في مشهد يكشف هشاشة العلاقات المتوترة بين القوتين النوويتين في جنوب آسيا، أقدمت الهند على تصعيد غير مسبوق ضد جارتها باكستان، عبر إصدار إنذار نهائي لجميع المواطنين الباكستانيين المقيمين على أراضيها بمغادرتها قبل 29 أبريل/نيسان، على خلفية هجوم دموي وقع في منطقة "بيهالغام" بإقليم كشمير، أودى بحياة 26 شخصاً.
- إجراءات هندية حازمة ورد باكستاني لا يقل حدة
الهند لم تكتف بالإجراءات الإدارية، بل مضت نحو خطوات أكثر تصعيدا: علّقت العمل باتفاق تقاسم المياه، أغلقت المعابر الحدودية البرية، وسحبت طواقم دبلوماسية من إسلام آباد، مطالبة نظراءهم الباكستانيين بالمغادرة.
في المقابل، لم تنتظر إسلام آباد طويلا، بل أغلقت مجالها الجوي، وأعلنت عن طرد دبلوماسيين هنود، وعلّقت كافة أشكال التجارة، مؤكدة أن أي محاولة للمساس بسيادتها أو مياه نهر السند ستُعدّ إعلان حرب صريح.
- التهديد النووي يلوح في الأفق
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ظهر متوعدا برد لا يُتصور، بينما ذكرت مصادر هندية أن من بين المهاجمين أربعة أشخاص، اثنان منهم من باكستان، ورغم نفي باكستان الرسمي صلتها، إلا أن جماعة "جبهة المقاومة" المقربة من "لشكر طيبة" أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم.
هذا التصعيد يعيد إلى الأذهان أحداث عام 2019، حين اقتربت الدولتان من مواجهة نووية فعلية بحسب ما كشفه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق مايك بومبيو.
- العقيدة النووية الهندية: الردع لا المبادرة
بدأت الهند برنامجها النووي في الأربعينيات، لكن أول اختبار تم عام 1974 تحت اسم "بوذا المبتسم". بعد سلسلة تجارب في 1998، أعلنت الهند عقيدتها النووية المعروفة بـ"الردع الأدنى الموثوق"، القائمة على الانتقام فقط وعدم البدء باستخدام الأسلحة النووية.
تعتمد العقيدة على الاكتفاء بعدد محدود من الرؤوس النووية، لكنها كافية لإلحاق ضرر مدمر بالخصم، وهو ما يهدف لتحقيق توازن استراتيجي دون سباق تسلح مفتوح.
- الرد الباكستاني: "الردع بالغموض" والاستخدام الأول
على الجانب الآخر، أطلقت باكستان برنامجها النووي عام 1972 كرد مباشر على الهيمنة النووية الهندية. وبعد اختبار الهند عام 1998، أجرت إسلام آباد تجاربها النووية الخاصة، مؤكدة امتلاكها للقدرة النووية.
لكن باكستان تتبنى عقيدة مختلفة، تعرف بـ"الاستخدام الأول"، وترتكز على أربع حدود تفعل الاستخدام النووي: اختراق عسكري واسع، تدمير شامل للقوة العسكرية، انهيار اقتصادي كارثي، أو تهديد وجودي سياسي داخلي.
هذه العقيدة تُبقي الهند في حالة قلق دائم، وتُصعّب عليها اتخاذ قرارات عسكرية حاسمة ضد باكستان.
- ترسانة نووية مرعبة لدى الجانبين
كلا البلدين يمتلكان بين 300 إلى 400 رأس نووي، الهند تعتمد على صواريخ "آجني" التي يصل مداها إلى 8000 كم، وغواصات نووية مثل "أريهانت"، بينما تعتمد باكستان على سلسلة "حتف" وصواريخ "بابور" كروز التي يمكن إطلاقها من الغواصات، بالإضافة إلى طائرات معدلة لحمل الأسلحة النووية مثل "إف-16" و"ميراج".
- ماذا لو اندلعت الحرب النووية فعلاً؟
نشرت "نشرة علماء الذرة" عام 2019 سيناريو كارثي لصراع نووي بين الهند وباكستان في عام 2025، حيث تبدأ الهند بتوجيه عشرين ضربة نووية تكتيكية، ترد عليها باكستان بـ15 ضربة، مما يؤدي إلى مقتل أكثر من 100 مليون شخص مباشرة، ويدخل العالم في شتاء نووي قاتم يهدد الأمن الغذائي والبيئي عالميا.
- العالم على حافة الهاوية
في ظل التصعيد المتسارع، والتصريحات النارية، والمناورات العسكرية، يبقى احتمال الانزلاق نحو مواجهة نووية مفتوحًا، خصوصًا في منطقة تفتقر إلى آليات احتواء الأزمات، وتغيب فيها الثقة بين الطرفين.
فهل نشهد انطلاق أول حرب نووية في القرن الحادي والعشرين من قلب كشمير؟ أم يتمكن المجتمع الدولي من إطفاء هذا اللهيب المتصاعد قبل أن يحرق العالم بأسره؟


