أظهرت دراسة بحثية جديدة أجرتها كلية طب وايل كورنيل أن الالتهاب أو التعرّض لظروف ضاغطة أثناء الحمل قد يترك آثارا عصبية طويلة الأمد في دماغ الأجنة ، مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالقلق في مراحل لاحقة من حياتهم.
كيف يبدأ الخطر قبل الولادة؟
لطالما عرف العلماء أن الصعوبات الصحية والنفسية التي تواجهها الأم أثناء الحمل قد تزيد من احتمالية إصابة الطفل باضطرابات نفسية مستقبلا. إلا أن الآليات البيولوجية التي تربط بين هذه التجارب قبل الولادة والصحة النفسية بعد الولادة لم تكن واضحة.
الدراسة، التي نُشرت في مجلة Cell Reports بتاريخ 10 سبتمبر 2025، ركّزت على منطقة من الدماغ تُسمّى التلفيف المسنّن البطني (vDG)، وهي جزء من الحُصين مسؤول عن تقييم التهديدات في البيئة. ووجد الباحثون أن التعرّض لظروف التهابية في الرحم يؤدي إلى إعادة برمجة نسبة صغيرة من الخلايا العصبية لتصبح مفرطة النشاط عند مواجهة مواقف مهدِّدة، ما يخلق قابلية أكبر للشعور بالقلق.
بصمات جينية طويلة الأمد
استخدم الباحثون نموذجا فئرانياً لمحاكاة الظروف الالتهابية أثناء الحمل، وقد أظهرت الفئران المولودة، على الرغم من كونها وراثيا طبيعية، سلوكيات واضحة للقلق مثل تجنّب الأماكن المفتوحة والمبالغة في الاستجابة للتوتر.
ولمعرفة السبب، قام الفريق بتحليل أنماط مثيلة الحمض النووي في الخلايا العصبية، وهي علامات كيميائية تتحكم في تشغيل وإيقاف الجينات، كما استخدموا تقنية تسلسل الحمض النووي الريبي (RNA) أحادي الخلية لرصد التغيرات في التعبير الجيني.
المفاجأة كانت اكتشاف آلاف المواقع التي تغيّر فيها نمط المثيلة، خصوصا في مناطق تتحكم بجينات متصلة بتكوين المشابك العصبية. وأظهرت بعض الخلايا العصبية تأثرا أكبر من غيرها، مما جعلها شديدة النشاط عند مواجهة مواقف خطرة.
دماغ يتوقع الخطر قبل حدوثه
أظهرت التجارب أن نشاط الخلايا العصبية لدى الفئران المعرّضة للالتهاب يبدأ بالارتفاع حتى قبل دخولها إلى بيئة مهدِّدة. هذا "التصاعد المبكر" في النشاط العصبي يعكس استجابة مبالغ فيها للخطر، وهو ما يفسّر السلوكيات القلقة.
وقالت الدكتورة كريستن بلييل، أستاذة علم الأدوية المشاركة وقائدة البحث: "هذه التغيرات الجينية تعيد برمجة بعض الخلايا العصبية للاستجابة بشكل مفرط في مرحلة البلوغ، مما يدفع الكائن لتصور البيئة على أنها أكثر تهديدا مما هي عليه بالفعل."
أهمية النتائج على الصحة العامة
يرى الباحثون أن فهم هذه الآلية قد يساعد في تطوير مؤشرات حيوية للكشف المبكر عن مخاطر القلق لدى البشر، وربما فتح المجال أمام علاجات جديدة تستهدف الجينات والمشابك العصبية التي أعيدت برمجتها.
ويؤكد الدكتور ميكلوش توث، أستاذ علم الأدوية في وايل كورنيل والمشارك في قيادة الدراسة: "هذه النتائج تسلّط الضوء على مدى أهمية صحة الأم أثناء الحمل، ليس فقط على الوزن عند الولادة أو التطور الجسدي، بل أيضا على تشكيل الوظائف الدماغية طويلة الأمد."