٢٤/٩/٢٠٢٥
كتب الدكتور ميخائيل عوض
١
رسائلُ كلامِ بَراك ونتنياهو واضحةٌ وضوحَ الشمس، لن ولا يفيدُ معها دفنُ الرؤوسِ بالرمال:
لا سلامَ.
حربُ الحدودِ للتفاوض.
الحربُ ستنتجُ مُنتصرًا وخاضعًا.
كلامٌ واضحٌ جدًّا.
إيرانُ وحزبُ الله رأسُ الأفعى وسنقطعُها.
نتنياهو وعدَ أن يكونَ العامُ العبريّ ـ انتباه: العام العبريّ ـ أي منذ الأمس عامَ إسرائيلَ وهيمنتِها وتدميرَ الأعداء. وقبلها أعلن إسرائيل "إسبارطة"، وأكد على أن الحربَ بإمكاناتِ إسرائيلَ و"إسبارطة" محاربةٌ تُموَّلُ حروبُها.
السؤالُ المفتاحي: هل هي هَوْبَرةُ العاجزِ في غزّة، والخائفُ من الاعترافِ بالدولةِ الفلسطينية، والمحاصرُ بالأزمات؟
هل خطةٌ متفقٌ عليها مع قوى لبنانية للتهويل والابتزاز؟
٢
من سيضربُ أوّلًا بعاصفةِ التدمير: إيران أم لبنان؟
لبنان يبدو أيسرَ، والقاعدةُ عند نتنياهو: "اضربِ الصغيرَ يرتَهِب الكبير!" بدأها بغزّة، ثم لبنان، وأسقطَ النظامَ السوريَّ بالوهم والخوف؟
ومن غيرِ المستبعَد اعتمادُ قاعدةِ إسكندر ذي القرنين: "اضربِ القويَّ ينهارِ الضعيف"، مع أن نتنياهو لا شيء يجمعُه مع إسكندر.
٣
"كادت إيرانُ تُدمّر إسرائيل لو لم أُوقِفِ الحرب"؛ كلامٌ لترامب!؟
"لو استمرّت الحربُ لثلاثةِ أيام كانت انتهت إسرائيل"؛ وزيرُ الدفاعِ الإيراني.
لا بأس، للمحاربين وحدَهم حقُّ تقديرِ الموقف وقرارُ وقفِ الحرب أو استكمالِها.
سنةٌ من هدنةِ لبنان، ضربَ نتنياهو حيثُ ومتى شاء، ودمّر واحتلّ.
أشهرٌ ونتنياهو يتعنتر، وضربَ الدوحة، وأتمّ تدميرَ بُنى سورية وأيّةَ عناصرَ قوة، ودمّر البُنى التحتيةَ في اليمن.
قيلَ وأُعلنَ في إسرائيل عن "القبةِ الفولاذية" لأشعةِ الليزر، ووُضعت بالاستخدام؟
قدراتُها ـ بحسب الدعاية ـ هائلةٌ، وكلفتُها تافهة، وتُسقِطُ الأجسامَ بثوانٍ؛ أي أنها أسرعُ من الصواريخِ الفَرْطِ صوتية، والعنقودية، والبلازمية!
هل حقًّا بلغت إسرائيل وقُبَبُها هذا المستوى؟
وإلا فمن أين أتت العزيمةُ لنتنياهو وبراك لإعلان استمرار الحرب والعزيمة على قطعِ رأسِ إيرانَ وحزبِ الله؟
٤
طالما إيرانُ فاخرت بقدراتِها ومنتجاتِها العسكرية ومدنِها تحتَ الجبال.
كم استفادت من الهدنة؟ وماذا أنجزت؟ وهل صفَّت الاختراقات وأمّنت أمنَها وسلاحَها وقيادتَها؟ ربما!
إن لم تُبادر إيران وتُفاجئ، والمبادرةُ والمفاجأةُ من ألفِ باءِ الحرب وفرصِ النصر، سيبادر نتنياهو. وقد لا يستجيرُ بترامب كي لا تُستهدف القواعدُ والمصالحُ الأمريكية غيرُ المؤمَّنة بالقبةِ الليزرية.
٥
وعدَ أمينُ عامّ مجلسِ الأمنِ الوطنيِّ الإيراني لاريجاني أثناءَ زيارتِه للبنان بأن إيرانَ ستدخلُ الحرب لحمايةِ حزبِ الله. وبناءً للوعدِ المنطقي أنها أصبحت مستعدة؟
والحربُ ستعصفُ إن تجرّأ نتنياهو واختارَ أوّلًا الضعيفَ أي لبنان وحزبَ الله. أمّا إذا زاد رأسُه التهابًا وتوفّرت له المبادرةُ وبدأ بإيران، فالردُّ الإيرانيّ حتميّ بما توافر وما استجدّ، أو تدميرُ ما بقي من بُنى تحتية وعسكرية بما في ذلك اغتيالُ الخامنئي. فقد أبرأ ترامب مسبقًا عندما أكّد أن حربَ "قطع الرؤوس" بقدراتٍ ذاتيةٍ إسرائيلية.
٦
الإمامُ عليٌّ عليه السلام نبّه وقال: "ما غُزي قومٌ في ديارِهم إلّا ذلّوا".
فهل تُطلق إيرانُ استراتيجياتِ الصبر والانتظارية، وتبادرُ وتنتقلُ للهجومية تيمّنًا بقاعدةِ الحروب: "الهجومُ أفضلُ وسائلِ الدفاع"؟
هذا قرارُ إيران وقيادتِها، وليس أحدٌ غيرَها.
٧
كانت الحربُ تُوصَف بالوجودية وآخرَ الحروب، وسيخرجُ منها منتصرٌ يسودُ ومهزومٌ يغيب. وهذا ما أكّدَه براك من جديد وأعلن: لا سلامَ، إنما منتصرٌ ومهزوم.
الأمرُ واضحٌ لا لُبسَ فيه.
وعند نتنياهو بدأ العدُّ العكسي لعامٍ عبريٍّ تُقبِضُ فيه إسرائيلُ على الإقليم وتقطعُ رأسَ محورِ المقاومة.
زمنُ الفرصِ والحروبِ سريعُ النفاذ.
حربُ الجولاتِ والنقاطِ كانت أدّت وظائفَها وانتفت أسبابُها. وإبليسُ لاعبٌ فاعلٌ في الحروب التي تجري على حاجاتِ الظروفِ الموضوعية واستحقاقِ المهام التاريخية الواجبة، وليست على خططٍ ومزاجِ أحدِ المتحاربين.
إسرائيلُ الأوهنُ من بيتِ العنكبوت عرفت نقاطَ ضعفِها وانكسارَ عناصرِ قوتِها الاستراتيجية التاريخية، وركّزت على ما بقي لديها من وسيلتَيِ الاختراقاتِ والحربِ السرّيةِ والاغتيالاتِ والذراعِ الطويلةِ الثقيلة. وأدركت أنها تخسر بحربِ الجولات، فقرّرت حربَ عاصفةٍ عندما تختار وتُقرّر الساحة، وتأخذُهم واحدةً بعد الأخرى لإحباطِ وحدةِ الجبهات. وامتلكت المبادرةَ والمفاجأةَ وعلى ذراعِها الطويلة، فلن تستعجلَ الانخراطَ بقتالٍ بريٍّ جبهيٍّ كانت خسرتْه في الجنوب اللبناني وتخسرُه في غزّة. فهل تُؤخَذُ بالمفاجأة ومن المسافة صفر، فينتهي تفوّقُها وآخرُ عناصرِ قوتِها؟
٨
السلامُ صار في خبرِ كان.
حربُ الحدودِ للاستهلاك والتفاوض.
والحربُ ـ بحسب براك ـ ليخرجَ منتصرٌ ومستسلم، لا خيارَ آخر.
كانت الحربُ وجوديةً بحسب وصفِ نتنياهو منذ اللحظةِ الأولى، وصار هدفُها "تطبيشَ" وتدميرَ المنطقة وإسقاطَ السياداتِ والحدودِ والدولِ والجيوش، أكانت جمهوريةً أو ملكية. فأمريكا بلوبيّاتها مأزومةٌ وتفضّل الفوضى والتدمير لتؤمّنَ نفسَها وتُعيدَ صياغةَ مشروعاتِها وخططِها وأدواتِها، لا فرق عندها. بل ربما المطلوبُ استخدامُ إسرائيل كخرطوشةٍ أخيرة، وإن خابت فلا خسارةَ ولا من يحزنون.
إنها حربُ "التطبيش" والوجود.
وبخاتمتِها لن تبقى إسرائيلُ كما تنبّأ نتنياهو: "إذا خسرنا الحرب فلن يكون لنا مكانٌ في المنطقة". وإسرائيلُ خسرت الحربَ من ساعةِ الطوفانِ العجائبية، وستُحاولُ تدميرَ ما كان قائمًا ليذهبَ معها كلُّ من صُنِع للتخادم وخدمةِ المشروع الاستعماري، فقد قرّر أصحابُه استبدالَ الأدوات، فتدميرُهم وقتلُهم أقلُّ كلفةً من تأمينِهم، بعدما صاروا أعباءً.
إيران على حدِّ السكين، فهل تُبادر وتُغيّر في اتجاه التطوّرات؟
لمتابعة كل جديد الاشتراك بقناة الأجمل آت على الرابط
https://youtube.com/channel/UCobZkbbxpvRjeIGXATr2biQ?si=YH1IE1r5qU5RGVhx