اثنا عشر يومًا والعالم كلّه يحشد ضد إيران: وإن تولّت أميركا وإسرائيل الـ.ـعـ.ـدوان العسـ.ـكري المباشر، فقد تولت الـ.ـعـ.ـدوان الإعلامي ترسانات متعدّدة الجنسيات، وأشدُّها لؤمًا وتضليلًا كانت تلك الناطقة بالعربية، في خضمّ مساعيها للتعبير عن مَلَكِيّةٍ أكثر من الملك نفسِه؛ووسط رهانها على حتمية هزيمة إيران، وإسقاط نظامها وتفكيكه، مع تحقيق سائر الأهداف المعلنةِ للحرب عليها؛من تدميرالمشروع النووي إلى إنهاء المقدّرات الصـاروخية.
العجبُ أنّ هؤلاءلم يفكّروالحظةً في إمكان أن تُهزَمَ إسرائيلُهُم، فعقولُهم صارت مبرمجةً على عدمِ استيعابِ هكذا احتمال.
وعليه، بنى هؤلاء المساكينُ أمالًا وأوهامًا فاقت فداحةُ حُطامِها مشاهدَ الدمارِ في كيانِ الِاحتِـ ـلال.
وللمناسبة، حتى تلك المشاهدُ غيرُ المسبوقة، لم تنبّهْهُم إلى احتمالِ أن تنتصرَ إيرانُ في معركةِالدِّفاعِ عن سيادتِهاوكرامة شعبها ووجودها.. تعاملوا مع فكرة: "نهاية الجمهورية الإسلا مية في إيران" وكأنّها، كما توهّموا،واقعٌ قد تمّ واكتمل، وبدأوا في الإعداد لمرحلة ما بعد الهزيمة، حتى صحَوْا، في صباحِ الأمسِ، على صفعةٍ غيرِ مُتَوَقّعة: انتصرت إيران!
قبل ذلك؛ كان أحدُهُم قد تعهّدَ أن يحتفلَ في ساحةِ طهرانَ بسقوطِ النظامِ في إيران، واستغرقَ في أوهامِهِ، حتى ظَنَّ في لحظةٍ أنّ جِهاتِ العالمِ الأربعِ تنتظرُ إشارتَهُ المعلنة: "سقوطَ النظام في إيران"، لِتحتفلَ معهُ في ساحةٍ احتفلَ فيها، مساءَ أمسِ، الشعبُ الإيرانيُّ العظيمُ بنـــصـرِه، بِكُلِّ أطيافِه، بكل تَوَجُّهاتِهِ السياسية، وبكل أبنائه المُلْتَفِّينَ حولَ قيادَتِهِمُ الرّشيدةُ العظمى.. وكان مشهداً يفوقُ مشهدَ دمارِ تل أبيبَ إيلامًا في قلوبِ الذينَ خابَتْ آمالُهُم، ودخلوا في مُستنقَعِ الخيبةِ الموجعة، لأنَّ العالم المستكبر كله عَجَزَ عن تحقيقِ أيٍّ منَ الأهدافِ المعلنةِ لِلحربِ على إيران.
وقبل أيام قليلة، أراد عميلٌ نَذلٌ اسمُه مارسيل غانم، أن يقتنصَ فرصةً تاريخيةً للحديثِ عنِ السلام، بعد أنْ ساقَهُ الوهمُ "بحتميةِ انتصارِ إسرائيل" إلى الترويجِ لأفكارٍ تطبيعيةٍ مُعادية، وضُبِطَ بجريمةِ الترويجِ لِمُخَدِّرِ "السلام"، على وَقْعِ القصــفِ والنار!
ببساطةٍ، حسم غانم في ذهنه احتمالًاوحيدًالِنِهايةِ هذه الحرب: ستربحُ "إسرائيل"، وافترض أنَّ "هزيمةَ إيران" واقعةٌ لا مَحالَة، ومعها سيُهْزَمُ حِزبُ الله وكاملُ مِحوَرِ المقاومة.
وبناءً على ما ورد في ذهنه؛ قال: "الحديث عن السلام ضرورة، دخلنا في عصرٍ مُختلف، لم تعدْ فيهِ إسرائيلُ وجهةَ نظر، ومَنْ يعتبرُ أنَّ مشاهدَ الدمارِ انتصارًا، فَلْيَتَذَكَّرْ أنَّ مظلومِيَّةَ اليهودِ بَنَتْ لهم دولةً على أنقاض فلسـطين".
الإعلاميُّ المعروفُ بعداوتِهِ للمــقاومة وكلِّ ما يُمَثِّلُها، ذهب في حديثِهِ هذا إلى ما هو أبعد بكثيرٍ مِنُ العِداءِ لِأبناء جلدته، إنْ صحَّ القول، وتجاوز فكرةَ الترويجِ للتطبيعِ انطلاقًا من وجهةِ نظرِه، وبلغ مرحلةَ أنَّ مَشاهِدَ الدمارِ في تل أبيب لا تُعَبِّرُ عنِ انتصارٍ لإيران؛ و إنّما هي محضُ انعكاسٍ لمظلوميةٍ يتعرَّضُ لهاالصـهاينة!
ويطولُ حَبْلُ الأسماءِ التي ظلّت، طوالَ اثْنَيْ عشرَ يومًا تنعقُ، تماماً كالغربان، فوق الحَدَثِ العالميّ المُتَمَثِّل بمعركةٍ أرادَها الأميركيُّ صدمةً قاتلةً تقطعُ رأسَ مِحوَر المقاومة..
وتطولُ لائحةُ الأوهامِ المنطوقةِ التي سالت شغلت معظم مِنَصّات التواصل، وجميعُها تفوحُ بأوهامٍ معزّزةٍبالأضاليلِ،وبتعميةٍواضحة عن مؤشِّراتِ الهزيمةِ الأميركيةِ الإسرائيلية..
وكذلكَ كُثرَتْ منشوراتُ الشماتةِ والتَّشفَّي بمشاهدِ الـ.ـعـ.ـدوانِ على الجمهورية الإسلاميّةِ في إيران؛ بموازاةِ تَجاهُلِ، أو تكذيبِ مشاهدِ الدمارِ الهائلِ في كيانِ الاحتــلال.
أضِف إلى أنّ نشاطَ المنافقين المروِّجينَ للدعاية الصهـــيونــية عن المعركة، بحرفيتها، من دون حتى محاولة تعريبها أو تمويهها: نقلوا ما كان يرد على ألسنة المتحدثين باسم جيش الاحتـ ـلال؛ وسوّقوها كحقائقَ دامغة، حتى فاقوا هذا الجيشَ كذبًا ونفاقًا، ولا سيما في ما يتعلق بالبُعْدَيْنِ الأخلاقي والإنساني اللَّذَيْنِ بحسبِ ما يدّعي قـ.ـتلةُ الأطـ.ـفال ومرتكبو المجـ ـازر،في المستشفيات والبيوت، ومراكز النزوح وتوزيعِ المساعدات!
ملامح اللوعة على وجهِ صهاينةِ "إسرائيلَ" وهم يتجرّعون كأسَ الهزيمةِ المُرّةِ وغيرِ المسبوقة، أثْلَجَتْ قلوبَ أهلِ المـ..ـقاومةِ والحقّ، في كلّ الأرض، وكانت فاضحةً على الرّغمِ مِنَ المساعي العالميةِ لتجميلِها وتلطيفِها وتظهيرِها كانتصارٍ يعرفونَ، هم قبل سواهم، أنّه وَهْمٌ في وَهْم.
ولعلَّ لوعةَ "المُستغرِبين"، أي الذائبينَ في الوهمِ الغربي، مِنَ العربِ واللُّبنانِيينَ خصوصًا، كانت أشدَّ حُضورًا وظهورًا، وفاقت خيبتُهُم، بأضعافٍ، خيبةَ الصـ.ـهاينة، بل خيبةَ الغربِ كُلِّه، إذْ قد راهنوا،بكلِّ مايملكون، على حصانِ "ترامب- نتنياهو"، فعادَ الحصانُ مُنْكسرًا عندَ أعتابِ جمهوريةِ الحقِّ السّاطع القويّ..


