طوّر باحثون من المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو بالتعاون مع المركز الوطني الروسي للبحوث الطبية في التوليد وأمراض النساء والطب التناسلي، نموذجا مبتكرا لمحاكاة المشيمة يُعرف بـ"المشيمة على شريحة"، يتيح دراسة مضاعفات الحمل، ولا سيما تسمم الحمل (ما قبل الإرجاج)، بأمان ودقة بعيدا عن التجارب على النساء الحوامل أو الحيوانات.
تسمم الحمل: خطر متأخر مجهول الأسباب
يُعد تسمم الحمل من أخطر مضاعفات الحمل، ويظهر عادةً في مراحله المتأخرة، مصحوبا بارتفاع ضغط الدم، ووجود بروتين في البول، واختلال في وظائف الأعضاء، ويصيب هذا الاضطراب ما يقارب 8% من حالات الحمل عالميا، ورغم عقود من البحث، لا تزال أسبابه غير مفهومة بشكل كامل، كما لا يتوفر له علاج جذري حتى الآن، إذ تقتصر الجهود العلاجية على تخفيف الأعراض.
المشيمة ... عضو معقد لا يمكن اختباره بسهولة
من التحديات الرئيسية أمام الباحثين أن المشيمة عضو مؤقت لا يمكن إخضاعه للتجارب البشرية لأسباب أخلاقية، كما أن النماذج الحيوانية – مثل الفئران – لا تمثل بنية المشيمة البشرية بشكل دقيق. ولهذا، لجأ العلماء إلى تقنيات حديثة تعرف بـ"الأعضاء على شرائح" لتكوين نماذج خلوية تحاكي الوظائف الحيوية للأعضاء البشرية.
كيف تعمل "المشيمة على شريحة"؟
تقوم هذه التقنية على تصنيع شريحة صغيرة بحجم العملة المعدنية من مواد مثل البلاستيك أو الزجاج أو السيليكون، وتحتوي على قنوات دقيقة لمحاكاة حركة السوائل والمواد بين الأم والجنين. ويُستخدم هذا النموذج لمحاكاة تدفق الدم وتبادل المواد الغذائية والفضلات بطريقة قريبة جدا من الواقع.
وقد مكّنت هذه التقنية العلماء من إعادة إنتاج المراحل المبكرة لتكون المشيمة، بالإضافة إلى العمليات الأساسية لتطور مرض تسمم الحمل.
نماذج حيوية لفهم المرض وتخصيص العلاج
بحسب الدكتور يفغيني كنيازيف، رئيس مختبر الفسيولوجيا الجزيئية بجامعة الاقتصاد العليا، فإن المرحلة الأولى في البحث تتضمن تطوير نموذج يقيس نفاذية المشيمة، وهو أمر أساسي لتقييم فعالية الأدوية. أما المرحلة الثانية، فتشمل استخدام خلايا بشرية لتقدير احتمالية تطور المرض لدى كل حالة على حدة، خاصة لدى النساء المعرضات لمخاطر مرتفعة، مثل أولئك الخاضعات للتلقيح الاصطناعي أو ممن لديهن تاريخ عائلي للمرض.
الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة
تفتح هذه التكنولوجيا المجال لتجربة أدوية جديدة بأمان، وللتنبؤ بمسار الحمل ومضاعفاته المحتملة، مما يمكّن الأطباء من ابتكار خطط علاجية مخصصة لكل حالة.
ويأمل الباحثون أن تُدمج هذه التقنية مستقبلاً مع الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات الضخمة، إضافة إلى منصات اختبار دوائية آلية، لخلق بيئة متكاملة لتطوير علاجات آمنة وفعالة لمشكلات الحمل المعقدة.