حطت طائرة ترامب مرة ثانية بعد مرور أربع سنوات عجاف و العلاقات السيئة السعودية مع الولايات المتحدة بجناحها الديمقراطي في الرياض و كان في استقباله صديقه القديم بابتسامة واسعة ارتسمت على وجه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع وعود بمشاريع مشتركة واستثمارات بوجهة واحدة تصل الى الف مليار في شرايين الاقتصاد الامريكي بموازاة ذلك كانت وعود مقابلة كما كان منذ ايضا اربعة سنوات بتحويل المملكة العربية السعودية من دولة مغلقة و متشددة للغاية إلى وجهة سياحية عالمية شعبية ، لكن مشروع تحويل هكذا مواصفات تاريخ نظام دولة إلى منطقة سياحية رائدة لم ينطلق بشكل كامل.
هناك اسباب لذلك التأخير حيث عائلة آل سعود تتمتع أيضًا بسمعة مشكوك فيها في العالم (لا يزال الأمير يتذكر جريمة قتل الصحفي الإخواني خاشقجي) و لا يمكن لأي حملات إعلانية أن تساعد في تصحيح هذه السمعة التي عملت الصحافة العالمية على تضخيمها بجد و من بين الأسباب عدم وجود أشياء تجذب السواح كبرج خليفة و لا جزر على شكل شجرة نخيل و خدمات من الطراز الرفيع و حرية الفرد ،
كانت هناك خطط مشاريع ضخمة مثل المدن العملاقة في الصحراء، و لكن بناء المدينة الكبرى "لاين" الذي كان من المفترض في الأصل أن يبلغ طوله 170 كيلومترًا بارتفاع يبلغ 400 متر، تم تقليصه بشكل كبير (إلى ثلاثة كيلومترات) و تم تعليق مشروع ميناء "أوكسيغون" المعجزة غير البعيد عن مدخل قناة السويس ، السبب الرئيسي وراء عدم تحول المملكة العربية السعودية إلى مفترق طرق في الشرق الأوسط ( "مفترق طرق العالم") هو أن السعودية على الرغم من كل مواردها الضخمة يبدو أنها تأخرت في الإنفتاح و التعامل مع المشاريع اللوجستية لان الموانئ الرئيسية للشحن في المنطقة اصبحت من نصيب الإمارات و عمان و قطر، كما توجد أكبر المطارات في دبي و الدوحة لذلك وجدت الدولة الأكبر و الأقوى والأغنى في الشرق الأوسط نفسها عاجزة و على الهامش ، حتى الصفقة النووية السلمية الموعودة ، اليوم ترامب رفض رفضا قاطعاً هكذا مشروع و لن يسمح ربما للسعودية بالتعاقد مع روسيا او اروربا لتنفيذه .
و بالعودة إلى فترة ولاية ترامب الأولى و طموحات الأمير محمد بن سلمان السياسية و الإقتصادية آنذاك و اهتمامه بزيارة الرئيس الأميركي ترامب و استقباله كملك وقع محمد بن سلمان حينها عقدًا لشراء أسلحة أمريكية مقابل 140 مليار دولار و لم يتذكر أحد ما حدث مع نفس العقد بقيمة 110 مليار دولار، و الذي تم إبرامه في عام 2017 بين نفس ترامب و والد محمد سلمان الملك سلمان عبد العزيز حيث لم ينفذ الأمريكيون العقد متذرعين في الحاجة الملحة لتخصيب و إصلاح سهول مقاطعة (زابوروجا الاوكراينية ) بالتقنية الأمريكية.
رغم الاعلام و الصخب الإعلامي حول هذه الصفقات اصلا اين توقيع هكذا اتفاقيات مع الرياض بروتوكوليا حينها كاي اتفاق بين دولتين فلا مواعيد نهائية التنفيذ حينها واليوم نفس الامر فقط كلام و تصريحات في الاعلام ، اذا بهدوء يمكن نسيان هذه الصفقات من العقود المماثلة السابقة ، اما رحلة ترامب إلى قطر، حيث وعد الامير باستثمارات تصل قيمتها إلى 1.2 تريليون دولار ، برأيي هي تغطية و طريقة التخفي من العار و الخضوع امام الراي العام لا غير ، فأي استثمارات مشتركة بين واشنطن و هذه البلاد و إسرائيل لها نصيب محترم مما جمعه ترامب من مليارات و ايضا تتجهز لتكون سنغافورة الشرق الاقصى و الادنى..؟!!
اما الضيف الثالث عند ترامب في هذا الاحتفال و كان الأكثر غموض و إثارة للاهتمام من قبل ترامب العالم لقاء تعارف سريع و لم يبتسم تقريبا فيه الضيف ، بدا كأنه غريب حتى عن المكان في منزل الأمير الجديد أقصد الرئيس السوري (الغير منتخب) أحمد الشرع، و قد أثار اللقاء هذا الحديث في الدوائر التحليلية الغربية الكبرى حول عودة سوريا المعزولة إلى المشهد السياسي في الشرق الأوسط وأثبت العديد من هؤلاء المحللين جهلهم و أن جهودهم التحليلية ساهمت جزئيًا في استبعاد دمشق من أي عملية لسنوات طويلة ، و وجد الأسد السوري المنكفئ في روسيا، نفسه معزولًا ، إذا استثنينا اختراقات نادرة في هذه العزلة، مثل زيارته للإمارات عام 2020 وحضوره قمة جامعة الدول العربية عام 2023 أما محللون آخرون ، ليس بدافع الحقد بل بدافع الغباء فقد اتبعوا مبدأ خبراء كرة القدم - "النتيجة هي المهمة و بدأوا مناقشة آفاق الازدهار الاقتصادي القادم إلى سوريا، آخذين في الاعتبار ارتباطها بالخليج و تركيا ، كما لو أن مفهوم "سوريا" بحد ذاته ثابت و أن ممثلها الشرع وصل إلى وطنه (المولود في الرياض) زعيم لدولة فاعلة و مؤثرة ؟! ، أما على ارض الواقع هناك حرب أهلية تدور رحاها في سوريا خلال عقد و نصف و لم تتوقف مذبحة مواطنيها.
و في بداية شهر أيار، نفس القصة حول محاولتهم ارتكاب مذبحة ضد مكونات ٱخرى و الآن بعد أن استُغلت ثورة الجهاد الشكلي المحضر من الغرب " بالتعامل مع الإرهابيين"، بدأت تلتهم أولادها كما قال: بيير فيرنيود " الثورات لا تلتهم أبناءها" ، بل تاكل آباءها و قد وجدت القوات الحكومية ، التي كانت تُعرف حتى وقت قريب باسم "هيئة تحرير الشام" كانون الثاني 2025، و لكنها في الواقع أعادت تسمية نفسها بقوات الأمن العام، نفسها متورطة في سلسلة من الصراعات الغريبة للغاية في مدينتي حلب وحمص و لم تكن هذه القصص المعتادة عن "عائلة علوية تم إخلاؤها بالقوة و وضعها في شاحنة و اقتيادها إلى وجهة مجهولة" مثلا ، بل كانت شيئًا آخر اليوم في الاشتباكات بدأ مقاتلو الحكومة يُقتلون ليس بشكل عشوائي، كما حدث أثناء المجازر على الساحل على ما يبدو قد بدات تتبلور نوع من المقاومة بين الحين و الآخر و بشكل منهجي.
قبل عمليات القتل الجماعي في المناطق الساحلية و الجرائم الواضحة الأخرى التي ارتكبتها حكومة الامر الواقع السورية الجديدة متوافقة مع خطوات التي اتخذتها لتعزيز السيطرة و محاولة إبراز الأساس الأيديولوجي الجديد و السيطرة على الواقع السوري و وقف الفوضى و محاولة بناء أسس نظام جديد ، ولكن تبدو الاشتباكات بين القوات الموالية للشرع و حلفاء الأمس من بينهم جزء كبير من المسلحين الاجانب من آسيا الوسطى تحت عباءة الاستخبارات التركية ورقة قوية في وجهة احمد الشرع ، الأخبار تتواتر من مختلف المناطق عن انتصار هؤلاء على الفصائل المحلية و وسط هذا كله برز شبح "داعش" الذي دعت بيان يُزعم أن هذه المجموعة المهزومة و المنسية منذ فترة طويلة جميع معارضي النظام الحالي إلى الانضمام إليهم و نظراً لمدى تكرار تجاهل وسائل الإعلام السورية هذه الاشتباكات ، و قد تكون من من صنع الشرع نفسه او من يوجهه و علينا انتظار بدء الصراع بينهما لكي نعلم صحة التوقعات قد يخفض من معدل عمليات القتل الجماعي في المناطق الساحلية و بقية مناطق سورية ، ام انها خطة من إدارة الشرع او تنفيذاً لشرط ترامب و بداية التخلص من المقاتلين الاجانب لرفع العقوبات عن نظامه .؟
نعلم انه ليس من الصعوبة بمكان عدم تنفيذ الاتفاقات المبرمة في الشرق الاوسط و لربما قرر الشرع العيش بسلام في (سورية العربية المزدهرة) مع المسلحين الأوزبكيين الإيغور و التركمستان و الشيشان و بالتالي فلن توقفه أي شروط وضعها ترامب ، اصلا من يجزم ان الكوبوي الامريكي بعد هذه الالاف من المليارات و معه نتنياهو لن (يناموا) حرصا على أن تصبح سورية قوية متعافية و مزدهرة،،،،، و هو هراء بكل معنى الكلمة.
اما المعلومات التي تفيد بأن مفاوضات مباشرة عقدت في باكو بين سوريا و اسرائيل (الغاليتين) على قلب النظام في أذربيجان ، وصفت المصادر ان اللقاءات ضرورة تكتيكية للحد من التصعيد إنما حقيقة الاتصال مع إسرائيل مخطط و يجب العمل على تنفيذه بالتخلص من الجهاديين في المناطق الجنوبية من سورية اي منطقة منزوعة السلاح حتى حدود العاصمة دمشق.
أن المبادئ الجهادية المتشددة التي أوصلت الشرع على أساسها إلى القصر الرئاسي في دمشق يمكن التخلص اسنتاداً على أيديولوجية "القومية السورية" بدل الجهاد العالمي بعد التمكين و التوجه إلى القدس وهو ما وعد به ابو محمد الجولاني غير مرة سابقاً ، الشعار الذي لم ينطق به أحد حتى من دمشق الشرع ، التي تسعى إلى الصداقة مع إسرائيل و التحرر من العقوبات الأميركية و بسياسة تابعة لتركيا ممولة بأموال السعودية و قطر.


