قراءة قانونية في مقابلة الرئيس جوزاف عون مع قناة الحدث
مقالات
قراءة قانونية في مقابلة الرئيس جوزاف عون مع قناة الحدث
عدنان علامه
18 آب 2025 , 08:50 ص

عدنان علامه - عضو الرابطة الدولية للخبراء

إن مقابلة فخامة الرئيس جوزاف عون مع قناة الحدث طرحت رؤى سياسية عامة، لكنها أغفلت عمدًا أو سهوًا قضايا جوهرية تتعلق بالسيادة اللبنانية، وبما يُشكل خرقًا للدستور اللبناني ولقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. وعليه، أعرض الملاحظات التالية وفقًا للأدلة والبراهين القانونية:

لفت الرئيس عون إلى أن سلاح حزب الله والمقاومة هو شأن داخلي لبناني، واتفاق الطائف واضح بملف حصر السلاح.

فإن اتفاق الطائف (الوثيقة الدستورية المقرّة عام 1989) نصّ في البند ثالثًا على استعادة سلطة الدولة وفق آلية محددة تبدأ بـ: تنفيذ القرار 425، التمسك باتفاقية الهدنة لعام 1949، تحرير الأرض المحتلة، ثم نشر الجيش اللبناني جنوبًا بدعم قوات الطوارئ الدولية. وأي طرح لنزع السلاح قبل استكمال هذه الشروط هو خرق مباشر للدستور، وتجاوز لنصوص ملزمة لا اجتهاد فيها.

وأوضح الرئيس أن الورقة الأميركية هي خارطة طريق لاتفاق وقف إطلاق النار في العام 2024، وتم إضافات عليها.

ولكن القرار 1701 (2006) هو قرار صادر عن مجلس الأمن بموجب الفصل السابع، ملزم لجميع الأطراف، ولا يجوز لأي دولة، بما فيها لبنان، إدخال تعديلات أو إضافات عليه خارج إطار المجلس. وما قامت به السلطة اللبنانية بتاريخ 27 تشرين الثاني 2024 من قبول تفاوض غير مباشر عبر الولايات المتحدة وتقديم تنازلات، يعدّ مخالفة لنص القرار وإخلالًا بمبدأ السيادة، فضلًا عن تعطيل حق لبنان في الدفاع المشروع المنصوص عليه في نص القرار 1701 والمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.

وقال الرئيس: "النقاط الخمس لا تحمل أي قيمة عسكرية استراتيجية، وسنستخدم الدبلوماسية لتحريرها".

فالتلال الخمسة هي أراضٍ لبنانية محتلة، واحتلالها يُشكّل خرقًا صريحًا للمادة الأولى من الدستور التي تنص على أن "أرض لبنان واحدة لكل اللبنانيين". كما أن المادة الثانية تحظر التنازل أو التخلي عن أي شبر من الأرض. فالاستخفاف بأهمية هذه التلال يتناقض مع واجب رئيس الجمهورية في المادة 49 التي تلزمه "المحافظة على استقلال لبنان ووحدة أراضيه".

وأكد الرئيس أن الورقة لا تصبح نافذة قبل موافقة سوريا ولبنان وإسرائيل.

فهذا القول يتجاهل أن الحكومة اللبنانية أقرّت بالفعل "أهداف الورقة الأميركية"، في حين أن أي اتفاق مع دولة عدوة (إسرائيل) يحتاج إلى مسار دستوري محدد (المادة 52: فالمعاهدات الدولية تُعقد بالتفاوض من قبل رئيس الجمهورية وتُعرض على مجلس الوزراء، وتُبرم بمرسوم)، وتجاوز هذه الآلية عبر وسيط أميركي منحاز يُعدّ باطلًا دستوريًا، كما يشكّل مخالفة لمبدأ الفصل بين السلطات.

وأضاف الرئيس بأن الورقة تكون خطوة بخطوة، وأي خطوة لا تقابل بخطوة لا تُنفذ.

فلبنان التزم فعليًا بالقرار 1701، وأثبتت تقارير الأمم المتحدة أن المقاومة انسحبت من جنوب نهر الليطاني. وفي المقابل، إسرائيل لم تنفذ أي بند من القرار: فلم تنسحب من مزارع شبعا والغجر والتلال الخمسة، واستمرت في الاعتداءات الجوية والاغتيالات، ما يُثبت إخلالها الجوهري بالتزاماتها الدولية. وبالتالي فإن مبدأ "الخطوة بخطوة" غير قائم قانونًا.

وأكد الرئيس أن الورقة تضمنت الانسحاب الإسرائيلي وتحرير الأسرى وإنعاش الاقتصاد وإعادة الإعمار.

فمن هو الضامن؟ فلا وجود لأي ضمانة قانونية صادرة عن مجلس الأمن. والولايات المتحدة ليست طرفًا محايدًا بل منحازة بالكامل لإسرائيل، وتاريخها في وعود الكهرباء والغاز مثال حي على سياسة التضليل. وأي ربط للحقوق السيادية اللبنانية بمساعدات اقتصادية مشروطة هو انتهاك لمبدأ عدم جواز التنازل عن السيادة مقابل منافع (قاعدة راسخة في القانون الدولي).

وأكد الرئيس عون أنه لا أحد سيدافع عن لبنان إذا دخلنا في حروب لا تنتهي.

فالمادة 49 من الدستور تُحمّل رئيس الجمهورية بوضوح مسؤولية الدفاع عن وحدة الأرض، كما أن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تمنح لبنان حق الدفاع الفردي والجماعي عن النفس. والتخلي عن هذا الحق أو التقليل من قيمته لا يُسقطه قانونيًا بل يُدين السلطة بتهمة التفريط في الواجبات الدستورية.

واعتبر الرئيس أن الورقة الأميركية تحولت إلى "لبنانية" بعد إضافة ملاحظاتنا.

وهذا مخالف للدستور؛ فبيان مجلس الوزراء نصّ بوضوح على "إقرار أهداف الورقة الأميركية"، وهي بالتالي ليست مشروعًا لبنانيًا بل مشروعًا أجنبيًا مفروضًا؛ والمادة 65 من الدستور تحدد أن مجلس الوزراء يضع السياسات العامة للدولة "وفقًا للقوانين والدستور"، وأي انصياع لإملاءات خارجية يُعتبر تجاوزًا لصلاحياته.

وأوضح الرئيس أن لبنان كان أمام خيارين: الموافقة على الورقة أو العزلة. وأضاف: لم نتلقَ أي تهديد، إلا أن أميركا قالت إنها ستخرج لبنان من أجندتها إذا رفضنا.

هذا تناقض جوهري. فالتهديد بالعزلة السياسية والاقتصادية هو تهديد صريح؛ والمادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة تؤكد على مبدأ "المساواة في السيادة بين الدول". فقبول الإملاءات تحت التهديد يُعتبر مساسًا بهذه المساواة، ويضع لبنان في خانة الدولة التابعة لا الدولة المستقلة.

وفي المحصلة فإن مقابلة الرئيس جوزاف عون أظهرت تغييبًا متعمدًا لاحتلال التلال الخمسة، وتجاهلًا لاستمرار الخروقات الإسرائيلية للقرار 1701، وانحرافًا في تفسير إتفاق الطائف والدستور اللبناني. وأما الورقة الأميركية فهي مشروع مفروض يتعارض مع القرارات الدولية، ويمثل خرقًا جسيمًا للدستور اللبناني ولميثاق الأمم المتحدة.

وإن أي قبول به لا يندرج في خانة الدبلوماسية، بل في خانة التنازل غير المشروع عن السيادة، وهو جريمة دستورية تستوجب المساءلة.

وإن غدًا لناظره قريب

17 آب/ أغسطس 2025

المصدر: موقع إضاءات الإخياري