قصة اكتشاف الأكسجين.. من هواء النار إلى ثورة في فهم الحياة والاحتراق
منوعات
قصة اكتشاف الأكسجين.. من هواء النار إلى ثورة في فهم الحياة والاحتراق
2 آب 2025 , 12:54 م

في مثل هذا اليوم من عام 1774، شهد العالم ولادة واحدة من أعظم الاكتشافات في تاريخ العلم: غاز الأكسجين.
ففي تجربة غير تقليدية، قام العالم البريطاني جوزيف بريستلي بتركيز ضوء الشمس عبر عدسة قطرها 12 سنتيمترا على أكسيد الزئبق، ليتحرر غاز شفاف وعديم اللون لاحظ أنه يُشعل الشموع بقوة ويمنح الفئران قدرة أكبر على البقاء مقارنة بالهواء العادي.
وعندما استنشق بريستلي هذا الغاز بنفسه، شعر بخفة غريبة في صدره، دون أن يدرك أنه اكتشف عنصراً سيغير مجرى العلم والطب والتكنولوجيا إلى الأبد.
- نظرية الفلوجستون ... خطأ علمي قاد إلى الحقيقة
رغم أن بريستلي تمكن من عزل الأكسجين، فإنه أخطأ في تفسير طبيعته، بسبب تمسكه بـ نظرية الفلوجستون، التي كانت سائدة منذ عام 1667، وتفترض أن الاحتراق يتم عبر إطلاق مادة خفية تسمى "الفلوجستون".
ولذلك سمّى الغاز الجديد بـ "الهواء الخالي من الفلوجستون"، معتقداً أنه مجرد نوع نقي من الهواء.
- لافوازييه يعيد تعريف العنصر ويغيّر قواعد الكيمياء
في العام ذاته، أبلغ بريستلي نتائج أبحاثه إلى الكيميائي الفرنسي أنطوان لافوازييه، الذي أعاد إجراء التجارب في عام 1777، وتوصل إلى أن الغاز الجديد هو عنصر مستقل، وأطلق عليه اسم "أوكسجين"، المشتق من الكلمة اليونانية "oxys" والتي تعني "حامض".
وبهذا، دحض لافوازييه نظرية الفلوجستون نهائيا، وأثبت أن الأكسجين:
عنصر أساسي في الاحتراق والتنفس
يُكوّن 21% من الهواء الجوي
يتفاعل مع المعادن لتكوين الصدأ
- تداخلات واكتشافات متزامنة
يُذكر أن الكيميائي السويدي كارل فيلهلم شيل كان قد عزل الأكسجين في الفترة ما بين 1771 و1773، وأطلق عليه اسم "هواء النار"، إلا أن نتائجه لم تُنشر حتى عام 1777، مما أدى لاحقا إلى جدل حول أحقية الاكتشاف، خاصة بعد العثور في عام 1890 على رسالة من شيل إلى لافوازييه تُشير إلى اطلاعه على تجاربه.
- تطبيقات مبكرة: اللحام والنباتات والعلاج
لم يتوقف بريستلي عند الاكتشاف فقط، بل أجرى تجارب إضافية أظهرت خصائص الأكسجين:
الاحتراق المعزز: عبر نفخ الأكسجين على لهب صغير، لاحظ بريستلي أنه يتحول إلى لهب شديد الحرارة، ممهدًا الطريق لما يعرف اليوم بـ اللحام بالأكسجين والأسيتيلين.
التنفس النباتي: لاحظ في عام 1771 أن نبات النعناع يُنعش الهواء في جرار مغلقة، ما يسمح للفئران بالبقاء حيّة، واضعا بذلك اللبنة الأولى في فهم عملية البناء الضوئي.
العلاج بالأكسجين: افترض أن استنشاق هذا الغاز قد يعالج أمراض الرئة، وهو ما أصبح لاحقا حجر الأساس في العلاج بالأوكسجين الطبي الحديث.
- المفارقة الفلسفية: نعيش حياتنا بسرعة؟
رغم الحماس العلمي، تنبّه بريستلي إلى خطورة الاستنشاق المستمر للأكسجين الخالص، وكتب:
"كما تحترق الشمعة أسرع بكثير في هذا الوسط، كذلك يمكننا أن نعيش حياتنا بسرعة كبيرة."
ملاحظة فلسفية عميقة، اختزلت المخاوف من الإفراط في استخدام ما يُعتبر رمز الحياة.
بريستلي ... أكثر من مجرد كيميائي
لم يكن جوزيف بريستلي مجرد عالم كيمياء، بل كان:
لاهوتياً ومؤرخاً ومنظراً سياسياً
أول من اخترع الممحاة المطاطية
شخصاً وصفه لافوازييه بأنه "أعطانا مفاتيح عالم جديد"

المصدر: RT Arabic