توصل فريق من الباحثين إلى أدلة تشير إلى تشابه لافت بين تجارب الاقتراب من الموت وبين تأثيرات مادة مخدرة تعرف باسم ثنائي مثيل التربتامين (DMT)، مما يفتح آفاقا جديدة لفهم الوعي، والموت، والأبعاد النفسية العميقة للعقل البشري.
- ما هو DMT ولماذا يثير كل هذا الاهتمام؟
DMT هو مركب كيميائي مهلوس، يُفرَز بكميات ضئيلة في دماغ الإنسان، وتوجد كميات وفيرة منه في بعض النباتات، خاصة تلك التي تُستخدم تقليديا في طقوس الشعوب الأمازونية، وغالبا ما يبلغ تأثيره ذروته خلال دقائق معدودة بعد الاستهلاك، لكن التجربة التي يمر بها المتعاطي تكون عميقة ومكثفة، وتُقارن غالبا بتجارب الاقتراب من الموت.
- تشابهات غامضة بين التجربتين
تشير الدراسة المنشورة حديثا إلى أن الأشخاص الذين خاضوا تجارب اقتراب من الموت يصفون مظاهر متماثلة مع متعاطي DMT، منها:
رؤية أنوار ساطعة ومبهرة.
الانفصال عن الجسد والشعور بالتحرر منه.
الإحساس بالسلام والطمأنينة العميقة.
استرجاع سريع للحظات من الحياة.
إلا أن هناك فروقا دقيقة ظهرت في التحليل، حيث بدت تجارب الاقتراب من الموت أكثر ارتباطا بالسياق الشخصي والذكريات، بينما تميزت تأثيرات DMT بطابع كوني وتجريدي وغالبا ما ترافقت مع رؤى رمزية أو روحانية.
- دراسة ميدانية ... خارج حدود المختبر
ما يميز هذه الدراسة هو أنها لم تُجرَ في مختبرات مغلقة، بل اعتمد الباحثون على جمع البيانات من بيئات مألوفة وطبيعية. فقد تناول 36 متطوعًا جرعات محسوبة من DMT في منازلهم، وتم تسجيل تجاربهم بدقة من خلال أدوات بحثية متقدمة، لتحليل ومقارنة الظواهر الذهنية التي مروا بها.
- ماذا يحدث في الدماغ أثناء التجربة؟
يفترض الباحثون أن DMT يعمل من خلال تنشيط مستقبلات السيروتونين، ما يؤدي إلى تغييرات في الإدراك والوعي، لكن لا يزال السؤال قائماً:
هل يُفرز DMT طبيعياً في الدماغ أثناء اقتراب الإنسان من الموت؟
هناك نظريات تُرجّح أن نقص الأكسجين أو تلف الخلايا العصبية أثناء الموت السريري قد يعزز تأثير DMT الداخلي. لكن منتقدين لهذه النظرية يرون أن التركيزات الطبيعية منخفضة جدًا لإحداث تجارب بهذه القوة، مما يعيدنا إلى نقطة الصفر في فهم هذه الظاهرة.
- نوع غير تقليدي من تجارب الاقتراب من الموت
في مفاجأة مثيرة، كشف فريق البحث عن نوع جديد من تجارب الاقتراب من الموت، حيث وصف بعض الأفراد رؤى تطابق تقريبًا ما يمر به متعاطو DMT، ما يدفع العلماء للتفكير في تأثير الخلفية الثقافية أو الفروق البيوكيميائية الفردية على شكل التجربة.
- من العلم إلى العلاج: إمكانات نفسية واعدة
من أبرز ما توصلت إليه الدراسة أن العديد من المشاركين أفادوا بأنهم شعروا بعد التجربة بـ:
انخفاض كبير في الخوف من الموت.
تغير عميق في النظرة الوجودية للحياة.
شعور بالسلام الداخلي والطمأنينة.
وتشير هذه النتائج إلى إمكانية استخدام DMT أو تجارب مشابهة له بشكل خاضع للرقابة، ضمن برامج علاجية موجهة لعلاج القلق الوجودي والاكتئاب، لا سيما لدى المرضى الذين يعانون من أمراض مميتة.
- بين الماضي والحاضر ... لقاء غير متوقع
اللافت أن هذه المعطيات الحديثة تتلاقى مع الحكمة التقليدية القديمة، إذ لطالما استخدمت قبائل الأمازون نباتات تحتوي على DMT في طقوس روحية عميقة للتواصل مع "العالم الآخر"، ما يطرح احتمال أن البشرية كانت على دراية بهذه الحالات العقلية الغامضة منذ قرون طويلة.
في ضوء هذه الأبحاث المتقدمة، يجد العلماء أنفسهم على أعتاب ثورة معرفية قد تعيد تعريف مفهوم الوعي الإنساني وحدود الحياة والموت. وبينما لا تزال الأسئلة كثيرة، فإن الدراسة تفتح الباب على مصراعيه لفهم ما كان يوما يعتبر غموضا مطلقا في النفس البشرية.