كتب علي الدرواني:
مقالات
كتب علي الدرواني: "بيت العنكبوت.. لبنان يثبت عبارة شهـ..ـيده الأسمى".
علي الدرواني
4 آب 2025 , 12:10 م


عندما نصف "إسرائيل" بأنها "أوهن من بيت العنكبوت"، فليس ذلك من قبيل الشعارات العاطفية والتعبيرات الجوفاء، وإنما هو تعبير دقيق عن حقيقة عسـ.ـكر ية وسياسية تكشفها ممارسات هذا الكيان منذ نشأته حتّى اليوم، وكشفتها أكثر مع طـ.ـوفان الأقصى الذي كاد يقضي على الكيان المجرم المحـ.ـتل، لولا التدخل الأميركي والدعم الغربي لحمايته وإنقاذه ليقف على قدميه من جديد.

إن الهزة الكبرى التي حصلت لهذا الكيان تجعله يترنح إلى اليوم، فرغم أن "إسرائيل" تمتلك أحدث الأسلحـ.ـة وأكثرها فتكًا، من طا ئرات مـ.ـقاتلة متطورة وأنظمة دفاع جوي متقدمة وصوا ريخ ذكية، وتستفيد من دعم غير محدود من أقوى دول العالم — أميركا وأوروبا — إلا أن هذه الترسانة الضخمة لم تمنحها الثقة الكافية بالأمن المفقود، ولا بالردع الضائع، ولا تزال تشعر بالضعف والعجز والوهن. وكلما فكر قادتها المجرمون، ازدادوا إجرامًا وتوحشًا وصبّوا حمم تلك الأسلحـ.ـة على كلّ شيء في غزّة لقتـ.ـل النساء والأطـ.ـفال، وما حرب التجويع الأخيرة إلا جزء من هذا التوحش، وتعبير عن ذلك الخوف الذي لم يبارح عقلية قادتها المنهزمين من الأعماق.

هذه الحقيقة تتجلى في اشتراط واحد من أقوى الجيوش في المنطقة، عدةً وعتادًا وتدريبًا وتسلـ ـيحًا وتقنيةً، نقطة موضوع السـ.لاح ونزعه في غزّة أو لبنان، وحتّى جنوب سورية، رغم الفرق الهائل في التسلـ ـيح لصالح هذا الكيان الذي لا يقبل بوجود أي سـ.لاح —مهما كان بسيطًا— في يد خصومه.

هناك حقيقة تقف خلف هذه الشروط؛ إذ لو كانت "إسرائيل" قوية حقًا بما يكفي لحماية نفسها وردع أعدائها، لما كان شغلها الشاغل هو نزع سـ.لاح هؤلاء الأعداء، حتّى البسيط منه، كالأسلحـ.ـة الفردية أو البنادق التقليدية مثل الكلاشينكوف.

إن الكيان الذي يمتلك أسلحة نووية وترسانة متطورة، ومع ذلك يرتعد من رصــاصة بندقية بسيطة، يكشف بنفسه عن هشاشته الداخلية، وخوفه المزمن من زوالِ وجودِه الذي يقوم أساساً على القوّة وحدها لا على الحق أو الشرعية.

بحسب تقارير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، تخصص "إسرائيل" نحو 4.5% من ناتجها المحلي الإجمالي للانفاق العسـكر ي، من بين أعلى النسب عالميًا.

وتمتلك واحدة من أكثر القوات الجوية تقدمًا، بأسطول يضمّ طائرات F - 35 الحديثة، إضافة إلى منظومات دفاع جوي معقّدة مثل "القبة الحديدية" و"مقلاع داوود".

كما يُقدّرُ أنّ لديها مخزوناً نووياً غيرَ مُعلنٍ يتراوح بين 80 و200 رأس نووي، بحسب مصادر غربية.

إلى جانب انعدام شرعية الوجود والحق في الأرض، فإن ضعف "إسرائيل" الحقيقي يكمن أيضًا في هشاشة كيانها من الداخل: مجتمع مفكك، تركيبة سكانية متنافرة، اقتصاد مرتهن للدعم الخارجي، واعتماد كامل على المظلة الغربية. لذلك، فهي تدرك جيدًا أن أي مـ.ـقاومة شعبية، ولو كانت بسيطة، قادرة على زعزعة صورتها وإفشال مشروعها.

إن بيت العنكبوت في ظاهره معقّد ومنسوج بدقة، لكنّه في حقيقته أضعف البيوت وأسرعها انهياراً أمام هبّةِ ريحٍ أو لمسةِ يد. وهكذا هي "إسرائيل" اليوم: ظاهرهاقوةٌتكنولوجيةٌ وعسكرية هائلة، وجوهرُها خوفٌ دائمٌ، من بندقيةِ مـ.ـقاومٍ، أو حجرِ طفلٍ يُلَوِّحُ بِحَقِّهِ في الأرضِ والحرية.

أمام لبنان،الذي يدّعي هذاالعدوّ أنّهُ حقق إنجازاً فيه - ولن نختلف هناأنه قدحقق فعلاًإنجازاًبِاغتيالِ قادة حــ.ـزب الله، وعلى رأسهم شهـ..ـيدالأمةالسـيـد نصـ.ـرالله- فإن هذا الإنجاز لا يزالُ غيرَ ذي مردودٍ على الكيان، من حيثُ الردعُ، أو توفيرُ الأمنِ على المدى القريب، فضلاً عن المديينِ: المتوسط والبعيد، حيث بَقِيَ هناك سـلاحٌ ومـقاومٌ ومـجاهدٌ قادرٌ على استخدامِهِ ضدّ هذا الـعـدوّ في أي وقت.

عندما وقف شهــيدُ الإسلامِ والإنسانية السـ.ـيـ.ـد حسن نصـ.ـرالله، في قلب مدينة بنت جبيل على الحدود الجنوبية للبنان، عام 2000، ثمّ كرّرها بعد انتصارِ المـقاومةِ في حرب تموز 2006، مستشهدًا بالآية القرآنية: "مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ" (العنكبوت: 41)، كان يضع يده على جوهر المفارقة التي تُعرّي هذا الكيان: بيتُ عنكبوتٍ متشابكُ الخيوطِ من الخارج، هشُّ الأساسِ مِنَ الداخل.

هذه العبارة، التي تحوّلت إلى شعار في الوعي الشعبي المقاوم، أصبحت لاحقًا عنوانًا لمفارقة القوّة الظاهرة والهشاشة البنيوية التي تحكم الكيان "الإسرائيلي" حتّى يومنا هذا.

المصدر: موقع إضاءات الإخباري