ترامب و
مقالات
ترامب و"الضرائب العقائدية"؛ بين الكهنوت السياسي وجنون العظمة
عدنان علامه
2 آب 2025 , 11:40 ص

بقلم: عدنان علامه - عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين

في لحظة سياسية مشحونة بالأزمات العالمية والانهيارات الأخلاقية، يتصرّف الرئيس الأميركي ترامب كما لو أنه المبشّر المنتظر في السياسة الدولية. لا تقتصر خطورته على قراراته الاستراتيجية، بل تتعداها إلى سلوك شخصيّ يعكس اضطرابًا نفسيًا مركّبًا، يظهر في كل تفاصيل شخصيته، حتى في توقيعه بالقلم العريض على قرارات تكاد تكون بحجم إعلان الهيمنة الكونية.

ففي 27 أيار/مايو الماضي، أعلنت تل أبيب صراحة أن 800 طائرة و140 سفينة محمّلة بأسلحة أميركية وصلت تباعًا منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 ضمن "جسر جوي وبحري" دعمًا لإسرائيل في حربها على غزة، ثم ضد محور المقاومة.

وبحسب الأرقام الرسمية الإسرائيلية، فقد نقلت هذه الرحلات 90 ألف طن من المعدات العسكرية. وقد يُخيَّل للوهلة الأولى أن هذا رقم ضخم. لكن الحقيقة الصادمة هي أن هذا الرقم لا يمثل سوى 2٪ فقط من إجمالي الحمولة الحقيقية هي ما يزيد عن 39مليون طن‼️‼️‼️‼️‼️

ونشر الرئيس ترامب هذا التصريح على منصة تروث سوشال في 29 مايو 2025 : "إنه في مهمة من الله ولا شيء يمكن أن يوقف ما هو قادم"، وذلك بعد الإعلان إكتمال

َالجسرين الجوي والبحري، وبعد قرار محكمة التجارة الدولية ضد تعريفاته الجمركية العشوائية.

ف​هذه التصريحات تعكس إيمان ترامب بأنه تم اختياره من قبل قوة عليا لإنقاذ أمريكا.

فتراَب ومعظم حكام العالم ينتمون إلى الصهيونية المسيحية؛ وهي حركة مسيحية تؤمن بأن قيام دولة إسرائيل عام 1948 هو تحقيق لنبوءات الكتاب المقدس، وأن دعم إسرائيل واجب ديني، وأن ذلك يدعم وصول المسيح الثاني إلى الأرض، وفقاً لموقع ويكيبيديا.

وتعتبر هذه الحركة أن دعم إسرائيل ومواقفها هو جزء من الإيمان المسيحي.

وَمن المفاهيم الرئيسية:

أ - الصهيونية:

وهي حركة سياسية تهدف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين.

ب-الصهيونية المسيحية:

دعم مسيحي للصهيونية، يعتقد أتباعه أن قيام دولة إسرائيل وتحقيق النبوءات الكتابية مرتبطان ببعضهما البعض. وأن إسرائيل الكبرى أمر واقع وتحقيق المدينة العالمية تكون السيطرة فيها لأَمريكا وإسرائيل فقط؛ بعد تدمير الدول والمحاور الاقطاب والتكتلات السياسية والأقتصادية حول العالم ليبقى قطب واحد فقط. وتصرفاته ترامب تصب في هذا الإتجاه.

1- الضرائب كسلاح توراتي

من أبرز سمات "العهد الترامبي"، استخدام الضرائب والعقوبات الاقتصادية كأداة عقائدية لمعاقبة الدول التي لا تتبنى المشروع الصهيوني التوراتي. فقد أصبحت الدول التي ما تزال تدعو إلى "حل الدولتين" هدفًا مباشرًا للعقوبات الجمركية والمالية، لا بسبب مصالح أميركية مباشرة، بل لأنها – في نظر ترامب – تتجرأ على التشكيك في "الوعد الإلهي" الذي يمنح إسرائيل السيادة على كل الأرض بين النيل والفرات.

وهكذا، لم تعد السياسة الأميركية أداة قوة، بل تحوّلت إلى كهنوت توراتي يفرض عقيدته على العالم بالضرائب والتهديدات.

2- الخليج وإعادة صياغة الولاء

أما في منطقة الخليج، فقد تحوّلت السياسة الترامبية إلى عملية ابتزاز منظم: تطبيعٌ مقابل الحماية، شراءُ السلاح مقابل التخلي عن فلسطين. ووقّعت بعض الدول الخليجية اتفاقيات مع إسرائيل تحت غطاء "السلام"، بينما كانت الحقيقة أن وجودها السياسي أصبح رهينة لإملاءات واشنطن وتل أبيب.

والرسالة كانت واضحة: لا دولة فلسطينية، ولا شبر خارج حدود "إسرائيل الكبرى"، وإلا... فالعقوبات تنتظركم.

3- أوروبا تحت ضغط الرسوم العقائدية

حتى الدول الأوروبية، التي كانت تاريخيًا تُجاهر بدعم حل الدولتين، تعرّضت لضغوط غير مسبوقة. فهدد ترامب بفرض رسوم على صادرات السيارات والأدوية، في محاولة لتطويع مواقفها لتتماهى مع الرواية الصهيونية.

ولم يعد المهم احترام قرارات الأمم المتحدة، بل فقط الانضواء تحت راية "صفقة القرن" وأخواتها.

وبهذا المعنى، لم تعد واشنطن تفاوض، بل تفرض فتاوى سياسية اقتصادية ذات صبغة توراتية.

4- من التوقيع إلى التشخيص: نرجسية تُدار بالقلم

ما يعزز هذا المشهد العقائدي، هو السلوك الشخصي لترامب نفسه، والذي يعكس – وفق علم النفس التحليلي – اضطرابًا نرجسيًا واضحًا. توقيعه وحده بات مادة تحليل لعلماء النفس. يستخدم قلمًا ضخمًا وخطًا عريضًا يمتد بعرض صفحة A4 كاملة، في مشهد استعراضي يشي برغبة مفرطة في فرض الذات بصريًا كما يفرضها سياسيًا.

فالخبراء، ومنهم د. جون غارتنر من جامعة جونز هوبكنز، يشيرون إلى أن هذه الطريقة في التوقيع ليست مجرد ذوق شخصي، بل مرآة لاضطراب نرجسي مرضي، يتسم بجنون العظمة، وحاجة لا تنتهي لتأكيد الذات وفرض السيطرة.

فالحروف الحادة، الخط المتشنج، والقلم الغليظ... كلها تعبيرات عن شخصية ترى في كل قرار يوقعه تراَمل إعلانًا بالسيادة الكونية.

5- تفريغ القانون الدولي وتحويله إلى تابع

في سياق موازٍ، عمل ترامب على نسف المرجعيات الدولية التي تستند إليها القضية الفلسطينية، مثل قرارات مجلس الأَمن، قرارت الأمم الأمم المتحدة، الأونروا والشرعية الدولية. فتم نسف القانون الإنساني الدولي، تجفيف تمويل الأونروا وتعطيل صلاحياتها، وتهديد المؤسسات الأممية، والتشكيك بكل تقرير لا يصب في مصلحة إسرائيل.

فما عاد القانون الدولي مرجعًا، بل بات يُفرّغ ويُخضع ليصبح أداة بيد "إسرائيل الجديدة" المدعومة من الدول السبع الكبرى ومعظم الدول الأوروبية والعربية أيضًا.

#الخاتمة:

ففي عهد ترامب، أصبحت الضرائب فتاوى توراتية، والتوقيع مرآةً لنرجسية سياسية، والاقتصاد أداة لتصفية كل من يعارض عقيدة "إسرائيل الكبرى".

لقد خرجت أميركا من عباءة الوسيط، ودخلت في كهنوت سياسي يمارس التبشير الصهيوني تحت غطاء قومي واقتصادي. لم يعد حل الدولتين خيارًا تفاوضيًا، بل صار جريمة فكرية يُعاقب عليها العالم باسم قلم ترامب... وخطه العريض‼️‼️‼️‼️

02 آب/ أغسطس 2024

المصدر: موقع إضاءات الإخباري