بقلم: عدنان علامه/ عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين
في تحول لافت في مسار الرد الإيراني على العدوان الإسرائيلي، شهدت مدينة بئر السبع في جنوب فلسطين المحتلة ضربة صاروخية بالغة الدقة طالت محيط مركز القيادة الاستخباراتية الإسرائيلية قرب مستشفى سوروكا، أكبر المنشآت الطبيةالعسكرية في الجنوب. وبينما كانت التقديرات الإسرائيلية المعلنة حتى منتصف يونيو تشير إلى عشرات الإصابات فقط، أعلنت مصادر إعلامية إسرائيلية، على نحو مفاجئ أمس، عن ارتفاع عدد الجرحى إلى نحو 2500 مصاب. الأمر شكّل صدمة في الرأي العام الإسرائيلي وأعاد رسم صورة المشهد الأمني داخليًا.
فما جرى لم يكن مجرد استهداف تقليدي. وتشير المعطيات الأولية إلى أن الصاروخ الإيراني أصاب هدفًا عسكريًا محصنًا بعناية،وهو من أهم مراكز القيادة الاستخبارية المرتبطة بعمليات إدارة المعركة الجوية.
وقد إتخذ العدو مستشفى سوروكا الضخم بتجهيزاته وبنائه ساترا لنشاطه العملياتي بحيث يبدو المبنى وكأنه مبنى ملحق بالمستشفى لا يلفت الأنظار.
فتدمير مركز إستخبارات العدو جعل الأثر التفجيري والعصف الناتج عن إنفجار الصاروخ الإيراني يُسجّل دمارًا واسعًا، طاول واجهة المستشفى بالكامل والبنية التحتية الطبية، وأدى إلى سقوط عدد كبير من الجرحى بفعل الشظايا والانفجارات الثانوية، وحالات الهلع الجماعي، خصوصًا مع ازدحام المستشفى بالكوادر الطبية والمدنيين.
ونظرًا للخسائر البشرية الفادحة داخل المركز؛ أمرت القيادة السياسية مباشرة بتصعيد إعلامي إسرائيلي غير مسبوق، اتهم إيران باستهداف منشآت طبية، وأنها نفذت جريمة حرب في محاولة واضحة لقلب الرواية وطمس حقيقة الإستهداف الدقيق جدًا جدًا خطأ يلامس الصفر.
وتمثل هذا الإنجاز الإيراني المميز، بحسب التقديرات الأمنية، إختراقًا استخباراتيًا مؤلمًا وضربًا موضعيًا في خاصرة الجنوب الاستراتيجية.
فاختيار الهدف وتوقيته وتركيبة القصف، كلها تدل على قدرة استخبارية دقيقة وتفوق تقني في تحديد نقاط الضعف العملياتية.
فالضربة التي طالت مركز قيادة العدو الإستخبارية في بئر السبع أعادت فتح النقاش في إسرائيل حول جدوى العدوان، وقدرة الجبهة الداخلية على تحمل تداعياته.
وأما الارتفاع الصادم في عدد الجرحى، فليس سوى نتيجة مباشرة لتكتم المؤسسة العسكرية عن حجم الأضرار الحقيقية خلال الأيام الأولى، إلى أن كشف العصف الأخير عمق الانكشاف الأمني.
لقد دخل الرد الإيراني مرحلة جديدة من الرسائل المركّبة: ضرب مراكز القيادة دون تجاوز الخطوط الحمراء التقليدية، واللعب على حافة التفوق التكنولوجي والاستراتيجي، وهو ما سيجبر إسرائيل – عاجلًا أم آجلًا – على إعادة حساباتها، ليس فقط في ساحة الجنوب، بل على امتداد خطوط دفاعها من النقب حتى البحر وسيلجمها عن إرتكاب أية خطيئة أو حماقة جديدة.
وإن غدًا لناظره قريب
20 حزيران/يونيو 2025


