كتب الأستاذ حليم خاتون: عندما يصير الفيل حماراً، وعندما يقود الحمار مجتمع الفيلة
أخبار وتقارير
كتب الأستاذ حليم خاتون: عندما يصير الفيل حماراً، وعندما يقود الحمار مجتمع الفيلة
حليم خاتون
8 تشرين الثاني 2020 , 22:53 م
كتب الأستاذ حليم خاتون: عندما يصير الفيل حماراً،وعندما يقود الحمار مجتمع الفيلة... الكل سمع بالتأكيد، أو قرأ، أن شعار الجمهوريين في اميركا هو فيل، بينما يتخذ الديموقراطيون من الحمار شعارا لهم. و

كتب الأستاذ حليم خاتون: عندما يصير الفيل حماراً،وعندما يقود الحمار مجتمع الفيلة...

الكل سمع بالتأكيد، أو قرأ، أن شعار الجمهوريين في اميركا هو فيل، بينما يتخذ الديموقراطيون من الحمار شعارا لهم.

والكثيرون عندنا سخروا من هذه الرمزية، فلا الحمار يعجبهم ولا الفيل.

فنحن قوم لا نقبل بأقل من النسور التي تحلق عالياً في السماء، أو الأسود التي تبطش بالرعية.

لذلك،كان أنور السادات، كما الكثيرون من قادة هذه الامة، يلبسون دوماً ثياب الماريشالات المرصعة بالنجوم والأوسمة التي تدلّ على ""عظائم انتصاراتهم""، ويحملون عصا السلطة التي لن ترحم من يخرق
قوانين الغاب السائدة على امتداد هذاالوطن العربي الكبير.

ما علينا.
في أيام أميركا العصيبة هذه، سوف نحاول نسيان ملوك ""العزّة"" عندنا، ونتفرّغ قليلاً لدونالد ترامب الفيل، وإلى جوزيف بايدن الحمار، مع الإعتذار الشديد سلفاً، عن التشبيه والتشابه.

ربما يكون أوائل الجمهوريين اختاروا الفيل للإشارة إلى ثقل وزنهم في السياسة.

ربما يكونوا اختاروا الفيل،لأن أن دبّته على الأرض ترهب الأقليات من غير البيض، أو من غير المؤمنين الحقيقيين القابعين خارج الدين  الوحيد الصحيح، البروتيستانتية.

لكنهم، على الأقل،  الأوائل منهم، لم يكونوا يتوقعون أن يأتي رجلُ، كاوبوي، من بين أرجل البقر، له عقل ثورهائج،وثقافته لاتزيد كثيراعلى ثقافة البقر، كما هي أصلاً، ثقافة الكاوبوي؛
ما كانوا يتوقعون أن يأتي رجلٌ بهذه العنجهية، وهذا الإضمحلال الفكري، ليحكم أميركا، بعقل حمار، ودبّة فيل.

في المقابل، كان أوائل الديموقراطيين على حق، حين اتَّخذوا من الحمار شعاراً لهم، لأن رجال السياسة، في أميركا،يجب أن يكونوا دوماًمن مجتمع الحمير كي يطيعوا دوماً الحكّام الفعليين، الذين يحركون الحبال من خلف الستار.

يُحب المحللون أن يُعطوا هؤلاء الحكٌام، صفة الدولة العميقة.

الدولة العميقة في أميركا لم تكن دوماً هي ذاتها.

في بداية مجيء الأوروبيين إلى القارة الجديدة، كانت الدولة العميقة تتألف من مجموعات من قطعان المستوطنين الذين يقتلون أصحاب الأرض الأصليين وينهبون أملاكهم، حتى زاد مجموع من قُتل من السكان الأصليين على المئة مليون إنسان.

تطور المجتمع الأميركي، وتطورت معه الدولة العميقة.

تطور الدولة العميقة، هو في أساس الخلاف القائم اليوم في الولايات المتحدة الأميركية.

يمثل دونالد ترامب الدولة التي كانت عميقة في النصف الثاني من القرن العشرين؛ يوم كانت صناعة السلاح، والصناعات البترولية والبيتروكيماوية،
وصناعة السيارات وغيرها من الصناعات الثقيلة؛ يوم كانت هذه التروتستات الكبرى هي التي تقرر من يعيش ومن يموت على الأرض الأميركية، مثلها مثل المافيا.

إلا أنَّ القرن الماضي أفل، وأخذ معه أدوات الدولةالعميقة القديمةالثقيلة الوزن، كما الفيل.

وخرجت إلى العلن مع هذا الأفول، الأدوات الجديدة.

وهي كانت دائماً موجودة، ودائماً كانت  قوية، ولكنها لم تكن بهذه السطوة التي أخذتها مع نهايةالقرن الماضي وبداية القرن الحالي.

إنها سلطة رأس المال، لكن هذه المرة، هي سلطةقائمةبحد ذاتها.
هي المال نفسه، هي المصارف، هي وول ستريت.

خير من يمثل هذه الدولة العميقة الجديدة، هو الطبقة الرأسمالية الأكثر حداثة، والتي ركب موجتها الديموقراطيون.
هم ديموقراطيون لا يُفرقون بين صاحب مال وصاحب مال آخر، مهما اختلف العرق أو اللون أو الدين، إلى حدّ كبير.

منذ القدم، والمقولة تقول: إنَّ راس المال، ليس له وطن.

كانت أميركا قد ارتفعت بهذا الشعار إلى مستوى العولمة.

هذه الدولة العميقة، جُلُّ همها زيادة رأس المال.

المال يُنتج المال. 
يتكاثر المال، دون النظر إلى أي إنتاج مادي على الأرض. 

جاءترامب،وأراد رفس العولمة.

أراد إنهاء سيطرة المال الذي لا هوية له.
أراد إعادة هذا المال إلى الهوية الأميركية.

لكن،هذا ضد المنطق.
المال، ليس له هوية.
لذلك هو يخترق الحدود ويسيطر على كل البلاد.

هو طبعا، يتبع لأهله.
أهل المال هم من أصحاب المليارات المنتشرون، في كل دول العالم، لكنهم يتمركزون في الولايات المتحدة.

العيش هناك يناسبهم.
مالهم يدور حول العالم ويعود إليهم مضاعفا.

هم لا يهمهم، اختناق صناعة ما، أو تشرد عمال أو تسريح موظفين، حتى لو حصل ذلك في أميركا نفسها.

هؤلاء يفتشون عن الربح، فقط الربح؛ حتى لو كان ذلك يعني التعامل مع الأعداء.
 حتى لو كان هؤلاء الأعداء، الصين، أو روسيا، أو إيران.

صحيح أن رأس المال هذا، فيه كثير من "اليهود"؛ 
لكن قدسية إسرائيل بالنسبة إليه، تأتي من خدمتها له ودفاعها عن مصالحه، وليس العكس.

حتى فقراء اليهود، هم أيضاً في خدمة هذه السلطة المالية.

يُشبعونها بالعقيدة الصهيونية لحاجة رأس المال لها.

الفيل يهتم لإسرائيل من منطلقات عقائدية توراتية وإنجيلية، لأن المسيح سوف يعود إلى فلسطين ليقيم مملكة الرب من جديد، حسب المعتقد التوراتي الإنجيلي التافه.

والحمار يهتم لإسرائيل، لأنها القاعدة التي تمنع المنطقة من التحرر من نير السيطرة المالية العالمية. الحمار يستعمل اليهود ليقاتلوا العرب من أجل سيادة رأس المال. لذلك هو يهتم لإسرائيل، وليس لأية أسباب عقائدية دينية تافهة.

الحمار في أميركا، أذكى من الفيل.
الحمار في أميركا، ينظر إلى كل البشر بنفس العين.

الكل يجب أن يكون في خدمته، خدمة رأس المال.

عنده لا فرق بين أبيض أو أسود أو آسيوي أو لاتيني؛
المهم، أن يكون ضمن آلة رأس المال.

الفيل، غبي.
يريد فقط سيطرة العرق الابيض.
يرفض أن تنتهي طبقة العبيد.
يرفض أن يُساوى اللاتيني، أو المسلم بالعرق الأبيض.
الفيل بدأ منذ مئات السنين، لكنّ زمانه انتهى. 

آخر أيامه كانت في القرن الماضي.

هل يرفس الفيل كل شيء؟

في مجتمع الفيلة، كثيرون  من الذين صاروا حميرا ولا يريدون رفس كل شيء, هم يريدون المزاوجة بين مجتمع الحمير ومجتمع الفيلة, لكن أكثرية الفيلة لا زالت تدبّ في الأرض، وترفض أن يقودها حمار.

أما العالم، بقية هذا العالم، مصلحة حميره تلتقي مع مصلحة الحمار الأميركي، وتنتظر وتصلّي لنجاحه.

لكن مصلحة عالم الفقراء، مصلحة عالم مساكين هذا الكوكب،
هي في تعارك الحمير والفيلة في أميركا.

في تعارك الحمير والفيلة، سوف ينام الظلم الأميركي المتوحش، وينام كلابه في فلسطين والجزيرة  العربية، وبقية العالم الثالث.
من يعرف؟
ربما يخرج من هذا العراك مَن يعيد إلى تمثال الحرية
شيئاً من العدالة والإنسانية.
من يعرف؟ ربما..

المصدر: مموقع إضاءات الإخباري