف تبدا في مناقشة امكانياتها وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها، وهذا ما يحصل الان في امريكا.انها تقف على حافة الجرف العالي، وهي امام خيارين كلاهما مُرٌّ امّا الققز من قمة الجرف الذي سيؤدي الى دمار مدوٍّ يفوق بالاف المرات ما حدث لسقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي  او النزول الامن من السفح الخلفي للجبل.ومع تراكم المديونية الامريكية التي زادت عن ٣٥ تريليون دولار فانه بات من الصعب على امريكا ان تبقى على راس النظام الدولي، وان انحدارها صار حتمية تاريخية وباسرع مما نتصور.

ان رقصات ترامب وغيره لن توقف انحدار (( Decline )) الامبراطورية الامريكية، وان رقصات ترامب شبيهة برقصة الديك الذبيح

مهندس/ زياد ابو الرجا

المصدر: موقع إضاءات الإخباري