منذ طفولتنا نتعلم قائمة طويلة من "المحظورات" غير المكتوبة: لا تصفر في البيت كي لا يذهب المال، لا تسلم شيئاً عبر العتبة، وإذا قطعتك قطة سوداء في الطريق فهذا نذير شؤم، لكن من أين جاءت هذه المعتقدات؟ ولماذا رغم التطور العلمي، ما زال الكثيرون يتمسكون بها؟
القطط السوداء: من قداسة إلى لعنة
في مصر القديمة كانت القطة رمزاً مقدساً.
في اليونان القديمة ارتبطت بالإلهة هكاتي، ربة القمر.
في الصين القديمة مثلت طول العمر.
لكن في العصور الوسطى تغيّر الوضع جذرياً، إذ اعتُبرت القطط كائنات شيطانية. عام 1233 أصدر البابا غريغوري التاسع مرسوماً ربط فيه الشيطان بالقطط السوداء، مما مهد لبداية محاكم التفتيش وحملات قتل القطط.
المفارقة أن هذا القرار ساهم في انتشار الطاعون، لأن نقص القطط أدى إلى ازدياد أعداد الفئران، الناقلة الأساسية للمرض.
لا تصفر – لن يكون معك مال
الصفير ارتبط بالشؤم في ثقافات عديدة:
في تركيا: الصفير ليلاً يستدعي الشيطان.
في اليابان: نذير كارثة.
في بريطانيا: إشارة إلى "أرواح الموت".
أما عند السلاف فكان الصفير يجلب غضب الأرواح الشريرة ويهدد المحاصيل، لكن هناك تفسير عملي: في القرن السادس عشر كان التجار يحملون النقود المعدنية في أفواههم أثناء السفر، الصفير قد يُسقطها، ومن هنا جاءت المقولة: "لا تصفر – لن يكون معك مال".
صوت الوقواق: نبوءة العمر
الاعتقاد بأن طائر الوقواق يكشف المستقبل شائع في أوروبا وآسيا. عند سماع صوته، كان الناس يعدون "عدد الصيحات" لمعرفة:
موعد الزواج.
وفرة المحاصيل.
أو حتى المدة المتبقية من حياتهم.
الغريب أن الدراسات الحديثة (2017) أثبتت ارتباط غناء الوقواق بجودة البيئة والتنوع البيولوجي، وهو ما ينعكس فعلاً على صحة الإنسان ومتوسط عمره.
لماذا لا نضع زجاجات فارغة على الطاولة؟
في الثقافة السلافية، كان الفراغ رمزاً للفقر والشؤم، لكن هناك تفسير آخر من القرن التاسع عشر في فرنسا، حيث كان يُحتسب الحساب في الحانات بعدد الزجاجات الفارغة. الجنود الروس في باريس كانوا يخفونها لتقليل الفاتورة، وانتشرت بعدها عادة إخفاء الزجاجات الفارغة.
العتبة: حدود بين عالمين
في الموروث الشعبي السلافي، مثّلت العتبة خطاً فاصلاً بين عالم الأحياء والأموات، كان يُدفن تحتها الأطفال غير المعمّدين، ويُطرق بها نعش الميت ثلاث مرات قبل الخروج. لذلك صار من المحرمات:
تبادل الأشياء عبر العتبة.
إلقاء التحية عندها.
البصق ثلاثاً والنقر على الخشب
يعود هذا الطقس إلى أكثر من ألفي عام، كان يُعتقد أن شيطاناً صغيراً يجلس على الكتف الأيسر، والملاك الحارس على الأيمن، البصق عبر الكتف الأيسر مع الطرق على الخشب كان يطرد الشر، والرقم ثلاثة مستمد من العقيدة المسيحية، حتى اليوم ما زلنا نقول "تُف تُف تُف" لتجنب الحسد.
لماذا لا تزال الخرافات قوية؟
العلماء يفسرون ذلك بآلية الدماغ البشري في البحث عن العلاقات السببية، حتى لو كانت خاطئة، تاريخياً كان هذا يساعد على النجاة، اليوم قد يقودنا إلى التفكير الخاطئ، لكنه في الوقت نفسه يمنحنا شعوراً بالأمان.
الأبحاث الحديثة (2010–2018) أثبتت أن "طقوس الحظ" تزيد من الثقة بالنفس وتحسن الأداء، سواء في الامتحانات أو حتى في الرياضة.
الخرافات ليست مجرد بقايا من الماضي، بل انعكاس لطبيعة العقل البشري ورغبته في السيطرة على المجهول، ورغم أنها قد تبدو غير عقلانية، إلا أنها تلعب دوراً نفسياً في تهدئتنا ومنحنا شعوراً بالقوة.