ربما سمعت المقولة الشهيرة: "التجهّم يتطلب عضلات أكثر من الابتسام"، وتُستخدم غالبا كدعوة لنشر الفرح ببذل جهد أقل، لكن من منظور علمي، هذا القول ليس دقيقا تماما.
لقد مررنا جميعا بتجربة ملاحظة ابتسامة لا تصل إلى العينين، سواء في صور عائلية محرجة أو في مواقف مجاملة في بيئة العمل. فغالبًا ما تلتقط أدمغتنا وجود شيء "غير صادق" قبل أن ندرك السبب بوعي.
- ابتسامة "دوشين" مقابل الابتسامة الاجتماعية
تشير الدراسات إلى وجود نوعين رئيسيين من الابتسامات:
ابتسامة دوشين (Duchenne Smile): وهي الابتسامة الحقيقية المرتبطة بالسعادة الصادقة.
الابتسامة غير الدوشينية (Non-Duchenne Smile): وهي ابتسامة اجتماعية أو استراتيجية، غالبا ما تكون مصطنعة.
سُمّيت ابتسامة دوشين بهذا الاسم نسبة إلى الطبيب الفرنسي "غيوم دوشين دي بولون" في القرن التاسع عشر، الذي اكتشف أن هذه الابتسامة تنشط مجموعتين من عضلات الوجه:
1. عضلات الفم: مثل العضلة الوجنية الكبرى (Zygomaticus major) التي ترفع زوايا الفم إلى الأعلى.
2. عضلة العين الدائرية (Orbicularis oculi): وهي الأكثر دلالة، حيث تشدّ محيط العين، مُشكّلة التجاعيد الصغيرة المعروفة بـ"أقدام الغراب" وتُضفي على النظرة دفئا حقيقيا.
- كيف نكشف الابتسامة الزائفة؟
الابتسامات الزائفة أو المجاملة تعتمد في العادة على عضلات الفم فقط، بينما تبقى العيون منفتحة بلا تعبير حقيقي، وبالتالي تبدو تلك الابتسامة ميكانيكية ومجرد "قناع عاطفي" مؤقت.
والجدير بالذكر أن كلا النوعين من الابتسامات يعتمدان على العصب القحفي السابع المعروف بالعصب الوجهي (Facial Nerve)، الذي يرسل الإشارات من الدماغ إلى عضلات الوجه.
لكن هناك فرق مهم:
الابتسامة الحقيقية (دوشين): تنشأ من الجهاز الحوفي (Limbic System) في الدماغ، وتحديدا من اللوزة الدماغية (Amygdala)، وهي المنطقة المسؤولة عن المعالجة العاطفية.
الابتسامة الزائفة: تُوجَّه غالبا من القشرة الحركية (Motor Cortex) في الدماغ، وهي مسؤولة عن الحركات الإرادية.
ولهذا السبب، فإن الابتسامات العاطفية الصادقة يصعب افتعالها؛ فلا يمكنك إرغام عضلات عينيك على إظهار الصدق ما لم تكن مشاعرك حقيقية. حتى الممثلون المحترفون يلجؤون إلى تقنيات مثل "التمثيل المنهجي" ليستحضروا ذكريات حقيقية تُنتج تعبيرا صادقا.
- لماذا يستطيع دماغنا تمييز الابتسامة الحقيقية بسهولة؟
البشر لديهم قدرة مذهلة على رصد الصدق العاطفي، وتشير الدراسات إلى أن حتى الأطفال في عمر عشرة أشهر يمكنهم التمييز بين الابتسامة الحقيقية والزائفة.
من منظور تطوري، قد تكون هذه القدرة قد تطورت لمساعدتنا في تقييم نوايا الآخرين، وتحديد الحلفاء الحقيقيين، وتفادي الخداع، حيث يلعب التلفيف المغزلي (Fusiform Gyrus) دورا رئيسيا في التعرف على الوجوه، بالتنسيق مع التلفيف الصدغي العلوي (Superior Temporal Sulcus)، الذي يفسّر تعبيرات الوجه.
- الابتسامة الزائفة ليست شريرة دائما
رغم أنها قد تبدو مصطنعة، إلا أن الابتسامات الاجتماعية تخدم أغراضا مهمة، منها:
تلطيف المواقف المحرجة.
التعبير عن المجاملة أو الأدب.
تخفيف التوتر في المواقف الصعبة.
إظهار الخضوع أو الاحترام في السياقات المهنية.
وهذا ما يُعرف بـ"العمل العاطفي" (Emotional Labour)، أي التحكم في التعابير العاطفية لتتماشى مع التوقعات الاجتماعية أو المهنية.
- الآثار الجانبية للعمل العاطفي
تشير الدراسات إلى أن الابتسام بشكل مستمر دون شعور حقيقي بالسعادة قد يؤدي إلى إجهاد نفسي، وهذا الأمر شائع في الوظائف الخدمية، حيث يُطلب من العاملين المحافظة على تعبيرات ودودة، ما قد يُفضي إلى:
التوتر المزمن
الإرهاق العاطفي
مشاكل في القلب والأوعية الدموية
- في عصر الذكاء الاصطناعي: كيف نُبرمج التعاطف؟
مع تطور التكنولوجيا، أصبحت الابتسامات المبرمجة جزءا من الواجهات البشرية المزيفة، مثل المساعدين الافتراضيين. لكن التحدي يكمن في أن هذه الابتسامات الرقمية تفتقر إلى التفاصيل الدقيقة مثل تجاعيد العين، ما يجعلها تبدو غير صادقة.
والنتيجة؟ لا تزال أعين البشر هي المعيار الذهبي للحكم على صدق المشاعر.
- عندما تشك في الابتسامة … راقب العينين
في المرة القادمة التي تحاول فيها تحليل ابتسامة شخص ما، لا تكتفِ بالنظر إلى الفم. انتبه للعينين، فعضلة "Orbicularis oculi" نادرا ما تخدعك.

