عبد الحميد كناكري خوجة: صحراء الرڨان...حين دوى النووي فتحطم الحجر ومات البشر.
مقالات
عبد الحميد كناكري خوجة: صحراء الرڨان...حين دوى النووي فتحطم الحجر ومات البشر.


صحراء الرڨان، الجرح النووي المفتوح في قلب الجزائر.

من رحم الفلسفة ودماء التاريخ، ومن صلب الميتافيزيقيا والجينولوجيا الجريحة، أكتب لا تابعا لحزب ولا خاضعا لهيئة، بل شاهدا حرا، وقلما يتخطى حدود التنظيمات ليصير ضميرا أنطولوجيا، يواجه الزيف بلا وجل، ويعانق الحقيقة بلا قيد. كلماتي ليست بيانا سياسيا، بل صرخة وجودية، مزيج من فكر ديالكتيكي وروح قرآنية، تستمد مشروعيتها من دماء الشهداء، فمن دماء الشهداء ومن صرخات وأنين المظلومين، أبت ريشة قلمي أن تبقى صامتة.

في ”صحراء الرقان" لم تكن الإنفجارات الذرية مجرد تجارب عسكرية، بل كارثة كونية، حيث تمزقت الأنسجة، وانكسرت الصخور، واحترق الغصن، وتاه الحيوان، وتسمم الإنسان.

لقد ارتجت الأرض رجا فشهد الحجر، وصرخ الشجر، وتألمت براءة الحيوان، وانكسر الإنسان... أي جريمة أعظم من أن تستباح الطبيعة برمتها؟

لكن الجرح أعمق من الرڨان وحدها؛ إنه ممتد عبر 132 عاما من الإستدمار، خطت سجلاته بالدم والنار: أزيد من ستة ملايين شهيد, أرواحهم الطاهرة صعدت زلفى إلى بارئها.

45 ألفا في ثلاثة أيام فقط” مجازر ماي " أبيدوا بدم بارد. 900 شهيد ألقيت أجسادهم في نهر الراين كأنهم أحجار لا بشر.

مئات دفنوا أحياء، وآلاف عذبوا حتى فضلوا المنية على الدنية. ومازالت الأدلة حاضرة: مئات جماجم الشهداء محتجزة في متاحف المستعمر، شاهدة على فلسفة استعمارية استكبارية، لا يبررها عقل، ولايزكيها منطق. إنها ليست مجرد آثار بشرية، بل أيقونات ميتافيزيقية للهمجية. وهل أحدثكم عن 150 شهيدا تم تقيدهم على عواميد حيث أجريت عليهم التجارب الذرية كي يعرف المجرم مدى تأثير الشعاع الذري على أجسادهم الطاهرة والتي أصبحت هشيما تزروه الرياح.........

لقد جاءت الرڨان لتضيف جرحا فوق جرح، ووصمة فوق وصمة؛ جريمة لم ترتكب ضد الأشقاء الجزائريين وحدهم، بل ضد الكوسموس بأسره، ضد الحجر والشجر والحيوان والإنسان. إنها لم تقتل أجسادا فقط، بل دنست الوجود، ولوثت الزمن وخالفت ناموس الكون.

فهل يشفى هذا الجرح باعتذارات باردة؟ وهل ينهض التاريخ بكلمات مموهة؟

كلا. إن العدالة الحقيقية لاتقاس بالشعارات، بل بميزان الحقوق والتعويضات. لكن وكتعويض للجزائر، إذا قيس بفداحة الجريمة، لايقل عن ترليون أورو. ليس منة ولا صدفة، بل استحقاقا تاريخيا، ورد الحق المغتصب، ووفاءا لأرواح الشهداء. ومع ذلك الجزائر لم تهزم؛ نهضت بثورة الفاتح من نوفمبر،

وارتفع صوتها في عمق الجرح ليعلن الحرية. ومازال النداء يتردد: ( ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون) آل عمران: 169.

الرڨان إذا ليست صحراء عادية، بل محراب دم وذاكرة، وجرح نووي مفتوح، وصرخة أبدية تقول: ”الحق لايموت مادام وراءه مطالب."

مفكر كاتب حر لا أنتمي لأية حزب أو منظمة أو هيئة، محلل سياسي وإعلامي سوري سابق في الغربة.