لبنان ..
دولة التسامح والغفران
ونعمة النسيان
وهكذا فإن دولتنا العليّة تُثبت يوماً بعد يوم تحليِّها بالقيَم النبيلة .. بالتسامح والغفران .. ونسيان الأسيّة والأذيّة ..!!
حتى الجاسوس تعطيه الفرصة ليعود إلى ضميره ويكٌف عن التجسس .. ، وبعدها تُطلق سراحه ..دولتنا لا تهتم بصغائر الأمور .. فهذا المسكين ليس أكثر من جاسوس صغير ، يجمع المعلومات بمنتهى الإخلاص للكيان ويصوِّر الأماكن المطلوب إستهدافها من قبل العدو .. أمر غير مهم بالنسبة لدولة اللبنان.. فالسلطة معنيّة بما هو أهّم.. وبموضوع يتعلق بحماية الوطن .. منهمكة بمسألة تسليم سلاح المقاومة .. وكيف ستلبّي طلب أميركا وإسرائيل والعربان وغربان فينيقيا بزعامة كبيرهم الذي يتنسّم رائحة الدماء الطازجة مع كل إشكال يحصل في الوطن فيتجدد كما طائر الفينيق ليحقق حلمه برؤية الجماجم التي يحِّن للمسها .. !!
دولتنا مشغولة بإيجاد حل لترتاح من همِّ السلاح الذي حمى الأرض والعرض وحفظ الكيان اللبناني الهش والآيل للسقوط بين براثن نتنياهو ..هذا السلاح الذي حقق إنتصارات عجزت عنها جيوش الأمّة العربية ، وأدهشت العالم كله .. دولتنا لا تهتم لما يفعله (البصاص) في بلادي ، فهي كانت تدرِّب إصبعها المبارك على وضع بصمتها المميزة على الورقة الأميركية الإسرائيلية .. فليتجسس علينا وليتسبب في قتلنا وهدم بيوتنا على رؤوسنا .. المهم أنها وافقت على ورقة تسليم السلاح وتسليمنا فريسة شهيّة لنتنياهو ..
كم هي متسامحة هذه الدولة..حتى الجاسوس تسلِّمه معززاً مكرّماً للعدو بعد أن تسلّم جواز سفره الإسرائيلي .. ولا تنتظر رد الجميل . هكذا يكون الغفران .. ودون مقابل ..دولة عفيفة النفس.. لا تطلب شيئاً لنفسها ..كل ما تتمناه الأجر على فعل الخير.. أسير بين يديها ولم تقايض به ..!! ولم تقُم بمحاولة لمبادلته بأسرانا المعتقلين عند الصهاينة ..
هي الرحمة بأبهى صورها ..والنسيان التام لواجباتها تجاه أسراها .. ..رحيمة على العدو شديدة على أبنائها ..!! هكذا بكل سهولة تسلِّم السلطات اللبنانية إسرائيلي كان يسرح ويمرح في لبنان ، هدية لإسرائيل في خطوة أُحادية الجانب.. وربما عربون محبة وسلام مُنْتَظَر ..!!
لقد فوجئ الشعب اللبناني بخبرٍ مثير للدهشة ، أن السلطات اللبنانية سلّمت الأسير (الجاسوس) الإسرائيلي صالح أبو حسين عبر معبر الناقورة بعد عام كامل على إحتجازه في لبنان وفي مرحلة العدوان الإسرائيلي المتواصل..والإعلان عن هذا الحدث السعيد جاء من تل أبيب ومن مكتب نتنياهو شخصياً، الذي أصدر بياناً أشار فيه عن استعادة المواطن الإسرائيلي الثمين، وبعد مفاوضات سريّة أستمرّت لشهور بمساعدة الصليب الأحمر..!!!
فهل هناك دولة تتنازل عن ورقة رابحة بيدها مجاناً، دون أي مقابل..ودون أن نعرف من أنجز هذه الصفقة الرابحة ..أي أنّ قرار التسليم بقي سرياً ومريباً ومحصوراً ضمن دائرة ضيقة لم يتم كشفها للرأي العام..ولم يصدُر أي تعليق رسمي حول القضية . ولا بيان يوضِّح هذه الإستراتيجية السيادية..
سلمت الجاسوس وبدأت تبحث عن تبرير لفعلها الصادم والمخزي ..!!
فأين أسرانا ومن يطالب بهم .. كيف لم تقايضي هذا الجاسوس ولو بأسير واحد .. !! ساومي على إنتزاع أي مكسب من هذه الصفقة المخجلة .. !!سيدنا شهيدنا الأقدس نصرالله إستعاد أسرانا وجثامين الشهداء بجثتين متعفنتين ويابستين من كلاب صهيون ..
وأنت يا دولة تملكين أسير أخضر طازج (fresh) المفروض أن تحرري به كل أسرى الوطن العربي !!
أه يا سيد كم نفتقد حكمتك وقوتك وحضورك وأصبعك المقدّس الذي كان يرعب العدو ويلجمه ويجعله يفكر ألف مرة قبل أن تمتد يده إلى لبنانك ..
أه يا دولة ..ليتك مرة واحدة تثبتين أنك دولة ذات سيادة كما تسميّن نفسك .. وكما ينظُم بك القصائد جماعة السيادة والإستقلال .. وحب الحياة..
نحن لا نشُك بسيادتك لا سمح الله ، ونوقن بأنك بلغتِ سن الرشد . وتحريرك للأسير قرار ذاتي لم يوحِ لك أحد بإنجازه .. فرمان سيادي لا شك فيه ..فلا أمريكي شد أذنك ولا يزيد إبتزّك بوقف (الخرجيّة) ..
كل الحكاية أن الشعار
الذي ظننا أنه ولّى منذ التحرير عاد إلى الظهور بقوة : لبنان القوي بضعفه ..(شعار أنثوي بإمتياز) وسوريالي بطريقة يعجز عنها حتى سلفادور دالي بجلالة قدره .. هذا الشعار يترجم ما يحدث الآن معك يا دولتنا ..نسلم الأسير ونسلم السلاح ..ونستسلم للضعف الذي هو مصدر قوة لبنان ..ولبنان الذي هو أكبر من أن يُبلع وأصغر من أن يُقسّم ..!! بفضلك وإن لم تعودي إلى رشدك يا دولة سيُقسّم وسيُبلع جداً ..
*هيام وهبي*