"الخزينة الحزينة“
أنا الخزينة، أحتضن الترليونات، ببركة العبادات والطاعات. كما يحتضن الكون نجومه، وأتوهج بالذهب والغاز كما تتوهج الشمس في كبد السماء. ومع كل نبضة في أعماقي، يثقل الحزن صدري على شباب وشابات الشهادتين. وكم منهم حاصلين على أرفع الشهادات، كم هم عطاش للعمل والإبتكار. أرى وجوهم في الظل، تتلوى بين صفحات البطالة، وتذوب أحلامهم في بحار الغربة والهجرة القسرية، حيث يواجهون أحيانا، هادم اللذات مفرق الجماعات. ويذوقون الذل أحيانا أخرى، كم تمنيت لو أن جزءا من عطاياي لم يرسل إلى طرقات بعيدة، بل أستثمر في أبناء جلدتي ”والأقربون أولى بالمعروف" لتزهر مشاريعهم، ويزدهر الوطن معهم، ويشع نور الأمل في قلوب الأسر، ويعلو مؤشر الزواج الحلال ويثبت الشبان على أرضهم، فتتحقق الغاية التي أوجدني رافع السبع الطباق لأجلها خصيصا ماتحمله أعماقي من عوائد الطاعات والعبادات.
كم يبدو جميلا: الخير، البهجة، والكرامة. والكرامة عين العلامة.
أحمل في داخلي الخيبة، فالترليونات التي أرسلت شيك على بياض، بلا حساب، صارت جسورا إلى مجرمون لايرحمون، جزء من عطاءاتي يذهب ليفتك بأجساد الرضع والخدج وتحويل أمهات، صابرات، محتسبات، عظيمات في بقعة مباركة إلى أشلاء. بقعة علمت العالم أجمع معنى الصمود والبسالة وذكي كل من فهم فحوى الرسالة في هذه المقالة.
أرى الجيل المحروم يركض خلف فرصة عمل، مشروع صغير ياأصحاب السمو والضمير، وأمل بسيط يرفع الرأس، وكل رقم في ثروتي يئن على مايهدر، وكل مافي صدري من أصفر لامع لايصدأ يتألم ولايستطيع أن يتكلم على مايسلب من أحلام الأحياء. اتذكرون قول رافع السبع الطباق: ”ولاتبخسوا الناس أشياءهم"
( المائدة: 2 ). كم أتمنى لو كانت أبوابي مفتوحة للخير، وتكون عطاءاتي جسورا للأمل، لاأدوات للقتل والظلم والتفظيع والترويع والتجويع.
أضحك أحيانا بالأرصدة المتلألئة، وأستعرض ألق عطائي، لكن في داخلي تبكي الطموحات وتئن النفوس. أرى الشباب خائفين من المستقبل، أتمنى لو أتحول من مجرد خزينة إلى جسر أمل، فتغدو طاقات الأمة قوة إقتصادية، وأحلام جامدة، أبناءها أمانا للمجتمع، وسعادة للأهل. كم يفرح الرحمن حين أفتح أبوابي للخير، وأقف معهم في مسيرة البناء والكرامة، فتتحول العوائد الفلكية من مجرد أرقام جامدة إلى وسيلة للفرح، لجبر الخواطر، خواطر أمة الشهادتين. لاأداة للقتل والإجرام أليس كذلك ياأصحاب الإحرام؟!
أتخيل نفسي جسورا للأمل، لاجدرنا للخيبة، ياصاحب الكرسي المرصع والهيبة. أفتح الرزق الحلال، وأحقق الأمن الإقتصادي وأدخل البهجة في قلوب الشباب والأسر. كم أحلم أن أكون وسيلة ليتحقق العدل، وتزدهر الأمة، أمة المليارين، فتتساقط القيود عن الطاقات المحبوسة، وتصبح المشاريع الصغيرة والجسور العلمية منارات الخير.
أتوق أن تتحول عطاياي إلى شعاع حياة، يشق طريقه عبر الظلام، لتكون الأجيال القادمة محمية، متعلمة، قوية، وقادرة على الصمود والصعود والإبتكار. وفي النهاية، أبقى الخزينة الحزينة، أتساءل عن مصيري: هل سأظل مجرد أرقام جامدة، أم سأصبح جسورا لأمل متجدد، لشباب قادرين على البناء والإبداع؟ كم أفرح حين أقف مع الإنسان، وأرى رقعة الخير تمتد، ويغدو المجتمع أمانا ورحمة، فتتحول الأموال من مجرد ثقل إلى وسيلة للخير والحياة. أحزن حين أرى جزءا مني يهدر في طرقات بعيدة، يمس أجساد البراءة ويطفئ نور الأمل، واتمنى لو أن كل ترليون مني يستثمر لصالح الأمة وشبابها وبناتها، فيفرح الحنان المنان ذو الجود والكرم والإحسان، وتبتسم الحياة. أنا الخزينة الحزينة، لكنني أؤمن: كل عطية محسوبة بحكمة، وكل إستثمار في طاقات الشباب، هو عبادة، ياأصحاب السمو والسعادة. ليكن كل ترليون مني جسورا للأمل، للبهجة، فتصبح الأموال أداة للحياة، لا للقتل والتدمير والتجويع والحصار والخراب وقطع الأعناق والرقاب،
مفكر، إعلامي سابق, وفنان شامل في الغربة.