عدنان علامه - عضو الرابطة الدولية للخبراء
لم يعد خافياً أن واشنطن وتل أبيب تتحركان وفق منطق القوة العارية لا القانون الدولي.
فقرار الإدارة الأميركية فرض عقوبات على قضاة المحكمة الجنائية الدولية، لمجرد أنهم تجرأوا على فتح ملفات جرائم حرب ارتكبها جنود أميركيون وإسرائيليون، هو إعلان رسمي أن "ترامب وروبيو ونتنياهو" نصَّبوا أنفسهم محاكم فوق المحاكم، ودساتير فوق الأمم، وأسسوا لمرحلة "القانون الترامبي – النتنياهوي"، حيث تُكافأ الجريمة ويُعاقَب القاضي.
فالهجوم الأميركي الأخير على المحكمة الجنائية ليس حادثة معزولة، بل حلقة في سلسلة طويلة من ضرب كل ما تبقى من منظومة الشرعية الدولية:
1- عقوبات على المدعي العام كريم خان، ثم على قضاة فرنسيين وكنديين،
2-واليوم مذكرات توقيف تُقابَل بالبلطجة والتهديدات.
3- وغداً من يضمن أن الأمم المتحدة نفسها لن تكون الهدف التالي؟
ولم تكتف واشنطن وإسرائيل بالتصدي لعدالة لاهاي، بل فتحتا جبهات إضافية: من الحرب على إيران واغتيال علمائها وقادتها، إلى الضغط الخانق على لبنان لنزع سلاح المقاومة بينما الاحتلال جاثم في الجنوب، إلى عمليات التطهير العرقي والإبادة الجماعية لغزة وحصار غزة وتجويع أهلها .
وأما في فنزويلا، فقد بلغت الوقاحة حدًا غير مسبوق، حين أعلنت واشنطن زيادة المكافأة المالية لمن يسلّم الرئيس نيكولاس مادورو، في سابقة تكشف عقلية العصابات، أكثر مما تعكس سلوك دولة تدّعي احترام السيادة والشرعية.
إنها العقلية نفسها: ترامب المصاب باضطراب نرجسي يتصرف كإمبراطور فوق القوانين، ونتنياهو الغارق في عقدة التوراة وحلم إسرائيل الكبرى. كلاهما يشرعن الاغتيال، يبرر الإبادة، ويحوّل القانون الدولي إلى أداة للإبتزاز والإنتقام.
فالعالم اليوم أمام خطر مزدوج: تحالف المرضى بالنرجسية وجنون العظمة، الذين يرون في كل دولة تقول "لا" هدفاً للإبتلاع أو العقاب. الأمس كانت المحكمة الجنائية الدولية، واليوم فنزويلا ولبنان وغزة وإيران، وغداً من التالي؟ أوروبا؟ أم أي دولة صغيرة لا تنحني أمام "القانون الترامبي – النتنياهوي"؟
فإن لم ينهض المجتمع الدولي سريعاً لوقف هذا الجنون، فلن يبقى قانون ولا شرعية، بل غابة تحكمها المكافآت المالية، الطائرات المحمّلة بالذخيرة، وصواريخ "الردع الاستباقي" التي يطلقها نرجسيون يعتقدون أنهم أوصياء على البشرية.
وإنَّ غدًا لناظره قريب
30 آب/أغسطس 2025